«الجنبية» زينة رجال السعودية في المناسبات والأعراس

بتكلفة تتخطى 50 ألف دولار أميركي

جناح منطقة جازان بالجنادرية (واس)
TT

يندر في الماضي خروج الرجل النجراني من بيته دون حزم «الجنبية» حول خاصرته، كرمز فخر واعتزاز له بانتمائه لمنطقته، وزينة لثوبه التقليدي الذي يرتديه بشكل يومي. إلا أن الوضع اختلف في الوقت الحالي بالنسبة لشباب وأطفال منطقة نجران (جنوب السعودية) الذين أصبحوا يكتفون بوضع «الجنبية» في المناسبات الخاصة.

وتعتبر «الجنبية» زينة للثياب التي يرتديها الرجال، والتي تنسدل على سائر الجسد، وتحزم حولها الجنابي التي تحوي حزاما وخنجرا مغروسا في سلالها تثبت على جانب الخاصرة. وتعد رمزا ثقافيا وتراثيا لشجاعة الرجال عند القبائل بجنوب شبه الجزيرة العربية في جنوب السعودية واليمن وسلطنة عمان، الذين قلما يخرج رجالهم في الماضي من دونها.

إبراهيم ناجي سعد متخصص في حرفة صناعة وإصلاح الجنابي والخناجر والسيوف بمنطقة نجران، ذكر أن «الجنبية» تصنع وتزين من الخشب والجلد الطبيعي، بينما يصنّع نصل الخناجر من الفضة أو الذهب أو الحديد، وتصنع سلالها من معدن الفضة الصافي أو الحديد، أو التنك المضغوط أو الـ«ستانلس ستيل» (الفولاذ المقاوم للصدأ) المرشوش بالفضة، ويصنع «العسيب» وهو غمد «الجنبية» من الخشب الخفيف، ورأس السلة يصنع من خامات مختلفة تؤخذ من لب القرن أو العاج، أو الفايبر، أو بلاستيك، وترصع بالفضة إن كانت مخصصة للزينة.

وحول سؤاله عن استمرار أهالي منطقة نجران بارتداء «الجنبية» والخنجر كجزء من اللباس التقليدي، ذكر إبراهيم ناجي لـ«الشرق الأوسط» أن كبار السن ما زلوا يحرصون على لبسها يوميا، بعكس الشباب الذين يحزمونها فوق الثياب التقليدية بالأعراس والمناسبات والأعياد، كزينة للباس التقليدي، ولأداء الرقصات الشعبية التقليدية مثل «السعب» برفع الخنجر وتحريكه للأعلى عند قرع الدفوف.

تزيين «الجنبية» يعد فنا قائما بحد ذاته، فتطعيمها بالذهب والفضة والبرونز، يرفع من سعرها وقيمتها لدى مقتنيها، إضافة إلى دقة النقوش التقليدية المختلفة على سطحها، التي غالبا ما توضح الحالة المادية لمرتديها. وتختلف أسعار «الجنبية» و«الخنجر» تبعا لنوعية خاماتها التي تصنع منها، من الحزام والخنجر والسلّة والرأس أو تطعم بها، فتتراوح بين 150 و200 ريال، إلى أن تصل لحدود 200 ألف ريال سعودي (أي ما يعادل 53 ألف دولار أميركي).

صنعة «الجنابي» والخناجر بدأت مع عائلة إبراهيم ناجي قبل ما يقارب أربعين عاما، وتوارثها أبا عن جد، حتى أصبح يعمل مع والده الذي يحترف صيانة وإصلاح كل مستلزمات «الجنابي» والخناجر والسيوف والعناية بها. يقول ناجي سعد والد إبراهيم: «(الجنبية) تتطلب عناية فائقة، فتصقل، وتسن، وتحد، بشكل دوري لدينا أو من الممكن أن يقوم بها مالك الخنجر أو (الجنبية)، عبر معجون خاص وعدة متكاملة لتلميعها والعناية بها، تحوي أدوات يطلق عليها (المدوس) والصنفرة، و(المصاقل)، بالإضافة للوح خشب لتثبيتها ومبرد، وتستغرق مدة تنظيفها ساعة على أقل تقدير».

ويشير ناجي سعد إلى أن الخناجر والسيوف و«الجنابي»، أصبحت تسلم إليه لتلميعها وصقلها لأداء فن العرضة الشعبي، لا لارتدائها بشكل يومي. وترد لناجي طلبات إهداءات الخناجر والسيوف النفيسة من منطقة نجران ومختلف مناطق السعودية، لنقش اسم المهدى له، أو أي عبارات يطلبها طالب الهدية، وتجهز في علب خاصة وفاخرة.

وهناك لـ«الجنابي» ومقابضها أنواع، أشهرها «العماني» و«الوتر» و«الصيني»، والقرون، ومنها «الحضرمي» و«العماني» و«الحدادي».

وكان الناس قديما في منطقة نجران يرتدون «الجنابي» للدفاع عن النفس باعتبارها سلاحا، بينما تستخدم حاليا للزينة، ويرتديها الناس في المناسبات كرمز للأصالة ومصدر للفخر، ولها قيمة اجتماعية عالية يتفاخر بها الناس فيما بينهم، إلى درجة أنها تعتبر أغلى هدية يقدمها أهالي نجران إلى من يحبون.

وعرفت الحضارة النجرانية الجنبية منذ آلاف السنين، طبقا للنقوش المكتشفة في مناطق «حمى» والجبال المجاورة للمنطقة، كما عرفت منذ عهد الحميريين وسبأ، وتمتاز سوق الجنبية في منطقة نجران بأنها السوق الوحيدة بالمملكة المختصة بالخناجر المصنوعة محليا، وبسبب أهمية الجنبية في الثقافة النجرانية، فقد أصبحت هذه السوق الصغيرة التي تحتوي على 20 تاجرا محطة مهمة لزوار نجران، ويضيف لأهميتها قربها من سوق يقوم تجارها بطحن الدقيق وبيعه.

وتضم السوق إلى جانب ذلك سوق الخرازين المختصين بالمنتجات الجلدية المختلفة، بالإضافة إلى سوق التمور الموسمية، وسوق الحدادين.

وأعيد ترميم السوق الشعبية في أبا السعود مؤخرا، وفيه محلات لبيع المنتجات الشعبية، وخاصة السلال اليدوية الملونة، والمشغولات اليدوية.

وتمتاز سوق «الجنبية» بأنها السوق الوحيدة بالمملكة المختصة بالخناجر المصنوعة محليا.