غاتسبي عظيم بقلم فيتزجرالد.. وبائس على شاشة باز لورمان

«ملحمة رومانسية أم مجرد إضاعة وقت بالأبعاد الثلاثة»

كاري موليغن وليوناردو ديكابريو
TT

هناك مفارقة ساخرة ناتجة عن اختيار «غاتسبي العظيم» لافتتاح مهرجان «كان» السينمائي الدولي. فبعد ساعات تلتئم عناصر الحفل الكبير: صانعو الفيلم، جمهور الضيوف والمشاركين وجمهور الموجودين أمام مدخل القصر، ومئات المصورين ونحو 1500 صحافي وناقد سيحضرون الفيلم في عرضه المسائي ثم يخرجون منه ويتوزعون. لكنّ عددا كبيرا منهم سيدلف بعد ذلك الحفلة الساهرة الكبيرة التي تقيمها شركة الإنتاج «وورنر» التي ستصدح فيها الموسيقى وتقدم فيها المأكولات والمشروبات. ثياب السهرة. الليموزين السوداء والبيضاء. الصدور العارمة والأوداج المنتفخة. الثراء البادي والغرور المتناهي... وكل «ذلك الجاز»! إنه فيلم الافتتاح ومن حق الجميع أن يفرحوا لهذا التكريم. لكن المفارقة الساخرة تكمن في أن رواية ف. سكوت فيتزجرالد ذاتها، تلك التي اقتبس منها المخرج باز لورمان عمله هذا، تنتقد البذخ والإسراف ومظاهر الثراء وتبحث في كيف يفسد المال الذمم ويهدد الأخلاقيات! الرواية المنشورة سنة 1925 تقص حكاية رجل اسمه غاي غاتسبي يعيش حياة مزدوجة ولو أنها تبدو ملتحمة في هيئة واحدة. جانب منها يحيا في الواقع وجانب آخر يعيش في الحلم، وذلك الآخر يكبر كلما ازدادت شراسته بغية تحقيق ذلك الحلم. غاتسبي لا يبحث عن الثراء والسلطة، بل يطاردهما. وهو يعيش قصة حب يعتبرها جزءا مما يحلم به ويتمناه لنفسه قبل أن يدرك أن الحب صعب المنال إذا لم يكن خالصا، وأنه غير مهيأ للمزج بالطموحات المادية من أي نوع.

ليست كل الرواية عن هذا المضمون، لكن هذا المضمون من بين أهمها، وهو موجود وفاعل في مختلف مؤلفاته الطويلة، و«غاتسبي العظيم» من بين أهمها، وفي رأي نقاد كتب متخصصين أفضلها. الرواية هي تعليق لمجتمع انتفخت جيوبه سريعا في زمن عرف بسنوات اليأس الاقتصادي. ليس بعيدا عن الوضع الاقتصادي الذي عاشته الولايات المتحدة سنة 2008 عندما تعرض النظام المصرفي والاقتصادي إلى هزة كادت أن تشله. وككثير من روايات فيتزجرالد، تتميز الرواية بوضوحها وبعناية الكاتب بعباراتها كما بشخصياتها. هذه واضحة تعيش ما تحلم به لتكتشف أنها تسير لكنها لا تتقدم.

في الرواية غاي غاتسبي هو شخص موضوع تحت رصد شخص آخر. هذا الشخص هو نك كاراواي (توبي ماكغواير في الفيلم) الذي يسجل ويرصد وينقل للقراء (وفي الفيلم للمشاهدين) ملاحظاته حول غاتسبي. شاب متخرج أتيحت له فرصة التعرف على غاتسبي بعدما استأجر منزلا قريبا من بيته الفخم والكبير، وهذا كان يدعوه لحفلاته، ويسر له من حين لآخر بما يشغل باله. فهو يحب فتاة شابة اسمها دايزي (كاري موليغن)، ودايزي التي بادلته الحب حينا متزوجة الآن برجل آخر. غاتسبي يعرف أنه خسرها لكنه لا يعترف بذلك. لا يزال يحاول أن يكسبها من جديد. ومع أن علاقتهما العاطفية تنطلق من جديد إلا أنها علاقة محكوم عليها بالفشل بعد عدة فصول.

ضجيج وحركة في الرواية يسرد نك كالاواي الحكاية، وهذا طبيعي، فهو الصوت الوحيد للسرد. كما هو معلوم لا يمكن على الورق أن يكون لديك صوتان مجتمعان في عبارة واحدة. أنت إما أن تكتب الرواية في صيغة ذاتك وإما في صيغة ذات أخرى. المخرج باز لورمان لا يبدو أنه يعرف شيئا من هذه البديهة. يريد أن يؤكد لك أن يعرف الحكاية فيستعين بكالاواي لكي يسرد ما يدور ويعلق عليه... هذا في الوقت الذي نرى فيه، بصريا، ما يتحدث عنه كالاواي. وصف على وصف. سينمائيا، هناك حالات ينجح فيها التعليق في إثراء العمل، وفي حالة «غاتسبي العظيم» ينجح في تدميره.

لورمان (صاحب «مولان روج»، و«أستراليا»، وحفنة أفلام كبيرة وهوجاء أخرى) مشكلة بحد ذاته. في كل مرة لديه فيلم يستحق أن يسرد (ودائما ما لديه مواضيع هي خامات درامية جيدة)، وفي كل مرة يعمد إلى تمزيق ما لديه إما بموسيقاه الضاجة وإما بحركات الكاميرا اللاهثة أو بمعالجته التي تضرب على الحواف ولا تحقق المطلوب مطلقا.

نعم، رواية «غاتسبي العظيم» تكشف عن أسلوب الحياة التي كانت تعيشها شخصيات مفصولة عما حولها، لكن هذا لا يجب أن يعني أن أسلوب المخرج يجب أن يحاكي القشرة التي تغطي تلك النظرة. وصف ثراء شخص واحد لا يعني مطلقا ضرورة أن تقفز الكاميرا من مكانها لتحلق فوق الرؤوس أو لكي تدور حول الشخصيات أو لكي يمنح الفيلم مظهره الزمني. زوم باك لكي يكشف عن نيويورك تحت البناء. الكاميرا تؤدي شخصية سوبرمان ذاتها. تريد أن تطير وتحلق كما يفعل ذلك الرجل الطائر أو أي رجل طائر سواه. وفي كل ما تفعله مضي بعيد عن روح الرواية الأصلية وأسباب وجودها.

وفي حين أن المخرج يسرد الحكاية على لسان إحدى شخصياته ربما من باب الأمانة، نجده يطيح بالعناصر الأخرى جميعا، متجاهلا روحها الأدبية كما الدرامية. هذا هو «غاتسبي العظيم» حسب رؤية لورمان وليس مؤلفه، ما يشكل سوء تقديم وفهم لماهية تلك الرواية. هم لورمان هو التشكيل البصري. إنه كما لو كان طرزان يحضر حفلة في قصر الإليزيه فيمضي الوقت قافزا من عمود إلى آخر تماشيا مع ما كان يفعله في أدغال أفريقيا. أول اهتمامات هذا المراهق السينمائي هو استخدام الكاميرا كما لو كانت كرة قدم، وآخر شواغله هو أن يحقق فنا. طبعا بعض النقاد اعتبروا أن التشكيل البصري الذي اعتاد على ممارسته فن بحد ذاته، وهؤلاء قد يضيفون إلى آرائهم المبدعة أن توظيف الأبعاد الثلاثة في هذا الفيلم هو من صرح ذلك الفن (معظمهم ينتظر آراء النقد الغربي ليبني موقفه).

ضمن ما هو مهدور هنا ليس فقط نحو 140 مليون دولار مصروفة على عمل لا قيمة له، بل عمق المادة الأصلية التي أطيح بها وبرسالاتها الاجتماعية، تلك التي استطاع فيلم جاك كلايتون «غاتسبي العظيم» (نسخة 1974) الاحتفاظ بها. ذلك الفيلم ورد باهتا وعلى شيء من البلادة حينها، لكنه بالتأكيد ليس بركاكة ورداءة هذه النسخة. وفي حين أن روبرت ردفورد منح شخصية غاتسبي حضورها الأدبي، فإن ديكابريو، وهو من أفضل ممثلي عصره، لا يستطيع إلا أن يتماشى مع اللهو المطلق الذي ينجزه لورمان حولها. إنه لا يزال يحتاج إلى مخرج جيد تماما كحال هذا الاقتباس، هذا على الرغم من أنه أفضل الممثلين في هذه الملهاة المملة.

لورمان اعتبر، في بعض أحاديثه، أن فيلمه هذا «ملحمة رومانسية»، لكن الفيلم، وقد شوهد في لندن قبل أيام، ليس ملحميا ولا رومانسيا. مجرد إضاعة وقت بالأبعاد الثلاثة.

* تحية لجيل أسبق

* «الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي الدولي

* الفرحة تملأ قلوب كثيرين كون كشيش وبولانسكي وأوزون وسودربيرغ والأخوين كوون ويارموش وماييكي وسواهم من المخرجين المعروفين بعثوا بأفلامهم لدخول مسابقة الدورة السادسة والستين التي تنطلق اليوم (الأربعاء). الترقب يسود. الحديث يطول. الأنفس تتربص والتوقعات ترتفع. لكن هل هناك جديد في كل ذلك؟

يكتب البعض منا مثارا لأن هذه الأسماء وسواها موجود بكثافة: مهرجان «كان» السينمائي عيد كبير للسينما يضم في اثني عشر يوما أسماء لامعة كثيرة، منها ما يعود إليه مرة تلو المرة. وكان يستقبله في كل مرة. كل هؤلاء الذين تم ذكرهم أعلاه وكثيرون غيرهم كانوا هنا من قبل. المداومون على حضور هذا المهرجان شاهدوا لهم أعمالهم هنا أولا. لكن هل هناك جديد في كل ذلك؟

مر وقت كان كل فيلم يعرضه «كان» أو أي مهرجان رئيس حدثا كبيرا. حتى ولو كان المخرج، لنقل فديريكو فيلليني أو ألفرد هيتشكوك أو جان - لوك غودار، مرتبطا بسينماه الخاصة به. كوزنتسيف، تاركوفسكي، كوروساوا، روزي، تانر، شابرول، بواسيه، أنطونيوني، هيتشكوك، ساورا، راي، كوبولا، بن، وعشرات غيرهم، مضوا وإن ما زال الكثير منهم حيا. فهل تصل أفلام الجدد إلى مستوى أفلامهم؟

يكتب البعض سعيدا أنه سيشاهد أفلاما لمخرجين عباقرة، لكن هل يمكن أن نرجع قليلا إلى الوراء لكي تبدو الصورة أكثر شمولا؟ هل لنا أن نستعيد ومن باب الفرح ذاته كيف كان حال السينما قبل الدجيتال أو أن شغفنا بالبقاء أحياء ومعاصرين يجعلنا ننسى كيف كنا قبل فترة ليست بالبعيدة تماما؟ هذه أسئلة مرتبطة بكيف نفهم وضعنا اليوم. لماذا نسارع في التهليل كما لو أننا منافسون في الزفة بينما نحن في النهاية نقاد سينما من المفترض بهم أن يكونوا مؤهلين للحكم على الصورة كاملة وليست مجزأة.

* صباح الخير.. يا «كان»

* إشاعة

* تردد في بعض الصحف الفرنسية كما في صحيفة الـ«دايلي تلغراف» البريطانية أن لجنة التحكيم هذا العام ستشاهد أفلامها حول مسبح الفندق الذي ستحل فيه خارج المدينة بعدما بنيت للغاية صالة مفتوحة. الصحف تعترف بأن هذه شائعة لا يوجد دليل يؤكدها لكنها قد تنضوي، في حال أنها حقيقة، على سابقة لا تدعو للاطمئنان.

* نيكولاس كيدج

* قبل بدء المهرجان أقدمت شركة «فورسايت أنلميتد» على الإعلان بأنها ستعرض مشروعها المقبل، وعنوانه «الفندق 33» للبيع خلال مهرجان «كان»، وأن الفيلم من بطولة نيكولاس كيدج الذي ما إن قرأ هذا الخبر حتى أوعز لمتحدث باسمه نفيه نفيا تاما والقول إنه لم يوقع عقدا ولا شارك في اجتماعات نقاش حول العمل.

* إعلانات

* وكالات تأجير الشقق مشغولة كثيرة هذه السنة، ليس في تلبية رغبات زبائنها من الوافدين بقدر البحث عنهم. حتى الساعات الأخيرة من بدء المهرجان كانت الإعلانات المبثوثة على البريد الإلكتروني تكشف عن أن الكثير من الشقق ما زالت شاغرة.

3. Nicolas Cage.jpg نيكولاس كيدج