تجارب

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان» السينمائي (7)

«جمال عظيم» للإيطالي باولو سورنتو
TT

تعيين المخرج إيليا سليمان مديرا فنيا لمؤسسة «دوحة فيلم إنستتيوت» هو فعل قد يـصيب وقد يـخيب. مصيب من حيث إن الاختيار وقع لإدارة هذه المؤسسة السينمائية على مخرج هو أولا عربي، وثانيا مرموق وله جولاته العالمية الناجحة، وثالثا وأساسا: مخرج. لكنه قد يـخيب من حيث إن المخرج الجيـد ليس بالضرورة مديرا فنيـا أو إداريا جيـدا. أي من عناصر الجذب هذه هو ضمانة لمستوى سينمائي مبذول عن دراية، لكن ما يكبـلها هو أن لا يكون العمل الإداري من بين مواهبه.

جيل جاكوب، رئيس مهرجان «كان» السينمائي الذي قرر التقاعد في عام 2015 كان ناقدا سينمائيا. روبرت ردفورد رئيس مهرجان سندانس كان ممثلا ومخرجا (ولا يزال) وروبرت دي نيرو هو ممثل (وفي مرات قليلة مخرج) يترأس مهرجان ترايبيكا. عندنا مسعود أمر الله آل علي مخرج سابق والمدير الفني لمهرجان دبي، والأمثلة كثيرة لسينمائيين ونقاد أداروا، ولا يزالون، مهرجانات سينمائية، والسؤال هو إذا ما كانت مهرجاناتهم أفضل شأنا من إداريين لا عمل لهم في السينما إلا من خلال إشرافهم على مهرجاناتهم.

مهرجانات السينما العربية باتت ثرية في تجاربها في وقت قصير، والحديث هنا بالطبع عن تلك الناجحة. تعاقب على معظمها إداريون وسينمائيون مختلفون في الآونة الأخيرة، والتبديلات الأخيرة كانت موفـقة. بداية أدار الكندي نيل ستيفنسون مهرجان دبي (أول الرعيل الجديد من المهرجانات العربية) وجيء بالسيدة نشوى الرويني لإدارة مهرجان أبوظبي في الوقت نفسه الذي قرر فيه مهرجان دبي الاستغناء عن خدمات الأجنبي وقيام الإماراتيين بإدارته، وهذا كان أهم تطور إداري حدث له بعد ثلاث سنوات من إطلاقه. أما «أبوظبي» فاستغنى عن نشوى الرويني وطاقمها العربي، وجاء بالأميركي بيتر سكارلت لبضع سنوات، قبل تغييره واختيار خبرة إماراتية لإدارته. هذا تم في العام الماضي الذي تم فيه أيضا إقالة أماندا بالمر من إدارة مهرجان الدوحة وتعيين قطريين في الإدارة العليا عوضا عنها.

كل هذه تجارب على الطريق تكتنزها هذه المهرجانات فتقويها، لكن التجارب لن تنتهي قريبا، ففي أي وقت قد يتم إجراء تغيير آخر يهدف إلى تعزيز قدراتها أو تصحيح اعوجاج طرأ على الخطـة، لكن المؤكد أنه لا رجعة في مسألة جعل المهرجانات العربية الكبيرة نقطة جذب لمشاريع أكبر.

* الفرنسية ساكنة والأميركية هادرة والباقي متفاوت

* تقييم أفلام النصف الأول من المهرجان

* كيف يتصرف الذين كتبوا قبل بدء مهرجان «كان» اليوم بعدما مر الأسبوع الأول من أعمال المهرجان من دون فيلم كبير؟ بسيطة: ينسون ما كتبوا ويكتبون من جديد أن المهرجان لم يشهد حتى الآن فيلما كبيرا أو خارقا للعادة، وهو بدأ قبل يومين أسبوعه الثاني.

كما كان من الخطأ الممارس كل سنة، الحماسة المفرطة في النظر إلى ما جمعه المهرجان الفرنسي في دورته السادسة والستين التي انطلقت في الخامس عشر من هذا الشهر، وتغلق أبوابها في السابع والعشرين منه، فإنه من الخطأ أيضا اعتبار كل ما يلمع ذهبا لمجرد أنه يحمل اسما كبيرا. نعم كانت هناك - حتى الآن - أفلام مميـزة، ولا تزال الأيام المتبقية تحمل مجموعة من الأفلام التي لا ريب ستساعد الدورة على تجاوز مطبـات الأفلام الأوروبية التي عرضت حتى الآن، والتي لم يكن من بينها سوى فيلمين يستحقان التقدير، هما «شابـة وجميلة» لفرنسوا أوزون، الذي لم يخل بدوره من المشاكل، و«الماضي» الذي هو إنتاج إيطالي - فرنسي للمخرج الإيراني أصغر فرهادي.

حتى يوم الثلاثاء (أول من أمس) عرضت المسابقة 11 فيلما من بينها 6 أفلام أوروبية، هي إلى جانب الفيلمين المذكورين «قلعة في إيطاليا» لفالريا بروني تديشي (فرنسا)، «بورغمن» لأليكس فان وورمردام (دنمارك - بلجيكا - هولاندا) و«جيمي ب» لأرنو دبلاشان (فرنسا) ثم «جمال عظيم» لباولو سورنتو (إيطاليا). وفي كل فيلم من هذه الأفلام حسنات تتفاوت بين القليلة («قلعة في إيطاليا») والمعتدلة («جيمي ب») قبل أن يأتيك الكوارثي في درجة تكلـفه («جمال عظيم»).

لكن الأفلام غير الأوروبية هي التي تثير الاهتمام أكثر، وتحتوي على حسنات أعلى، وهي حتى الآن «درع من قش» لتاكاشي ماييكي (اليابان)، «الابن كأبيه» لهيروكازو كوري - إيدا (اليابان) و«لمسة خطيئة» لجيا جانكجي (الصين).

والاختيار الأفريقي المتمثـل بفيلم محمد صالح هارون «غريغري» ينضوي تحت تلك الفئة التي خيـبت أكثر الراغبين في مشاهدة المخرج التشادي يتقدم في مشواره عوض أن يتراجع. هذا يترك الأفلام الأميركية التي عرض منها فيلم واحد حتى الآن وهو «داخل ليووين ديفيز»، بينما سيتوالى عرض الباقي تباعا، وهي «نبراسكا» لألكسندر باين، «المهاجر» لجيمس غراي، و«فقط العشاق بقوا أحياء» لجيم يارموش.

ومع علمنا بأن كل أفلام المسابقة تحمل علما فرنسيا (بما فيها الأفلام الأميركية المستقلة) فإن الحل الوحيد في هذا التقييم هو إعادة الفيلم لهوية مخرجه حتى يتسنى لنا النظر إلى تلك الأعمال من زوايا اختلافها. في هذا الإطار فإن المخرج الفرنسي رومان بولانسكي لا يزال يخبئ مفاجأته لآخر يوم من أيام المهرجان، وعنوانها «فينوس في الفراء»، كذلك يفعل المخرج التونسي الأصل عبد اللطيف كشيش «الأزرق هو اللون الأدفأ»، وكلاهما إنتاج فرنسي صرف كما الحال مع فيلم مخرجه دنماركي يحقق أعماله بالإنجليزية، هو نيكولاس وندينغ رن وعنوانه «الله فقط يغفر».

* حسب النقاد

* لعل الأيام ستثبت أن الأفلام الأميركية المتنافسة في هذا المهرجان هي الأكثر خروجا عن التقليد من سينما المؤلفين الأوروبيين، لكن هذا لا يزال، إلى أن تتوالى بقية الأفلام، افتراضا ولو أنه يحمل مبرراته. ما ليس افتراضيا أن لجنة التحكيم برئاسة الأميركي ستيفن سبيلبرغ ستجد نفسها أمام اختيارات مثيرة للاهتمام. سبيلبرغ، تحديدا، سيواجه مهمـة عصيبة خلال تصويته: لديه فيلم جيـد من إيران، فهل سيمنحه صوته؟ لديه بضعة أفلام أميركية تعد بأن تكون أفضل من معظم ما تم تقديمه حتى الآن، فهل سيميل إليها حتى ولو اتهم لاحقا بأنه غمط حق الأفلام غير الأميركية؟

في الواقع هناك نحو ثلاثين ناقدا سينمائيا من مختلف أنحاء العالم يجدون أن فيلم الأخوين إيتان وجوول كوون «داخل ليووين ديفيز» هو أفضل ما عرض من أعمال. المخرجان الأميركيان سبرا غورا متعدد السبل هذه المرة: من ناحية تحدثا عن إحباط مغن فولكلوري أميركي وسط متاهات حياته وعوزه المستمر لأدنى متطلبات الحياة، ومن ناحية أخرى تناولا بذكاء مرحلة الستينات وعالمها الذي تماوج بالمسارات الشبابية، ومن ناحية ثالثة قادا الفيلم في النهاية لا للحديث عن إحباط الفرد، بل إحباط العلاقة بين الحالمين والحلم الأميركي الكبير نفسه. الفيلم الإيراني الإخراج «الماضي» ينجز المركز الثاني في الأفضلية بين النقاد؛ كونه فحص ميكروسكوبيا العلاقات ضمن البيت الواحد في حكاية ذلك الإيراني الذي يأتي لتوقيع طلاقه من زوجته الفرنسية ليجدها تعيش دوامة متعددة الدوائر. والفيلم الصيني «لمسة خطيئة» لجيا جانكجي ينافس «الماضي» على المركز الثاني، والمخرج الأميركي سبيلبرغ قد يجده (إلا في حال حدوث مفاجأة كبيرة في الأيام الأربعة الباقية من المهرجان) حلا وسطا.

* عربيا: غياب أفلام ومهرجان

* في خضم كل ذلك.. السينما العربية تسلـم على الجميع وتتمنـى لهم عروضا ناجحة. آسفة لعدم تمكـنها هذا العام من عرض جديد جيـد (ولو أننا غير واثقين من أن شروط المهرجان والعلاقات التوزيعية هي السبب) لكنها تعد أن تحاول جهدها... ربما قبل نهاية هذا العقد مثلا. صحيح أنها كانت، بفضل تلك الشبكة التوزيعية التي تحدثنا عنها سابقا، موجودة في العام الماضي عبر فيلم «بعد الموقعة» ليسري نصر الله، لكنها هذه السنة والسنوات الكثيرة قبل العام الماضي لم تظهر على شاشة المسابقة. لم يكن لديها ما تعرضه أو ما لم تكترث شركات فرنسية للارتباط بها كأعمال تستحق التقديم.

ربما نظلم السينما العربية ومحاولاتها الدؤوبة التي غالبا ما تتوقـف عند الحضور وإطلاق المبادرات لمهرجاناتها الرئيسية. مهرجان القاهرة دعا إلى واحدة من تلك المبادرات الصحافية لكن، حسب قول أحد الذين حضروا، كان الذين لبوا الدعوة أقل من عدد الداعين إليها. السينما اللبنانية لها مكتب في سوق الفيلم، لكن عدد الذين يدخلون ويخرجون من المكاتب المحيطة بها هم أكثر من المتوجـهين إلى المكتب اللبناني للأسف. مهرجانا دبي وأبوظبي وحـدا جهودهما وانضمـا تحت خيمة واحدة باسم «دولة الإمارات العربية المتحدة»، وهو إقدام رائع يـبقي على روح المنافسة، لكنه يـذيب حدتها غير الضرورية التي قامت بينهما سابقا.

مهرجان دبي، عبر ذراعه التمويلي المسمـى «إنجاز» واقف وراء فيلم «عـمر» للفلسطيني هاني أبو أسعد الذي تم تقديمه في مظاهرة «نظرة ما»، وإذا ما فاز بالجائزة الأولى عن هذا القسم فإن ذلك انتصار للمهرجان بحد ذاته.

ينافسه على ذلك، من بين ثمانية عشر فيلما معروضة في هذا الفيلم فيلم هاينر سليم «أرضي المزروعة فلفل أحمر» وهو فيلم فرنسي - ألماني مشترك، ولو أن النيـة الإعلامية تقديمه أيضا كفيلم كردي نسبة لمخرجه وموضوعه. أيضا من بين المنافسين فيلم إيراني لمحمد رسولوف «مخطوطة.. لا تحرق» يعلن ملخـصه أنه يدور حول قاتلين مأجورين في مهمـة يختلفان حولها.

تكملة لحال المهرجانات فإن مهرجان الدوحة السينمائي الدولي الذي له مكتب هنا تحت راية «مؤسسة الفيلم القطري» انتهى. المدير العام الجديد السيد عبد العزيز بلخاطر أعلن ذلك قبل يومين في مؤتمر حاشد ذكر فيه أن الدورة الخامسة في العام الماضي هي آخر دوراته. لكن في المقابل سيتم استحداث مهرجانين دوليين آخرين، الأول هو «أجيال» وهو سيخصص، على ما يبدو، لسينما الأطفال والناشئة، والثاني مهرجان «قمرة» الذي سيخصص للأعمال الأولى والثانية فقط.

هل هي خطوة في مكانها؟ معرفة ذلك أمر سابق لأوانه حاليا، لكنه جزء من التغييرات التي كان صرح بها إلينا حين التقينا رئيس المهرجان في إطار مهرجان «برلين»، حيث تحدث هنا عن أن التفكير السائد هو البحث عن تغييرات جذرية تعيد وضع أولويات جديدة للمهرجان، وتفصله عن صيته السابق كمتعاون وشريك لمهرجان ترايبيكا النيويوركي.

* لسلي مونفيز .. عمل في التمثيل قبل أن يصبح رئيس «سي بي إس» الأميركية

* منتج فيلم «صيد السلمون في اليمن» أثنى لـ «الشرق الأوسط» على بطله عمرو واكد

* أولا المهنة: رئيس شركة «سي بي إس» الأميركية، يمكن اعتباره رديفا في عالم السينما والتلفزيون برئيس دولة. كلـما كـبر شأن الشركة كبر شأن الرئيس الذي يتولاها، والرئيس الذي يتولاها هو لسلي مونفيز.

هذا العام قفزت حصـة «سي بي إس» «CBS» من المشاهدين 20 في المائة أكثر مما كانت عليه في الفترة ذاتها من العام السابق، وهذا ما جعلها المحطة الأكثر مشاهدة متجاوزة منافستيها الرئيسيتين (إن بي سي» «NBC» و«أيه بي سي» «ABC» ومتجاوزة أيضا كل المحطـات الفضائية تبعا للإحصاء نفسه.

لسلي مونفيز له خلفية في «بزنس» السينما والتلفزيون تعود إلى منتصف الثمانينات، متولـيا في أواخرها منصبا رئاسيا لشركة الإنتاج المعروفة آنذاك «لوريمار» حتى عام 1993 عندما التحمت «لوريمار» بشركة «وورنر تليفجن» (واحدة من فروع «استديو وورنر»). تحت إدارته شهدت الشركة إنتاج برامج كوميدية ودرامية ناجحة، بينها المسلسل الذي منح جورج كلوني إطلالته الناجحة «ER».

عامان هناك ثم استقبلته محطة «سي بي إس» رئيسا لمجلسها التنفيذي، حيث نقلها من المركز الثالث إلى الأول عبر إنتاج مسلسلات نافذة مثل: «CSI» و«ناجون» ثم المزيد من حلقات «ستار ترك» الشهيرة.

استقبلنا في غرفة في فندق «أوتيل دي كاب» على بعد نحو 40 دقيقة من «كان». كان بعث بسيارة «ليموزين» لأنه وزوجته (مراسلة الأخبار في المحطة سابقا جولي تشن) يحبـان هدوء الفندق البعيد عن صخب المهرجان. الغرفة ذاتها تم استئجار كنباتها ومقاعدها والشاشة الكبيرة التي ستعرض على هذا الناقد ثلث ساعة من فيلم جديد كنظرة أولى. الفيلم هو «آخر فيغاس» Last Vegas (هناك لعب على كلمة «لاس فيغاس» بالطبع): كوميديا فاقعة من بطولة مايكل دوغلاس (الذي حضر بعد قليل) ومورغن فريمان وكيفن كلاين وروبرت دي نيرو.

* منذ حين والذراع السينمائية لمحطة «سي بي إس» نشطت في مجال السينما. ما سمات هذه المرحلة الجديدة؟

- الأفلام المصنوعة من قـبل المحطات التلفزيونية للعروض إما على الشاشة السينمائية أو في المنازل عادة ما كانت تتسم باختياراتها المحدودة في كل مجال. إنتاجيا هي محدودة الميزانيات. كأماكن تصوير هي أيضا محدودة الإمكانيات. كقصص ومواضيع هي مشاريع موجـهة للعائلات التي ترغب في مشاهدة بعض كبار نجوم الأمس؛ لأن السينما ما عادت توفـر لهم هذه الرغبة. سياستي منذ سنوات هي عدم تحاشي ممارسة اللعبة السينمائية ذاتها. أقصد أن تكون أفلامنا أولا موجـهة إلى جمهور السينما، وثانيا أن تكون قادرة على المنافسة في سوق صعبة، وثالثا أن تكون جيـدة في جوانبها وعناصرها الفنية. هذه هي السمات التي تسأل عنها.

* أعتقد أن ذلك بدا واضحا حين أنتجتم «صيد السلمون في اليمن».

- صحيح. هذا الفيلم عزيز عندي. لقد أحببته وسعيد بأنه حظي نقديا بنجاح جيد، كما كان بديلا مطروحا لأفلام كثيرة في موسم المهرجانات في نهاية العام الماضي.

* الممثل عمرو واكد كان جيـدا فيه..

- صحيح أيضا. كذلك كان إيوان مكروغر... كلاهما لعب دورا جيـدا في موضوع هو صاحب البطولة الأولى في الحقيقة. الآن لدينا «داخل لووين ديفيز» فيلم آخر جيد. هل شاهدته؟

* طبعا، لكني اعتقدت أن الفيلم فرنسي التمويل! - ليس تماما. صحيح «استديو كانال» وفـر جزءا كبيرا منه، لكن شركة «سكوت رودين» (منتج سينمائي معروف) شاركت في تمويله، وهي شركة أميركية. نحن ساهمنا في تمويله عبر شراء حق توزيعه في الولايات المتحدة وكندا. بهذه الصفة نحن شركاء.

* ماذا عن «آخر فيغاس»؟

- حين ترى الفيلم ستدرك أنه فيلم مفاجأة. في السنوات الأخيرة تكاثرت الأفلام الكوميدية التي لا معنى لها. ليست ما أتطلع صوبه شخصيا إذا ما أردت قضاء وقت عائلي جيـد. متى كانت آخر مرة شاهدنا فيها فيلما كوميديا جيدا ومناسبا لكل الأعمار؟ هذا الفيلم هو من هذا النوع، وهو مشروع أردت تنفيذه من حين قراءتي للسيناريو. يكفيه وجود أربعة ممثلين كل منهم موهبة كبيرة بالفعل.

* قرأت أنك كنت ممثلا بدورك..

- نعم في مطلع حياتي مثـلت حلقات من The Six Million Dollar Man وCannon.

* لماذا قررت أن تتوقـف؟

- لنقل إني شاهدت مستقبلي قبل حدوثه، وأدركت أنني لن أصل إلى الشهرة (يضحك). الحقيقة أنني أدركت أن جوهر العمل في هذه الصناعة هو الإنتاج، وأنه من الأولى أن أترك التمثيل لما أرغب في تحقيقه فعلا. الإنتاج بالنسبة لي هو القلب الذي يدفع بكل الجسم إلى العمل. العناصر الأخرى جميعا مهمـة لكنها تريد قلبا نابضا لكي تعيش.

* «غريغري»

* أفلام اليوم

* في بعض مدارس السيناريو في لوس أنجليس يقترح الأساتذة أن يتصور الكاتب أن السيناريو هو رسم مستطيل بأربعة أضلاع. ضع خطا أفقيا في منتصفه. الأحداث التي نراها على الشاشة هي الظاهرة وتقع في النصف الأعلى من الرسم، وتلك المبطـنة التي تنتمي إلى أبعاد الفيلم أو مضامينه تقع في النصف الأسفل. علاوة على ذلك، ولأجل تأمين نهاية صحيحة عليك أن تتصور خطـا نصف دائري (على شكل قوس) يمتد من مطلع الرسم إلى نهايته. بذلك، يقول المدرس، تضمن أن النهاية لها علاقة ببداية مشوارك.

خلال مشاهدة «غريغري» (حرف S لا يـفظ هنا) ليس أنه لا وجود لخط يقسم العمل إلى ظاهر وباطن، بل لا وجود لذلك القوس أيضا، وحين تأتي نهايته بعد نحو ساعة وأربعين دقيقة تقدر تلك المعلومة حول ربط البداية بالنهاية.. لأن النهاية هنا ليست صالحة.

المخرج التشادي محمد صالح هارون حقق أفضل من هذا العمل من قبل، وكان آخر ما حقق «رجل يصرخ» حيث - رغم قليل من التطويل - جاء أكثر انضباطا وأقل مدعاة لاستطراد الحكاية من دون طائل فعلي. يبدأ «غريغري» (وهو لقب الشخصية الرئيسية التي يقوم بها سليمان دمي) بشاب أفريقي يرقص الراب. كل شيء طبيعي في ذلك باستثناء أن قدم الراقص اليمنى مشلولة. غريغري يريد البرهنة على أن الشلل لا يمنعه من الرقص والجمهور المحيط به يريد إشعاره بالعاطفة وتشجيعه. بعد خمس دقائق ينتهي هذا التمهيد وننتقل إلى عمله مع والده بالتبنـي عندما تصل فتاة جميلة ترتدي ملابس ضيـقة تطلب التقاط صور لها. يدخلها غريغري الغرفة التي تؤدي دور الاستديو حين الحاجة، ويلتقط لها الصور، وحين تغادر يغادر قلب غريغري معها. عندما تعود بعد أيام لأخذ الصور يكون والده دخل المستشفى (من دون سبب معلوم). فاتورة المستشفى 700 ألف فرنك صومالي (أو هكذا يقال) وعلى غريغري أن يجد سبيلا لذلك. يرقص مجددا وهذه المرة يلفت ناظري ميمي (أناس مونوري) التي كان التقط لها الصور. واستلطاف وبعض الحب يبدأ بينهما لكنه لا ينتقل إلى مكان. إنها مومس، وحين يسألها غريغري لم تفعل ذلك تقول له: «بالطبع ليس للشهوة».

هذه مرحلة أو اثنتين متواليتين. بعد ذلك يدخل الفيلم فصلا مختلفا من الأحداث، ولو أن المخرج أرادها ملتحمة مع البنية الأساسية. ثم يبدأ العمل مع عصابة سرقة البترول وبيعه في السوق السوداء. حديث طويل هنا عن المخاطر وتقديم شخصيات وعرة وشريرة قبل طرد غريغري من العمل مرتين. في المرة الثانية حين ادعى أن البوليس أمسك به واستولى على البنزين في حين أنه باعه إلى عميل آخر لكي يقبض ما يسدد به دين المستشفى. خلال ذلك غابت الأم التي كانت ظهرت في البداية، ثم غاب الأب وإن كان لم يمت. وبعد تعرض غريغري للضرب على يدي أحد أزلام رئيس العصابة واسمه موسى (سيريل غووي) يرحل مع المومس الشابـة إلى قريتها. كانت طردته. وشاهدناه بالفعل يتركها، لذا عودته إليها والتغيير الكبير الذي حدث بينهما ليس فيه ما يكفي من المبررات. الأكثر إشكالا أن الفيلم وصل إلى نهايته بعودة موسى طالبا قتله، فإذا بنساء القرية (هذه القرية بلا رجال باستثناء غريغري الضعيف) يهاجمن موسى ويقتلنه ضربا ثم يضعنه في سيارته ويحرقنه. لجانب أن الفيلم مقسم إلى مراحل عوض أن تجمعه وحدة صحيحة، فإن البداية التي تقدم لنا الراقص، والنهاية التي تشهد حرق شخصية هي في الأساس ثانوية، تبدو نتيجة هذا التفكك الذي ارتكبه المخرج حين الكتابة، ثم أضاف إليه ركاكة التنفيذ.