مصور فرنسي يخزن الصور في الثلج ليبهر بها أهالي نجران بعد 36 سنة

دشن كتابه التوثيقي عن المنطقة بمجموعة نادرة من الصور

أقدم صورة لتشيكوف احترافية عالية في التصوير
TT

عندما وصل المصور الفرنسي تشيكوف مينوزا إلى منطقة نجران السعودية لتصوير آثارها وطريقة الحياة فيها عام 1977م، كان عليه أن يضع الأفلام التي يصورها في حافظة مليئة بالثلج منعا لتلفها في الأجواء الحارة، ويرسلها إلى الرياض، ليعاد إرسالها إلى باريس من أجل تحميضها. وبعد 36 عاما على هذا يعود مينوزا إلى نجران ليبهر أهلها بصور من تاريخهم خلدتها كاميرته.

ودشن مينوزا كتابه التوثيقي «نجران» عن مجموعة نادرة من الصور الفوتوغرافية، تزامنا مع مهرجان قس بن ساعدة، وخصصت له إدارة المهرجان خيمة بداخلها 4 شاشات تلفزيونية ليعرض 500 صورة التقطها لنجران قبل 36 عاما، تحكي عن عراقة نجران وآثارها وعاداتها وتقاليدها، ونشاطاتها واحتفالاتها وفنونها الشعبية، وصناعاتها المحلية وحرفها اليدوية.

وقال مينوزا لـ«الشرق الأوسط»: «قدمت إلى نجران عام 1977م، بناء على دعوة من الحكومة السعودية في ذلك الحين لالتقاط صور لعدد من المدن السعودية، وكانت نجران بالنسبة لي هي المدينة الحلم التي أبحث عنها، ولأول مرة شاهدت الصحراء والخيمة والجمل وقبل انتهاء مهمتي وقعت عقدا آخر مع رجل الأعمال علي بن مسلم لتأليف كتاب عن نجران وعدت إلى نجران لأقيم فيها عامين جمعت خلالها مئات الصور».

وأضاف أن الحياة قبل 36 عاما كانت صعبة جدا فغالبية القرى لم يكن فيها كهرباء، وكان ينام في الصحراء مع مرافقه عطران آل عقيل الذي كان يبذل جهدا في إقناع الناس بالموافقة على التصوير، فلم يكن يعلم أهل المنطقة من هذا الرجل ولا هذه الآلة التي يخرج منها ضوء، لافتا إلى أنه ومرافقه عطران تعرضا لهجوم حيوانات مفترسة وأفاع سامة، وتحملا الحر الشديد وسط الصحراء والعطش والجوع على مدار عامين.

وتابع مينوزا: «عند طباعة الكتاب عام 1982م كنت شغوفا جدا لعرض الكتاب لمرافقي عطران آل عقيل لأريه نتيجة تعبنا عامين، لكنني فوجئت بوفاة عطران فأجهشت في البكاء وقتها، وبقيت 6 أشهر حزينا عليه، وكتبت له على الغلاف كلمة شكر ووفاء».

وتطرق إلى أن كل شيء تغير في نجران إلا أهلها، الذين لا يزالون متمسكين بالكرم والشهامة، مشيرا إلى أنه خلال جولاته كان لا بد أن يتزود بالماء والغذاء وأحيانا يضطر إلى المبيت إذا صادفه الليل، وكان يخجل أن يجلس في منازل أهل المنطقة الكرماء من دون مقابل، إذ إنه لو حاول إعطاء المال مقابل المبيت لتم طرده باعتبارها إهانة لهم، فكان يأخذ معه تيسا ويعطيه صاحب المنزل للمشاركة في الأكل بحيث لا يجرح مشاعر مضيفه في إشارة إلى أنه من أصحاب المنزل.

وعرض المصور الفرنسي الصور التي التقطها قبل 36 عاما على شاشات تلفزيونية ورفض عرضها على شكل لوحات خوفا من أن يصورها أي شخص بكاميرا هاتفه الجوال، وقال: «تعبت على مدار عامين ونمت في الصحراء وطلعت الجبال وهبطت وديانا لأحصل على هذه الصورة التي لم تأت بسهولة».

ويقف زائرو الخيمة التي يجلس فيها مينوزا مبهورين لدقة الصور العالية، وعند سؤال أحد الزوار عما إذا كان المصور عالجها ببرنامج «الفوتوشوب»، أبدى مينوزا انزعاجه وشدد على أنه استخدم كاميرا فيلم في ذلك الوقت وهي أعلى دقة من كاميرا الديجيتال.

وأكد أنه كان يضع الفيلم بعد تصويره وسط «ترمس» مليء بالثلج ويرسله إلى الرياض ليتسلمه أحد أصدقائه ويرسله إلى معمله الخاص في باريس وكان كل 3 أشهر يسافر إلى فرنسا ليحمض الصور ويشاهدها ويجهز كاميراته وأفلامه ويعود بعد شهر إلى نجران.

وأطلق المصور كتابه «نجران» باللغتين العربية والإنجليزية في 150 صفحة من الحجم الكبير، وتضمن عدة أبواب منها: الزراعة وفن العمارة، والفنون والتقاليد، والحياة في الصحراء، ونجران الحديثة. كما استطاع المصور الفرنسي على مدى السنوات التي عاشها في نجران أن يجمع في صوره الكثير من الانطباعات الذهنية المثيرة لتعطي رؤية ساحرة لمعالم الفن والجمال وتقاليد الماضي العريق، التي تمثل جزءا من تراث أهالي منطقة نجران، ولها قيمة عظيمة تتناقلها الأجيال.

وتنقل الصور عددا من الفعاليات التي يعيشها أهل نجران والتي تتمثل في أشهر العادات النجرانية واحتفالاتها الشعبية التي تعبر عن مظاهر البهجة في مختلف المناسبات «الأعياد والزواج والختان والعودة إلى الوطن»، وهذه التقاليد العريقة تحظى باهتمام أهالي نجران وتدفعهم إلى التعبير عن صدق أحاسيسهم وشعورهم بالجمال وما يتسمون به من غنى حضاري.

ويُظهر الكتاب صورا لموقع الأخدود الأثري وهو من أبرز الآثار في المنطقة، وكانت تقوم عليه مدينة «رقمات.. عاصمة نجران القديمة»، ويقع على الضفة الجنوبية لوادي نجران، بين قريتي القابل والجربة، والموقع يتمثل في مدينة مركزية يحيط بها سور بطول 235م، وعرض 220م، بنيت أساسات مبانيها من الأحجار المنحوتة بعناية بارتفاعات تتراوح بين 2 - 4 أمتار، وتمثل القلعة الفترة الرئيسية للاستيطان في الأخدود.