مهرجان «كان» تحت عيون هوليوودية

سلبيات وإيجابيات مخرج أميركي ناجح في رئاسة لجنة التحكيم

ستيفن سبيلبرغ
TT

النقاش دائر منذ أيام حول ما إذا كان اختيار السينمائي الأميركي الأشهر ستيفن سبيلبرغ لقيادة لجنة التحكيم في مهرجان «كان» السينمائي الدولي في دورته الجديدة التي ستنطلق بعد يومين اختيارا صائبا أو خاطئا.

فريقان متعارضان، أولهما يرى أن مفهوم سبيلبرغ للسينما ودورها وكيفيته في معالجتها لا يصلح لأن يكون المرجع الذي يعود إليه سبيلبرغ لاختيار الفيلم الأفضل من بين مجموعة من الأفلام المتسابقة والمعروفة بانتماءاتها الفنية.

الفريق المناوئ يرى أن سبيلبرغ يصلح لرئاسة لجنة التحكيم لسببين، أولهما ثقافته الفنية الواسعة، وثانيهما أنه في مواجهة أفلام ترفيهية هناك أفلامه الجادة، هذا على الرغم من أنها ليست أفلام مؤلفين ولا تصب، في اهتماماتها ومعالجاتها، في ذات الكيان الذي تصب فيه الأفلام الأوروبية والعالمية التي يحتفي المهرجان الفرنسي بعرضها.

لجان التحكيم مسألة عويصة وفي «كان» مسألة أعوص. التاريخ القريب قد يوضح لنا مسارات الدورات السابقة من حيث من تبوأ المنصب الرائع كرئيس لجنة التحكيم وكيف كانت نتائجه.

نبدأ من العام الماضي: لم يخفِ المخرج الإيطالي ناني عدم إعجابه بأفلام الألماني المولد ميشال هنيكه. يعتبرها «مصندقة» و«خالية من الروح» و«منضبطة أكثر مما يجب»، وذلك حسب ما نقل عن صاحب «مفكرتي العزيزة» (1993) و«غرفة الابن» (2001) و«لدينا بابا» (2011). رغم ذلك، وفي العام الماضي عندما ترأس موريتي لجنة التحكيم، ذهبت الجائزة الذهبية إلى هنيكه عن فيلمه «حب». اضطرارا؟ لا نعلم، فلا أحد يعرف ما يدور في تلك الاجتماعات المغلقة التي يعقدها أعضاء لجنة التحكيم كذا مرة خلال الدورة، وأهمها المرة التي تسبق نهاية أيام المهرجان بنحو 36 ساعة. صفحات من الشروط على كل محلف التوقيع عليها ومن بينها إبقاء التصويت وكيفية الوصول إليه سرا. غالبية ما يتردد بعد ذلك يبقى تكهنات وافتراضات.

في عام 2011 حظي الممثل روبرت دي نيرو بالرئاسة والجائزة ذهبت إلى الفيلم الأميركي الوحيد الذي شارك بالمسابقة، وهو «شجرة الحياة» لترنس مالك. ومواطنه المخرج تيم بيرتون قاد اللجنة ذاتها سنة 2010 حينما تقرر منح الجائزة لفيلم هو الأردأ بين الثلاثة المذكورة للآن: «العم بونمي الذي يستطيع تذكر (حيواته) السابقة» لأبيشاتبونغ ويراسثاكول (كان لا بد لهذا الناقد من البحث عن الاسم مجددا لأنه من المستحيل حفظه).

في السنوات العشر الأخيرة ترأس تلك اللجنة أربعة أميركيين ومنحت السعفة الذهبية لثلاثة أفلام أميركية. هذا العام يرأسها مخرج ومنتج أميركي آخر هو ستيفن سبيلبرغ والبعض يتحدث عن سلبيات وإيجابيات ذلك.

السؤال الصحيح هو التالي: لو ترأس سبيلبرغ لجنة التحكيم قبل عامين عوضا عن روبرت دي نيرو، هل كان سيمنح الجائزة لتحفة فنية هائلة ذات ثراء بصري غير محدود كحال فيلم «شجرة الحياة»؟

الغالب، مما نعرفه عن سبيلبرغ، هو: لا. لكن هذا يدفع بسؤال آخر إلى الواجهة: ترى ما الفيلم الذي قد يرشحه المخرج للسعفة؟ ليس هذا العام فقط، بل كل عام... في أي عام؟

ستيفن سبيلبرغ هو ذلك النوع من المخرجين الأميركيين الكلاسيكيين في هوليوود الحديثة. يؤمن، ولا عيب في ذلك، بالسينما الجماهيرية ويؤمن أيضا بأنه يستطيع من حين لآخر التوجه إلى مواضيع متخصصة ذات مضامين مختلفة عما حقق شهرته على متنها. المشكلة هي أن معظم ما ذهب إليه في هذا الاتجاه عولج - أيضا - بقدر من الميلودرامية المباشرة. في نموذج «لائحة شيندلر» حدد الراحل ستانلي كوبريك المشكلة حين قال: «لم أشاهد ما حل بملايين اليهود على أيدي النازية، بل شاهدت كيف نجا بضع مئات منهم».

لكن سبيلبرغ قد يستطيع، وهو سينمائي ذكي وإنسان مثقف، إحداث مفاجأة في أعقاب مداولاته. في السادس والعشرين من مايو (أيار)، قبل يوم واحد من انتهاء المهرجان، قد يختار من بين الأعمال ما هو فني خالص. أو قد يجد أن أعضاء لجنة التحكيم تفضل ما لا يحبذه لكن عليه أن يرضى به.

المهمة ليست سهلة، فهو محاط بعدد من المخرجين القادمين من اتجاهات شتى وفي مقدمتهم الأميركي آنغ لي الذي خطف الأوسكار من سبيلبرغ في مطلع هذا العام عندما فاز باوسكار افضل مخرج عن فيلمه «حياة باي». من بينهم أيضا الروماني كرستيان مونجيو صاحب الفيلم الذي فاز سنة 2007 بسعفة المهرجان «أربعة أشهر، ثلاثة أسابيع، ويومان» (ترأس اللجنة حينها البريطاني ستيفن فريرز). وبينهم أيضا البريطانية لين رامزاي التي قدمت قبل عامين فيلمها «نحتاج إلى الحديث عن كيفن». الغالب أن رامزي لن تشكل قلقا كسواها، خصوصا أن لدى المخرجة اليابانية ناوومي كاواسي مفهوما مختلفا تماما لماهية الفيلم ولمن يتوجه، فهي صاحبة الفيلم الذي فاز بالجائزة الكبرى (ثاني الجوائز قيمة) سنة 2007 وعنوانه «غابة النحيب».

الآخرون أربعة ممثلين هم النمساوي كريستوف وولتز والفرنسي (الجزائري المولد) دانيال أوتييل والأميركية نيكول كيدمان والهندية فيديا بالان. وولتز لعب تحت إدارة كونتين تارانتينو صاحب «دجانغو طليقا» (الذي فشل أيضا بنيل الأوسكار) بينما لعب دانيال أوتييل في فيلم سابق لميشال هنيكه (هو «مخبوء»)، وانتقلت كيدمان بين المدرستين الأميركية والأوروبية أكثر من مرة. بالنسبة للهندية بالان فإنها الوحيدة التي ستظهر في أكثر من مناسبة غير مناسبة لجنة التحكيم.. فالمهرجان الفرنسي يحتفي بالسينما الهندية بمناسبة 100 سنة على ولادتها... هذا من دون فيلم هندي.