المعماري جان نوفيل يكشف تفاصيل متحف بكين الأكبر في العالم

تصميم مستوحى من الخط وترفرف في حديقته 153 راية حمراء

تصميم متحف الفنون المقبل في بكين
TT

في مسابقة معمارية جرت قبل 3 سنوات وشاركت فيها أسماء لامعة بينها المعمارية البريطانية العراقية زهاء حديد والأميركي فرانك غيري، فاز المهندس الفرنسي جان نوفيل بتصميم المتحف الوطني الصيني للفنون. لكن تفاصيل المشروع ظلت سرية حتى أعلن عنها جان نوفيل، أمس، ناشرا الصورة الأولى للتصميم الذي يبدو وكأنه حروف صينية مبعثرة في الطبيعة.

والمتحف الذي يقع في العاصمة بكين، قرب ملعب «عش الطائر»، سيكون أكبر مركز للعرض الفني في العالم، حسبما أعلن القائمون عليه. وأوضح المعماري أنه استلهم فن الخط الصيني من منظور شيتاو، وهو شاعر وخطاط من سلالة كينغ التاريخية في الصين. وأضاف أن شطحة ريشة واحدة يمكن أن تكون منبعا لفكرة متكاملة ومصدرا لعشرة آلاف صورة. إنها سحبة الريشة التي تبدأ بها أي لوحة. وفن الخط الذي يسمى «الكاليغرافي» هو أصل الكتابة. وهي الفكرة التي حاول المهندس تجسيدها بالتعاون مع معهد بكين لفن العمارة والتصميم.

جان نوفيل، 66 عاما، فاز في المسابقة التي تألفت من 3 مراحل وشاركت فيها 7 فرق من الصين و13 مكتبا من أشهر المكاتب المعمارية في العالم. وبهذا الفوز يعزز المهندس الفرنسي مكانته في التواصل الثقافي بين الشرق والغرب، على غرار بكين، والصين كلها، التي تعيش طفرة كبيرة وتسعى لتثبيت مكانتها بوصفها مركزا فنيا يتطلع لمنافسة نيويورك وباريس وميلانو ولندن. إنها المدينة التي تجتمع فيها العراقة والحداثة، وتضم «المدينة الممنوعة» لأباطرتها القدامى والمدينة الأولمبية الجديدة. ويأتي متحفها المنتظر ليكون الحضن الذي يضع فنون الصين القديمة إلى جانب مجموعة الأعمال الفنية المعاصرة التي تواصل الجهات الثقافية اقتناءها.

لكي يكون أهلا للتصدي لمشروع ضخم مثل هذا، توجب على جان نوفيل أن يفكر كما يفكر مواطن صيني. وبما أن تغيير الأصل ليس ممكنا، لم يجد أمامه سوى أن يغطس في الثقافة العريقة للبلد والممتدة إلى آلاف السنين. وهو قد حذا حذو الخطاطين الصينيين المبتدئين الذين يفرض عليهم أن يمضوا الأشهر الستة الأولى من تدريبهم في الاطلاع على التاريخ. وبعد ذلك قضى ما يقارب السنة وهو يتحاور ويراقب ويقرأ ويطلب الترجمات لكي يحصل على خلاصة تتيح له تجسيد روح حضارة كاملة. وكانت النتيجة شكلا غريبا يشبه حيوانا يهم بالنهوض، وتصميما فضفاضا وكبيرا لمتحف مبني بالحجر والزجاج والمعدن في سبيل الوصول إلى فكرة شحطة ريشة الخط التي تبدأ من جنوب الموقع ثم تدور وتتعملق في الشمال. إنها تخترق الواجهة التي يبلغ طولها 225 مترا وتوحي، رغم ضخامتها، بالخفة والشفافية. وبهذا يكون المهندس قد حقق رغبة الصينيين الذين أرادوا تصميما يعكس مرور الأزمنة.

تبدو الواجهة وكأنها تقبض على انعكاسات النور وهي تتغير بحسب ساعات النهار وتنوع الطقس وحركة الغيوم في السماء وتبدل الفصول. كما أنها تختلف باختلاف زاوية النظر. وقد عمد المصمم إلى المزاوجة بين المواد الكامدة واللامعة، الصقيلة والخشنة، العاكسة تماما ونصف العاكسة، لكي يعطي الإيحاء للزائر بأنه يحلق في السماء أو فوق الجبال المزروعة بنباتات متنوعة. ولتحقيق ذلك، تفرغ فريق العمل طوال سنتين واستعان المعماري الفرنسي، في فترات الذروة، بأكثر من 30 مهندسا وخبيرا مساعدا. كما طلب مشاركة صديقه جيل كليمان الخبير في تصميم الفضاءات الخارجية الواقعة في محيط البناء. ونفذ كليمان حديقة من نباتات يغلب عليها اللون الأحمر الذي ترتديه الطبيعة في الخريف. وهناك شرفة واسعة توحي للناظر وأنها محاطة بالمياه، وتسمح بالإطلالة على الفضاءات المجاورة والملعب الرياضي الأولمبي القريب. ولكي يكتمل المشهد الصيني، زرع نوفيل 153 علما أحمر يرفرف بين الأشجار، إلى يمين المدخل ومن الجهة التي يقع فيها المطعم التابع للمتحف.

يحتاج المشروع إلى أقل من 5 سنوات لكي يظهر فوق سطح الأرض، وهو زمن قصير بالنسبة إلى مشاريع بهذا الحجم. لكن الصينيين قادرون على تسخير الأيدي العاملة للتنفيذ مع الاحتفاظ بتكلفة الإنشاء سرا من أسرار الدولة. وهي بأي حال من الأحوال تقل 3 مرات عن تكاليف بناء مماثل في فرنسا، مثلا.

يذكر أن المعماري سبق وأن وضع توقيعه على صروح كثيرة في أرجاء العالم، منها مبنى معهد العالم العربي في باريس ومتحف الدوحة و«اللوفر» في أبوظبي. وهو قد درس التصميم في معهدي باريس للفنون الجميلة وبوردو، جنوب غرب فرنسا، كما حصل على شهادة من جامعة هارفارد الأميركية.