«تياترو إسكندرية».. مطعم ومقهى ثقافي يستعيد ماضي عروس المتوسط

ساحة ثقافية تستقطب الشباب المتعطش للفنون بأشكالها كافة

اسم التياترو محفور على الخشب إحياء لفن الأرابيسك (« الشرق الأوسط»)
TT

في مواجهة موجات المد السياسية التي تعصف بالثقافة المصرية بعد الربيع العربي، يقف «تياترو الإسكندرية» محاولا إعطاء قبلة الحياة لها.. يستقطب الشباب المتعطش للفنون والثقافة بأشكالها كافة؛ من الرسم والموسيقى والمسرح والحكي والصناعات اليدوية، حتى إحياء فنون الطهي المصرية والعادات المرتبطة بها من خلال تقديمه مأكولات مصرية أصيلة.

يقع «تياترو الإسكندرية» في قلب الحي الإيطالي بعروس المتوسط، وهو المكان الذي كانت تقطنه الجالية الإيطالية في الإسكندرية الكوزموبوليتانية، ويحتل موقعا متميزا في شارع فؤاد بوسط الإسكندرية، بالقرب من «تياترو محمد علي» أو أوبرا الإسكندرية حاليا التي شيدت عام 1921، ليرتدي شارع فؤاد، أقدم شوارع العالم وشوارع الإسكندرية، حلته الثقافية من جديد. فتاريخ هذا الشارع العتيق يعود إلى عهد البطالمة وكانوا يطلقون عليه «الطريق الكانوبي»، حيث كان مصفوفا بالأعمدة الرخامية من بدايته وحتى نهايته.

وعن مشروعه الثقافي، يقول الدكتور محمود أبو دومة، المخرج المسرحي: «(تياترو الإسكندرية) حلم يراودني منذ أكثر من 30 عاما، عملت خلالها في دروب الحياة الثقافية المصرية كافة، وجبت العالم من خلال مهرجان المسرح، ولكن ظل حلمي أن يعود للإسكندرية الوهج الثقافي الذي كانت عليه، وبعد قيام ثورة يناير (كانون الثاني) 2011، ألح علي الحلم القديم في إحياء الثقافة المصرية والنزول إلى الشارع، وقررت تأسيس (تياترو إسكندرية)، ليس ليكون مجرد مقهى ثقافي، وإنما ساحة ثقافية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، تمارس فيه الأنشطة والبرامج الفنية والثقافية كافة، على مستويات متعددة تتراوح بين العروض الفنية والتدريب والحوار وبرامج الأطفال، وتقدم فيه عروض مسرحية، وستاند أب كوميدي واسكتشات موسيقية، ومعارض لبيع المنتجات اليدوية للفنانين المصريين، فضلا عن كونه يحمل السمات الثقافية للمقهى المصري، حيث نقدم فقط المأكولات المصرية الصميمة». وعن اختياره للاسم وهل هو مرتبط بمجاورته لتياترو محمد علي، قال: «لا. هو مستوحى من روح المكان الإيطالية، وكلمة (تياترو) هي كلمة إيطالية بالأساس (Il teatro)، أي المسرح. وكان هدفي منذ البداية أن يكون المكان ساحة للإنتاج الثقافي والأدبي والفكري والفني، يحتضن طبقات المجتمع وفئاته كافة خاصة الشباب، ليشعروا بنسيم الحرية ويطلقوا العنان لمواهبهم وقدراتهم».

وبالفعل، قام المسرحي المعروف بجهوده لإحياء فن المسرح بتمويل المشروع ذاتيا على مساحة 320 مترا مربعا، وبمساهمة من مؤسسة «المورد الثقافي»، والسفارة الهولندية في القاهرة، وقام بتصميم المكان على الطراز الإسلامي ليضفي عليه عبقا تراثيا فريدا، وشارك في افتتاحه عدد كبير من المسرحيين من مختلف الدول العربية والأجنبية، وكان من ضمنهم الناقدة المسرحية المعروفة الدكتورة نهاد صليحة، والناقد والشاعر جرجس شكري، والدكتورة ميسون علي الأستاذة بمعهد الفنون المسرحية بسوريا، والمخرجة السورية ديانا قاسم، والفنان السويدي فاكس أمادا، والفنانة الإيطالية أنا أمندولجين، والفنانة الأردنية سيرين حلي، الذين يحلون ضيوفا على المكان بين الحين والآخر، كما أنك تستطيع مقابلة أشهر الكتاب والأدباء بالإسكندرية، ومنهم يوسف زيدان.

التجول في أرجاء «تياترو الإسكندرية» سيجعلك تشعر بنشوة ثقافية، فهنا مجموعة من الشابات يعرضن منتجاتهن اليدوية من الحلي والإكسسوارات والملابس البدوية المصرية والملابس القطنية المطبوعة بحروف عربية، في الناحية الأخرى تستمع لبعض الشباب يقدمون غناء مصريا أصيلا على أنغام الوتريات، وهناك مجموعة من الشباب ينظمون وينسقون معروضاتهم للمشاركة في معرض للأنتيكات والقطع والعملات المعدنية والطوابع النادرة.

ومن بين الأنشطة الثقافية التي يقدمها «تياترو الإسكندرية»، فنون الطهي المصرية والعادات المرتبطة بها من خلال المطعم الملحق به، فمثلا ليس غريبا أن تجد دعوة للإفطار تتضمن المش والفول والفطير المشلتت، والبيض المزغلل، والجبن القريش في أجواء مصرية خالصة. وبعد مرور عام من افتتاح مشروعه الثقافي ومدى تفاعل «تياترو الإسكندرية» مع الظرف الثقافي والتاريخي الراهن، تنهد أبو دومة بحزن دفين قائلا: «حقيقة، لم أعد أعرف إذا ما كان هناك أمل في أن تستعيد الثقافة المصرية ألقها المعتاد أم لا؟! نحن مستمرون في مواجهة مقاومة المجتمع وليست المواجهة مع الحكومة، فهذا أمر أصعب بكثير، نحن نقاوم الفاشية الدينية التي تحاول القضاء على ثقافتنا».

ويحاول أبو دومة، المهموم بالشأن الثقافي، التشبث بثوب الأمل قائلا: «نجري إحصاءات دورية لتقييم أداء التياترو، ويتردد على المكان شباب من مختلف الطبقات، لكنه يقع تحديدا في الفئة العمرية من 20 إلى 35 سنة، ونسبة الفتيات المشاركات في الفعاليات والأنشطة 53% مقارنة بنسبة الشباب التي تصل إلى 47%». ورغم ضيق التنفس الذي تعانيه الأوساط الثقافية المصرية، يجد الشباب في «تياترو الإسكندرية» مركزا ثقافيا اجتماعيا مفتوحا، يلتقون فيه أكبر الكتاب والأدباء المصريين، ويتسامرون في «نادي الكتاب» الملحق بمكتبة التياترو القيمة، يقدمون عروضا ارتجالية ويفجرون طاقاتهم الإبداعية رغم همومهم السياسية الثورية.