اليونيسكو تستضيف ندوة عن التنوع الثقافي في الخليج

نظمته المجموعة الخليجية ومناقشاته استعادت تجارب وإسهامات عربية وأسئلة قديمة ـ جديدة

المديرة العامة لليونيسكو إيرينا بوكوفا وعلى يسارها د. زياد الدريس ‏نائب رئيس المجلس التنفيذي المندوب الدائم للسعودية وعدد من ممثلي دول الخليج المشاركين في الندوة (تصوير: ممدوح أنور/ اليونيسكو)
TT

استضافت اليونيسكو يوم أول من أمس، ليوم كامل، منتدى دعت إليه المجموعة الخليجية في المنظمة الدولية تحت عنوان: «التنوع الثقافي ودوره في التنمية المستدامة وإثراء الحوار بين الثقافات» وافتتحته المديرة العامة إيرينا بوكوفا والمدير العام لمكتب التربية العربي لدول الخليج الدكتور علي القرني فضلا عن رئيسة المجموعة الخليجية مندوبة سلطنة عمان الدائمة الدكتورة سميرة الموسى.

يقول الدكتور زياد الدريس ‏نائب رئيس المجلس التنفيذي بمنظمة اليونسكو، المندوب الدائم للمملكة العربية السعودية أن الحوار ضروري في المجتمعات، وهو شخصيا شغوف بالتعددية والتنوع، وضد القولبة أياً كانت.

ويؤكد الدريس أن الذي حدث هو أنه لم يتحول العالم الفسيح الضخم إلى قرية كونية صغيرة فقط، بل أيضًا تحول الإنسان من كائن قروي صغير إلى إنسان عالمي ضخم، أي أن العالم تضاءل من تضخم وأن الإنسان تضخم من تضاؤل.

هذا وقد سعى منظمو المنتدى إلى توسيع إطار النقاش والتبادل عبر بلورة ثلاثة محاور تنضوي كلها تحت إشكالية حوار الحضارات ولكن من الزاوية الخليجية. وتركز أولها على «التنوع الثقافي في منطقة الخليج» من زاويتي الفنون والموسيقى ودور الترجمة في التلاقح الثقافي والحضاري بينما تناول ثانيها دور المؤسسات الثقافية الخليجية في تعزيز الحوار والتبادل الثقافي عبر تجربة معهد العلوم الإسلامية في البريمي «عمان» وتجربة الحي الثقافي في قطر المسمى «كتارا». وجاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان «حوار الثقافات بين الواقع والمتطلبات» لتعيد طرح العلاقة المعقدة بين الغرب والشرق ورصد ردود الفعل العربية والإسلامية على ما رآه البعض «غزوا ثقافيا».

وفي كلمتها الافتتاحية، وضعت إيرينا بوكوفا المنتدى في سياق النشاطات والجهود التي ساهمت فيها اليونيسكو للمحافظة على التنوع الثقافي في العالم منذ «إعلان اليونيسكو» في عام 2001 معتبرة أنه «يعكس التزام البلدان الخليجية والعربية بالعمل مع المنظمة الدولية لتحقيق أهدافها» في هذا المجال ومشيدة بالمساهمات التي قدمتها بلدان الخليج العربي كدعم البرامج التربوية لليونيسكو والجوائز الثقافية التي تمنحها بالاشتراك مع المنظمة الدولية فضلا عن المساهمات التي بذلت لتقوية وضع اللغة العربية داخلها.

ويشار في هذا الإطار إلى احتفال اليونيسكو باللغة العربية في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتناولت بوكوفا العلاقة الجدلية بين الثقافة والتنمية حيث إن الأولى تساهم في الثانية ولكن في الوقت عينه يتعين وضعها كأولوية على جدول النشاطات التنموية حيث إن «الاعتراف» بها يعني الاعتراف بالإنسان وبإمكانياته إذ «لا تنمية مستدامة من غير ثقافة». وامتدادا لذلك، رأت بوكوفا في التنوع الثقافي «اعترافا بالهوية والانتماء ولكن أيضا مصدرا للإبداع والتجديد» بفضل التلاقح الثقافي. وخلاصتها أن الحوار الثقافي يمثل «التحدي الأكبر» من أجل بناء السلام وهو الهدف الرئيسي لمنظمة اليونيسكو.

ونوه الدكتور علي القرني، في كلمته، بالجهود التي تبذلها الدول الخليجية من أجل «توطيد التواصل والتلاقي بين الشباب» فضلا عن سعيها للمحافظة على التنوع الثقافي وتسخيره في حوار الحضارات والثقافات وجعل الثقافة عاملا من عوامل التنمية ومسهلا للحوار بين البشر.

ومن جانبها، شددت مندوبة عمان على أن الغاية من المنتدى إبراز ما تزخر به الدول الخليجية من تنوع ثقافي وطبيعي فريد وتمسكها بهذه الثروة «خدمة للسلام وللتنمية المستدامة» مشيرة إلى التزام عمان بالحوار والتنوع الثقافي وتركيزها على دور الشباب في بث ثقافة الحوار والتسامح والسلام.

وحظيت التجربة العمانية التي أطلقت قبل خمسة أعوام تحت اسم «تواصل الثقافات» بعرض منفصل قدمه المسؤول عن هذا البرنامج البريطاني مارك إيفانس وتقوم على جمع الشبان أو الشابات من آفاق مختلفة غربية وشرقية وجمعهم في رحلات ثقافية عبر الصحراء بعيدا عن صخب الحياة اليومية ليتعرفوا على بعضهم البعض وليكتشفوا ما يجمعهم رغم اختلاف الهويات. وأكد إيفانز أن هذا النوع من الجهود «استثمار مربح» في السعي إلى عالم التسامح والسلام والتعاون. وفيما عرض الشيخ خليفة بن أحمد آل خليفة من البحرين التنوع الثقافي والفني والموسيقي خليجيا والتداخل والمؤثرات المتبادلة، بين عوض علي صالح، من دولة الإمارات العربية، أهمية الدور الذي يلعبه مشروع «كلمة» للترجمات بهدف الاستفادة من معارف الآخرين وترسيخ الوعي الثقافي وكوسيلة للتواصل الثقافي عبر الكتب المنقولة إلى العربية. وأشار إلى أن «كلمة» نجح في ترجمة أكثر من 500 كتاب من 15 لغة. وجاءت الجلسة الثالثة تحت عنوان «حوار الثقافات بين الواقع والمتطلبات» الأكثر غنى من حيث النقاش والتبادل بالاستناد إلى المداخلة التي قدمها الدكتور عادل الطريفي، رئيس تحرير صحيفة «الشرق الأوسط» الذي بدأ كلمته بالتمييز بين حوار الحضارات وحوار الثقافات في الوقت الذي تختلط فيه المفاهيم والعبارات. وبعد عرض تاريخي لطبيعة ردود الفعل التي تميزت بها المجتمعات العربية نتيجة احتكاكها بالغرب وتدرجها وبروز مفاهيم مثل «الضدية الثقافية» و«الغزو الفكري» وثنائية «التغريب والأصالة» ومفهوم «الانفصام»، توقف الدكتور الطريفي مطولا عند مفهوم «الانفتاح دون الخوف» الذي جربته بداية دول شرق آسيا. ويقوم هذا المفهوم على الاستفادة من الآخر من غير خوف والتواصل بلا وجل من «أن يقضي محتوى ثقافي على المحتوى الثقافي الآخر». ويرى الدكتور الطريفي أن هذه التجربة يمكن أن تنطبق على الوضع العربي والخليجي حيث بالإمكان أن يتم التواصل مع الثقافات العالمية من غير هاجس الامحاء أمام الثقافة العالمية.