الفن الأفغاني.. يستلهم الماضي والحاضر

كنوز متحف قطر من ثلاث قارات.. مرآة لعالم غير مرئي

رسم الهوامش الرائعة للمصحف الذي رسم وزين في العاصمة كابل بتفاصيل أدق من القطعة التي استلهم منها
TT

يقدم متحف الفن الإسلامي معرض جبل الفيروز «الفن الأفغاني تراث واستمرارية» الذي يقوم على الشراكة بين متحف الفن الإسلامي وطلاب وأساتذة معهد جبل الفيروز للفنون والعمارة الأفغانية في كابل. ويقوم المعرض على فكرة الحفاظ على الفنون التقليدية للعالم الإسلامي من ناحية المواضيع والمواد على حد سواء، وإبراز دور التعليم في نقلها وترجمتها. نصف قطع المعرض هي قطع تاريخية وتحف من مجموعة متحف الفن الإسلامي تنتمي إلى أربع سلالات عظيمة لها علاقة بأفغانستان هي الغزنوية والتيمورية والمغولية والصفوية. أما النصف الثاني فيقدم أعمالا صُنعت خصيصا للمعرض من قبل طلاب جبل الفيروز، بشكل يعكس روحية القطع التاريخية ويخلق نوعا من الحوار معها.

وتقول أمينة المعرض د. لسلي ميكلسن، وهي أخصائية في فنون إيران وآسيا الوسطى في القرون الوسطى، إن جبل الفيروز هو احتفاء بثراء التراث الثقافي الأفغاني وتذكير بالجوانب المشرقة لأفغانستان التي غالبا ما اقترن اسمها بالصراعات، حيث تمت دعوة بعض الحرفيين المقيمين في كابل إلى متحف الفن الإسلامي لمشاهدة ودراسة بعض القطع من مجموعة متحف الفن الإسلامي، معظمهم لم يكن قد رأى أعمالا كهذه إلا في الصور وعلى شاشات العرض أو صفحات الكتب. وأثناء اطلاع الطلاب والأساتذة على روائع الفن الإسلامي، انبرى موظفو المتحف لمناقشة تقنيات صنع القطع وتاريخها. وتضيف: «خلقت هذه الزيارة حوارا بين الماضي والحاضر، القديم والحديث، غنى التقاليد وحيوية أفغانستان الحديثة»، وتقول الشيخة المياسة بنت حمد بن خليفة آل ثاني، رئيسة مجلس أمناء هيئة متاحف قطر «رؤيتنا بالنسبة للمتحف هي أن يكون منبرا لجذب المجتمع بطريقة إيجابية إلى التراث الثقافي في الماضي والحاضر»، وتتابع «نأمل أن ينجح معرض جبل الفيروز: الفن الأفغاني تراث واستمرارية في إظهار التزامنا بالتعليم واحتفائنا بأصوات الأشخاص على اختلاف مشاربهم، والمشاركة في المعارف والمصادر».

ومعرض جبل الفيروز هو ثاني معرض في هذا الصدد بعد معرض جذور عربية، ومتحف الفن الإسلامي سيقوم بتطوير هذه الفكرة من أجل تشجيع الأكاديميين والطلاب لصياغة روايات من الماضي مع الرسم، كما أنه بصدد الإعداد لدعوة عدد من الموسيقيين من جميع أنحاء العالم الإسلامي لإنتاج قطع موسيقية مستوحاة من قطع المتحف المختلفة وعن عدد قطع معرض جبل الفيروز قالت ليزلي كاترينا ميكلسن أمينة معرض جبل الفيروز: إنه يتضمن 39 قطعة من جبل الفيروز و40 من متحف الفن الإسلامي. من جانبه قال تومي وايد مدير مؤسسة جبل الفيروز: «إن أفغانستان تزخر بالآثار والفنون الجميلة والمعرض جاء نتيجة عمل 7 سنوات من تأسيس صندوق جبل الفيروز، كما يعتبر أهم خطوة من خطواته بإتاحة الفرصة للطلاب الأفغان من الخروج من كابل لمشاهدة التراث الأفغاني بالعين المجردة لتكوين فكرة جيدة عن الماضي ودمجها بالحاضر».

ويكرس المعهد جهوده في إحياء الفنون التقليدية والمهارات الحرفية وفي خلق فرص عمل جديدة للحرفيين والنساء في أفغانستان. ويجمع المعهد ومدارسه المخصصة للصناعات التقليدية للخزف والأعمال الخشبية وفنون الخط أساتذة الحرف الرياديين في البلد والمستشارين الدوليين معا ليحافظوا على المهارات التقليدية، ويحسنوا التقنيات، ويعدوا تصميمات جديدة. يدرس الطلبة بانتظام خمسة أيام في الأسبوع، ويتلقون تعليما في جميع المناحي الحرفية التي يختارونها في التصميم، وسلامة ومواد الرسم التقني والإدارة، والكتابة بلغة «دري» واللغة الإنجليزية ومهارات الكومبيوتر وقطاع الأعمال. ويعمل برنامج «جبل الفيروز» لتنمية الأعمال مع المعهد ومع قطاع الأعمال الحرفية الموجودة من أجل إيجاد أسواق لفنون الحرف الأفغانية، ومن أجل خلق بواعث اقتصادية لتأمين بقائهم. إنه يقدم تدريبات في الأعمال للطلبة والفنانين، لمساعدتهم على التوسع ومهنية إنتاجهم.

وتقع ضاحية «مراد خان» التي يوجد بها جبل الفيروز على نهر كابل، بالقرب من فنادق المدينة وسوق الطير القديمة. المئذنة الزرقاء لمقام «أبو فزل» هي واحدة من أشهر معالم المدينة. لقد تضررت المنطقة بسبب الإهمال، والحرب، والمعماريين عديمي الضمير. لكن ضاحية «مراد خان» تحتفظ بكثير من نسيجها الأصلي من شبكة الشوارع الصغيرة التي تربط أجزاء السوق، والصروح الدينية، والفنادق والمباني، بشكل يبرز الروابط الفريدة للمنطقة بالتصميم الإسلامي وبنحو أربعمائة سنة من التاريخ الأفغاني. وسكانها يمثلون بشكل جلي مزيجا من مجتمع عرقي وديني، من قبائل «قزلباش» و«طاجيك» و«هزاره» و«بشتون» الذين يعيشون جنبا إلى جنب على الرغم من الحرب الأهلية. «مراد خان» التي كانت فيما مضى ضاحية مزدهرة بالتجارة والسكان، كانت مبانيها التقليدية تقطع شوارعها المليئة بالقمامة، وخدماتها العامة غير صالحة أو غير موجودة أصلا. في عام 2006، طلب زعماء «مراد خان» من مؤسسة «جبل الفيروز» أن يشتركوا معهم من أجل تحسين الخدمات وحماية التراث الحضاري القيم لمنطقتهم حتى تاريخه، وحققت مؤسسة «جبل الفيروز» ومجتمع «مراد خان» ما يلي: التخلص من 5000 متر مكعب من القمامة، وخفض مستوى الشارع بمقدار مترين، وتقديم فرص تشغيلية للرجال العاطلين عن العمل في المنطقة، وتركيب مصارف مياه على طول 200 متر وحفر بئرين جديدتين لمياه الشرب، ورصف شوارع بالحجارة لأول مرة. تصليح أكثر من 50 مبنى، منها مبان ذات أهمية مركزية للتقاليد المعمارية الأفغانية والنجاح في إدراج «مراد خان» في قائمة صندوق النصب التذكارية العالمي كواحدة من أكثر مواقع التراث الحضاري عرضة للخطر على النطاق العالمي، وافتتاح مركز لمحو الأمية يقدم تعليما إضافيا لـ156 طفلا من «مراد خان».

وتستثمر مؤسسة «جبل الفيروز» في مجالات الحرف الأفغانية التقليدية والمباني التاريخية للحفاظ على هذا التراث، ولإعادة بناء المناطق الحضرية، ولجذب انتباه الزوار، ولتطوير قطاع الأعمال الأفغاني، ولبناء المؤسسات الحكومية، ولرفع مستوى معيشة الأفغانيين.

ويتزامن افتتاح المعرض مع مؤتمر أكاديمي خاص يستمر يومين ويركز على الفنون الأفغانية والتراث الثقافي. يغطي هذا المؤتمر الذي تنظمه د. ميكلسن عددا من المواضيع تشمل الإنتاج الفني لكل واحدة من السلالات التي يركز عليها المعرض، ودراسات حول قضايا الإرث الثقافي في أفغانستان المعاصرة، مع بعض المساهمات من عدد من الخبراء الدوليين. وخصيصا من أجل المعرض تم إصدار كتالوج فاخر باللغتين العربية والإنجليزية. يضم الكتالوج مقالات منهجية بقلم أمينة المعرض وغيرها من الخبراء في المجال، كما يضم دراسات متعمقة حول كل قطع المعرض، هذا الكتالوج سيكون بمثابة دليل للزائر، وكتاب مهم للمعنيين بالفنون والحرف في أفغانستان، قديمها وحديثها. يذكر أن جبل الفيروز تأسس في مارس (آذار) 2006 بناء على طلب من الأمير تشارلز أمير ويلز، والرئيس الأفغاني حميد كرزاي بهدف ترميم المناطق العمرانية التاريخية وتجديد الفنون والعمارة الأفغانية التقليدية وتحفيز التطور المستدام للصناعات الحرفية في الدولة. وهذه هي السنة السابعة من عمر جبل الفيروز. وقد نجح في استكمال ضاحية مراد خان وهي منطقة تابعة لمدينة كابل القديمة وتأسيس معهد جبل الفيروز للفنون والعمارة الأفغانية أيضا. واليوم يعتبر قلب مدينة كابل القديمة مقصدا ثقافيا وتعليميا نابضا، وهو رمز للتعاون بين أفغانستان والمجتمع الدولي والمقيمين وطلاب مراد خان والمعهد.

وتضم مجموعة متحف الفن الإسلامي في الدوحة، عبر تبنيها لكافة مناحي الفن الإسلامي، مخطوطات وأعمالا خزفية ومعدنية وزجاجية وعاجية ونسيجية، وخشبية، وتعتبر مرآة لعالم غير مرئي، إضافة إلى الأحجار الكريمة. وتم جمع هذه المقتنيات من ثلاث قارات، بما فيها دول شرق أوسطية وصولا إلى بلدان كإسبانيا والهند. تمثل مقتنيات المتحف تنوع العالم الإسلامي وتشمل الفترة الممتدة من القرن السابع وحتى العشرين. يرتفع المتحف من البحر على كورنيش الدوحة وهو من تصميم المعماري الشهير آي إم باي الذي استقى إلهامه من الخطوط المعمارية الإسلامية التقليدية. ويعتبر متحف الفن الإسلامي المشروع الرائد لهيئة متاحف قطر بقيادة الشيخة المياسة بنت حمد آل خليفة آل ثاني رئيسة مجلس الأمناء، في تحويل دولة قطر إلى عاصمة ثقافية في الشرق الأوسط. وهذا المتحف يُعتبر أهم متحف للفنون الإسلامية في العالم، ويحتوي على مجموعة من المُقتنيات تمثل رحلة سردية عبر الزمن والحضارات والثقافات والأديان. ويتكون المتحف من 18 قاعة عرض بالإضافة إلى معارض مؤقتة تتغير باستمرار. وتعكس كل قاعة عرض حقبة زمنية مختلفة، إذ تمثّل فترة من الفترات التاريخيّة الممتدّة من القرن السابع حتى الثامن عشر.

والمتحف الإسلامي بقطر، إضافة لكونه مركزا تعليميا وثقافيا في مجال فن العالم الإسلامي، عبر ما يحتويه من كنوز ومقتنيات إسلامية تاريخية وأصلية ونادرة بهدف نقل العالم إلى قطر. أما بناء المتحف فقد مزج بين عبقرية إبداع البناء الهندسي الغربي وأصالة وروح الأفكار المعمارية الإسلامية، مما رفع المعايير الهندسية لمنطقة الخليج بأسرها التي تتسابق بلدانها إلى ثراء وفخامة الهندسة المعمارية. ومصمم المتحف هو أحد عظماء التصميم الهندسي للمتاحف في العالم. وخلافا للمصممين فقد قام المصمم، وهو أميركي من أصل صيني ولمدة ستة أشهر بدراسة العمارة الإسلامية. ويحتوي المتحف على عدة آلاف من المقتنيات الفنية للمتحف من ثلاث قارات بما فيها بلدان من الشرق الأوسط وأخرى أبعد مثل إسبانيا والهند، وتاريخ هذه القطع الفنية يتراوح بين القرن السابع الميلادي وصولا إلى القرن التاسع عشر. ويضم المتحف مقتنيات تغطي جميع مجالات الفن الإسلامي بينها كتب ومخطوطات وسيراميك ومعادن وزجاج وعاج وأنسجة وخشب وأحجار كريمة.