ليوناردو ديكابريو لـ «الشرق الأوسط» «أشعر بالتوتر في كل فيلم أمثله»

إنها ليست مهنة سهلة لمن يتحدى نفسه على الدوام

تحت الأضواء: ليوناردو ديكابريو في لقطة من «غاتسبي العظيم»
TT

ردود الفعل على فيلم باز لورمان «غاتسبي العظيم» لم تكن في «كان» (بعد عرضه الافتتاحي) أفضل مما كانت عليه في الولايات المتحدة أخيرا. نسبة الذين وجدوه سيئا جدا أو سيئا إلى حد كاف يصل إلى ثلاثة من أصل كل خمسة. الاثنان الباقيان إما وجداه متوسطا أو جيدا. بين النقاد العرب الموجودين لم يهضمه أحد. قد تسلى بعضهم بذكر الحركات البهلوانية للكاميرا، لكنه من الدراية بمكان بحيث يستطيع أن يجد في العمل تكلفا كبيرا.

لكن على الرغم من ذلك، هناك قلة يخطئون الممثل ليوناردو ديكابريو. هو تصرف على نحو مهني صحيح حين قرر أنه يريد لعب شخصية جاي غاتسبي وشد رحاله إلى هذا الدور من دون تردد واثقا، على ما يبدو، بشغف المخرج للمشروع وبذل له طوال سنوات. وهو، على صعيد آخر، أفضل عنصر أمام الكاميرا في هذا الفيلم. كل ما كان ينقصه هو نص أفضل وأعمق. حين لم يجده اعتمد على موهبته وأنجز نقاطا في هذا المجال.

حط لثلاثة أيام في المهرجان وحضر الحفلة الليلية التي أقيمت على شرف المهرجان، وفي اليوم التالي كنا نجلس معا لنصف ساعة محشورة بين سلسلة من المقابلات قبلها وبعدها.

* هذه ليست المرة الأولى التي تحضر فيها مهرجان كان. كيف تجد هذا المهرجان وكيف تفسر استقطابه للسينمائيين حول العالم؟

- شخصيا أحب «كان». أحب حضوره. ليس لدي قصص كبيرة أرويها حول هذا المهرجان. لم يحدث معي شيء يستحق الحديث فيه، لكن حين مجيئي إلى هنا أشعر كما لو أنني جزء من «لا دوتشي فيتا» (فيلم فديريكو فيلليني الذي خصه للحديث عن السينما - المحرر). المدينة كلها تتحول إلى سجادة حمراء وإلى حفل حاشد، لذلك أنا سعيد بأن أكون هنا هذه السنة عن هذا الفيلم.

* كيف تنظر إلى هذا الفيلم. ما أهم مزاياه التي تجعلك سعيدا به؟

- أعتقد أن هذا الفيلم كان مخاطرة وإذا حضرت المؤتمر الصحافي ولاحظت قمم شركة «وورنر» موجودة فيه ترقب وتستمع وتتابع ذلك وهذا دليل على حجم اهتمامها بالعمل وفي رأيي إشارة إلى وضعه الحرج، كونه فيلما لا يتكرر إلا كل وقت طويل. أعتقد أيضا أنه فيلم يعيد ابتكار العمل السينمائي على أكثر من وجه. هذا فيلم كان يحتاج لمهرجان كبير لكي يستفيد من الهالة التي يمنحها المهرجان لأفلامه. هذا المكان في رأيي المكان الأكثر ملاءمة ولو أن هناك دوما أناس عجيبين في هذه المدينة (يضحك).

* لكن الفيلم هوجم بضراوة من قبل كثير من النقاد - هذا ليس إلا دلالة على أن لكل امرئ رأيه الخاص. نعم النقاد في أميركا - كثيرون منهم في الحقيقة - انتقد الفيلم لكن أحزر ما الذي حصل؟ لقد نجح الفيلم على الرغم من ذلك. هذا جعلنا نحن في هذا العمل نشعر بثقة كبيرة من أنه ما زال هناك جمهور يبحث عن القيمة في العمل السينمائي. لذلك أنا سعيد بعملي فيه.

* هل تعتقد أن فتزجرالد استوحى الرواية من حياته الخاصة؟

- هذا ممكن جدا. هناك شيء من علاقته بزوجته زيلدا. الذي أحببته في هذا الفيلم هو الطريقة التي اشتغل فيها المخرج على ترجمة العلاقات القائمة بين البشر وكيف أن حكاية غاتسبي مروية من قبل شخصية نك كاراواي (لعبها توبي ماغواير). هذا مباشرة من الكتاب وحسب علمي لم يقم أي فيلم سابق بروي الأحداث من وجهة نظر شخصية غير غاتسبي أو ربما من وجهة نظر المخرج لكن ليس من وجهة نظر الشخصية التي تسرد في الرواية ما تلاحظه من مواقف.

* ما الذي تعلمته من شخصية جاي غاتسبي؟

- أعتقد أن أهم ميزة لهذه الشخصية هي أنها كانت مليئة بالتفاؤل. ونحن جميعا بحاجة لأن نكون متفائلين على هذا النحو.

* لكن غاتسبي لم يكن على علاقة فعلية مع الواقع.

- صحيح. لم يكن على تواصل مع الواقع مطلقا، لكني أعتقد أننا جميعا لدينا مراحل تدفعنا للحلم بعيدا عن الواقع الذي يشدنا إلى الخلف. أنت وأنا وربما كل الناس يجدون أنفسهم دوما موزعين بين الواقع الذي يحتم عليهم حجم وماهية ما يقومون به وبين الحلم الذي يراودهم ويرغبون من خلاله إنجاز ما لا يوفره ذلك الواقع لهم.

* شخصية غاتسبي حسبما كتبت وحسبما مثلتها تظهر جانبا متوترا في حالات كثيرة. هل هناك ما يدفعك للتوتر في حياتك الخاصة؟

- حين كنت ناشئا في المدرسة شعرت دائما بأني غير منتم إلى البيئة التي حولي. وهذا جعلني عصبيا ومتوترا (يصمت قليلا).. نعم أشعر بالتوتر دائما في كل الأوضاع. كل فيلم أقوم بتمثيله مناسبة لتوتري. إنها ليست مهنة سهلة لمن يتحدى نفسه على الدوام.

* طبعا. متى قرأت رواية فرنسيس سكوت فيتزجرالد أول مرة؟

- حين كنت في الكلية وفكرتي عن غاتسبي كانت أنه رجل قوي وغامض وماهر وصاحب سلطة. لكني قرأتها مجددا بعدما وافقت على تمثيل الدور وقراءتها اليوم اختلفت تماما عن قراءتي الأولى، ولا بد أن هذا أمر طبيعي.

* اختلفت من أي ناحية؟

- من ناحية أنني اليوم تفهمت شخصيته أفضل وتفهمت دوافعه أفضل بكثير. لدي ضوء مختلف جدا عن السابق. لقد أعجبني الكتاب أكثر من أي وقت مضى. تمعنت كثيرا في كلماته. تراءت لي كمشاهد وكيف سأقوم بتأديتها. والأهم أنني أدركت حقيقة حبه لدايزي وهي ناحية لم تستوقفني على نحو خاص في قراءاتي السابقة.

* أخيرا، لديك حضور قوي جدا في «دجانغو طليقا»، فيلمك السابق مباشرة لهذا العمل. أين تضع هذا العمل بين أعمالك كافة؟

- اسمع يا صديقي. منذ سنوات وأنا محظوظ من حيث إنني تعاملت مع مخرجين مبدعين. أحدهم سألني عمن قد يكون مثلي الأعلى بين المخرجين وأجبته إذا ذكرت (المخرجين) كونتين تارانتينو ومارتن سكورسيزي فإن ذلك كافيا. أعتقد أن باز لورمان من بين المبدعين الحقيقيين أيضا، لكن إذا تسألني عن «دجانغو طليقا» دعني أقول لك شيئا: الممثل ينفعل وينجح أكثر إذا ما وجد عند المخرج ذلك الشغف بالمشروع الذي يحققه. ذلك البذل الكبير، وهذا وجدته عند تارانتينو وعند مارتن سكورسيزي وآخرين سواهما. لذلك أنا محظوظ في هذه الناحية على الأقل.