500 عام من الفن البريطاني تحت سقف واحد في متحف التيت

تتبع للحركة الفنية من بداية القرن السادس عشر وإلى يومنا هذا

لوحة للفنان المعاصر ديفيد هوكني (إ.ب.أ)
TT

المشاهير إلى جانب المتواضعين والمغمورين، والذين مجدوا الفئات الأرستقراطية إلى جانب الذين سخروا منها، تجد أعمالهم معلقة على الحائط نفسه جنبا إلى جنب، في أول معرض يستضيفه متحف «التيت» الشهير في لندن ويتناول الحركة الفنية البريطانية خلال الـ500 عام الماضية، في معرض «جولة في الفن البريطاني» الذي افتتح هذا الأسبوع.

السبب في هذا النوع من التنظيم، الذي جاء على غير العادة المتبعة في تنظيم المعارض الفنية الجماعية أو حتى الأحادية الشخصية، التي تتناول الأعمال الفنية حسب التيمة والمدارس الفكرية والفنية، هو «إتاحة الفرصة للمشاهد للاستمتاع بما هو معروض دون فرض ذوق فني عليه من قبل المنظمين»، قالت مسؤولة في المتحف، خلال جولة ينظمها المتحف للزوار كل ساعة: «التسلسل التاريخي للأعمال الفنية، يقدم منظورا جديدا قادرا على إبراز تجاور الأعمال الفنية التي أنتجت خلال سنوات قليلة بعضها من بعض، لكن تيمتها الفنية متباعدة كل البعد».

ومن هنا، تجد بعض أعمال توماس غينزبره (1727 – 1788)، الذي اشتهر باللوحات الطبيعية والرسوم الشخصية لأفراد ينتمون إلى الفئات الارستقراطية، معلقة في الصالة نفسها مع الفنان الساخر ويليام هوغارث (1697 - 1763). وكذلك الحال بالنسبة لأعمال الفنان السير لورانس ألما تاديما (1836 – 1912) الذي تجد لوحته «عادة مفضلة» (1909) لامرأة عارية، معلقة إلى جانب لوحة «الهولندية» أيضا لامرأة عارية للفنان وولتر سكيرت (1860 - 1942). الأول أعماله تتناول جسم المرأة من مفاهيم وقيم اجتماعية تنبع من العصر الفيكتوري، أما الآخر فكان ينتمي إلى مجموعة طليعية في لندن ويعيش فنانوها في منطقة كامدن. الأعمال الفنية للمجموعة تحدت الأفكار السائدة في تلك الفترة، خصوصا في التعامل مع جسم المرأة.

جدير بالذكر أن الفنان وولتر سكريت اتهم قبل عدة سنوات، من قبل باحثة بريطانية، بأنه كان على دراية بهوية الشخص الذي اقترف عددا من الجرائم في لندن في بداية القرن العشرين، التي أصبحت معروفة باسم «جرائم السفاح جاك» والتي لم يعرف لحد الآن مقترفها. وقيل إنه، أي سكريت كان مهووسا برسم ضحايا الإجرام وهن عاريات.

الشيء الآخر، أن الفنان السير لورانس ألما تاديما هولندي الأصل، لكنه استقر في إنجلترا ومارس الفن فيها، ولهذا فإن أعماله تصب قلبا وقالبا في الحركة الفنية البريطانية التي يتناولها هذا المعرض بكل جوانبها. وكذلك بالنسبة للفنان وولتر سكريت، فهو ألماني الأصل ومن مواليد ميونيخ، لكنه استقر في لندن ومارس مهنته فيها وأصبح له تأثير قوي على الحركة الفنية الطليعية في القرن العشرين ببريطانيا. ومن هنا، فإن المعرض لا يتخذ فقط أصول انحدار الفنانين من المملكة المتحدة، لذا تجد أن الكثير من الفنانين يحملون أسماء أجنبية، بعضها أوروبية وبعضها ينتمي إلى جنسيات أخرى. الأعمال الفنية التي تنتمي إلى فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين في المعرض تتضمن مثلا أعمالا للفنانة الفلسطينية منى حاطوم، التي درست في بريطانيا ومارست عملها كفنانة فيها، وكانت قد ترشحت قبل سنوات لـ«جائزة تيرنر» الفنية المرموقة، ولها الآن عدد من الأعمال في بعض الغالريهات.

نادرا ما يخطر على بال الشخص أسماء بريطانية مشهورة في عالم الفن عند التحدث عن الحركات الفنية الأوروبية؛ مثل عصر النهضة في فلورنس بإيطاليا، والحركة الفلمنكية في العصور الوسطى، والإبداع الإسباني في القرن السابع عشر، وحركة فن نهاية القرن في فرنسا وغيرها.

لكن معرض «جولة في الفن البريطاني» الذي يتناول تطور الحركات التشكيلية خلال الـ500 عام، ابتداء من القرن السادس عشر وحتى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، يقدم لك، ولأول مرة، تطور الحركة الفنية في بريطانيا حسب تسلسلها التاريخي وتحت سقف واحد. الكثير من الفنانين، والأعمال الفنية، القديمة منها والحديثة، وجدت طريقها سابقا في مناسبات مختلفة وفي أماكن عرض في بريطانيا وخارجها. لكن هذا المعرض الدائم لتطور الحركة الفنية في بريطانيا خلال خمسة قرون جاء «ليسحب البساط»، كما قال أحد النقاد، من تحت أرجل غاليري «تيت مودرن»، الذي افتتح مع بداية الألفية الجديدة عام 2000 وأصبح واحدا من أشهر متاحف الفن الحديث في العالم. «تيت مودرن» استقطب العام الماضي أكثر من خمسة ملايين شخص. «تيت مودرن» و«تيت بريتين» متحفان ينتميان إلى مؤسسة «التيت» التي تتضمن عددا من الغالريهات في عدد من المدن البريطانية، مثل «ليفربول تيت» في شمال إنجلترا و«سانت إيفز تيت» في الجنوب الغربي من بريطانيا.

ولهذا، يحاول «تيت بريتن»، الاسم الجديد الذي اتخذه المتحف بعد افتتاح «تيت مودرن»، استعادة مكانته كواحد من أشهر متاحف بريطانيا والعالم. ومن هنا، جاءت فكرة معرض «جولة في الفن البريطاني».

وبغض النظر عن قيمة بعض الأعمال الفنية المعروضة، فإن المعروض يحتوي على كل شيء ويرضي كل الأذواق. ويتضمن المدارس الفنية والحركات الأوروبية التي تأثر بها الفنانون في بريطانيا والتي كان لهم الفضل أيضا في التأثير في بعضها، خصوصا الفترات اللاحقة من الفترة التي يغطيها المعرض، خاصة الحركة المعاصرة التي وجدت بداياتها في السبعينات مع ديفيد هوكني وفي التسعينات من القرن الماضي، التي أصبحت تسمى مدرسة «غولدسمثز»، وهي اسم الجامعة وكلية الفن التابعة لجامعة لندن التي تخرج فيها عدد من جيل التسعينات؛ أمثال ديميان هيرست (غالري ساتشي)، أصبح واحدا من أشهر جامعي الأعمال الفنية في بريطانيا الذي قدم هيرست وآخرين إلى العالم الفني.

المعرض فرصة أيضا لتقديم المرأة كفنانة، إذ يتضمن أعمالا لعدد من الفنانات البريطانيات المعاصرات، لكن هناك أعمالا لفنانات مغمورات، لم يعطين حقهن سابقا. ماري بيل، (1633 - 1699)، التي وجدت أعمالها بالصدفة من قبل ناقد فني في محل للأثاث المستعمل في باريس. وتعرض أعمال بيل في صالة تتضمن أعمالا من منتصف القرن السابع عشر وهي رسومات لابنها بارثولوميو وهو في سن العاشرة. ويقول المتحف إن الفنانة لم تنل الاعتراف اللازم بما قدمته للحركة الفنية في بريطانيا. ولولا هذا المعرض، فإن أعمالها ستبقى غائبة أو مجهولة بالنسبة للكثيرين. وهناك مجموعة كبيرة من الفنانات أمثال إيفلين دانبار (1906 - 1960)، وباربرا هيبوورث (1903 - 1975)، وماري سارجانت فلورنس (1867 - 1954)، وجان هوارث (1942).

وحازت بعض الأسماء اللامعة في الحركة الفنية البريطانية نصيب الأسد في المعرض، وخصصت لهم عدد من الصالات، أمثال جي أم تيرنر (775 – 1851)، وويليام بليك (1757 - 1827)، وهنري مور (1898 – 1986) - هذا الفنان الذي تجد الكثير من منحوتاته في عدد من المتنزهات في بريطانيا، يعرض له أيضا بعض اللوحات التي استخدم فيها الفحم والتي تبين بعض مشاهد من الملاجئ التي كان يختبئ فيها الناس خلال الحرب العالمية الثانية. وكان مور أحد الفنانين الذين اختيروا لتوثيق مشاهد من الحرب العالمية الثانية.