أفلام اليوم

جولتان من العنف المتاح

درع من قش
TT

Only God Forgives (1*) «الله وحده يغفر» هو فيلم للمخرج الدنماركي نيكولاس وندينغ رفن الذي عام على سطح الشهرة حين قدم «درايف» قبل عامين من بطولة الممثل رايان غوزلينغ. أحد لا بد أخبر المخرج بأن تحقيق فيلم عن العنف يجب أن يكون عنيفا. وإذا كان دمويا فلم لا تكون الإضاءة حمراء كذلك الديكور والأجواء. ثم ربما هو من اقترح على نفسه (كونه كاتب هذا الفيلم) أن يضيف إليه عناصر أوديبية وكثيرا من الجنس لأجل المال والجنس لأجل لا شيء.

النتيجة طبق «كشري» تم إعداده حول أحداث تقع في العاصمة بانكوك، حيث يقيم جوليان تاجر المخدرات. شقيقه الأكبر اغتصب فتاة في السادسة عشرة من عمرها ثم قتلها. والدها قتله. أم جوليان وشقيقه (كرستين سكوت توماس) تريد من جوليان أن ينتقم. وهي تعيب على ابنها أنه لا يهتم لقتل القاتل وتوعز ذلك إلى غيرة جوليان من أخيه لأسباب جنسية. الجنس يشغل بال المخرج ويدفعه إلى ابتكار مواقف وحوارات لأجل التأكيد على حضور نفسي واهم للموضوع بأسره. لكن الشاغل الآخر هو العنف ومصدر كثير من مشاهده وجود كابتن بوليس ينفذ القانون على هواه، فإذا أراد اقتناص مجرم سحب سيفه من وراء ظهره (طريقة الساموراي) وضرب المجرم منفذا فيه حكم الإعدام.

مع كل ضربة كان الفيلم يقفز إلى الوراء قليلا بعيدا عن احتمالات الفوز بجائزة ما.

Shield of Straw (3*) فيلم آخر عنيف، لكن عنفه من النوع المستحب (وخجول إذا ما قيس بالفيلم السابق) هو «درع من القش» للمخرج الياباني الذي لا يهدأ ماكاشي ماييكي. كتبه جيدا تاميو هاياشي (عن رواية لكازوهيرو كيوشي) ومبني على فكرة يمكن تلخيصها بسهولة: فريق من تحريات البوليس الياباني عليهم مواكبة قاتل مخبول نفسيا ارتكب أكثر الجرائم بشاعة. الرحلة من مدينة فوكوكا إلى مدينة طوكيو. مما يجعلها مستحيلة ليس الكره الكبير الذي يكنه الناس لهذا القاتل، بل الجائزة التي أعلن عنها الملياردير العجوز نيناغاوا (تسوتوماو يامازاكي) وقيمتها مليار دولار لمن يقتل المجرم قبل وصوله إلى قبضة بوليس طوكيو.

هذا ما يعني أن الرحلة التي كان من المقرر لها أن تتم عبر موكب من سيارات وشاحنات الشرطة المسلحة تتعرض لأكثر من هجوم بعد قليل من بدئها، مما يدفع بالتحريين الخمسة لنقل المجرم إلى قطار، لكن الهجمات لا تتوقف وفي حل أخير يتم تهريبه إلى الريف ويبدو أن باقي الرحلة ستتم على الأقدام لولا قيام سائقة تاكسي بتوفير المساعدة. خلال فيلم من ساعتين وربع تقريبا هناك كثير من المعارك القتالية. كل من يحلم بثراء سريع، سواء أكان من المدنيين أو من رجال العصابات أو من رجال الشرطة (وبين هؤلاء الخمسة عميل) يقوم بتجربة حظه في الهجوم على القافلة لا فرق عنده إذا ما أبادها جميعا طالما أنه سيبيد المجرم ويقبض الجائزة الكبيرة.

هذا كله يخلق فيلم معارك بالدرجة الأولى تتداخل فيه عناصر هوليودية إنتاجا وكنوع قصصي. ففي أحد أكبر المشاهد تقوم شاحنة عملاقة باكتساح عشرات السيارات البوليسية محاولة الوصول إلى الحافلة التي تقل القاتل. مشهد لا تتعجب إذا ما شاهدته في فيلم أميركي، لكن أن تراه منفذا بالدقة والمهارة المطلوبتين في فيلم ياباني هو بلا شك نوع من التجديد المقبول.

بعد ذلك المشهد، وفي أعقاب مشاهد أكشن أصغر حجما، يبدأ المخرج ماييكي بمنح المشاهد ما جاء فعلا لمشاهدته: دراما شخصياتها واقعة في مأزق أخلاقي كبير. أكثر من واحد من فريق التحريات يتحدث عن رغبته في قتل المجرم (الذي لا يستحق الحياة أصلا، على حد قول أكثر من شخصية) وقبض المكافأة. بالنظر لراتب التحري المحدود يبدو تنفيذ حكم الإعدام بقاتل لا ضمير عنده ولا شعورا إنسانيا من أي نوع، أمرا مغريا.

ميياكي يستطيع أن يستفيد من العمل الذي بين يديه بصرف النظر عن كليشيهاته. يشحن كل مشهد بخواطر وجدالات. حين يفعل يقع في قدر من الثرثرة التي تراوح مكانها وتنصب في النواحي الأخلاقية والمهنية في عمل رجل القانون. لكن الحسنات أكثر من السيئات هنا ولو قليلا وتمثيل تاكاو أوزاوا في دور كبير التحريين والأكثر إصرارا على تسليم المجرم ليد العدالة وذودا عنه من تلك الحسنات المؤكدة.