في كل مكان من محافظة القطيف شاهد على عراقة التاريخ، ابتداء من قلاعها وأبنيتها القديمة، وصولا إلى مهرجاناتها التراثية، والحرف التي يبرع فيها أهلها.
وتتربع القطيف على ضفاف الساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية، وتعتبر مقصدا للسياحة والعمل، خصوصا أن أرضها زراعية وغنية بالنفط، وبحرها يجود بأنواع من الأسماك واللؤلؤ.
وتمتد القطيف من صفوى شمالا حتى الظهران جنوبا. وكانت معروفة بتجارة اللؤلؤ والمرجان، وتعتبر من أقدم المناطق المأهولة في الخليج العربي، إذ يرجع تاريخها إلى 5000 عام، ونشأت على صعيدها أمم وحضارات مثل الكلدانيين والكنعانيين والفينيقيين والدلمونيين، وضمها الملك عبد العزيز آل سعود إلى الدولة السعودية عام 1913 من دون قتال.
وتقسم محافظة القطيف إلى 3 مدن رئيسة، هي: مدينة القطيف (المركز)، ومدينة سيهات، ومدينة صفوى.
وفي آخر إحصائية رسمية وصل عدد سكان القطيف عام 2010 إلى 524,182 نسمة، ما يجعلها من أكثر المحافظات المأهولة على مستوى المملكة قياسا إلى مساحتها التي لا تزيد على 160 ألف كيلومتر.
وتشهد القطيف حراكا في كل الأصعدة، من بينها الثقافية، حيث يتم تنظيم كثير من المهرجانات السنوية والمسابقات التي تعكس الصورة التي باتت عليها هذه المحافظة.
ومن أهم الشواهد التاريخية التي تؤكد عراقة المحافظة منذ آلاف السنين، قلعة تاروت الأثرية التي تمتاز ببرجين تاريخيين، وتبدأ معالم هذه القلعة بعين الماء الكبيرة المعروفة بعين العودة، وصولا إلى حي الديرة الأثري ومقهى القلعة الشعبي. ويجري حاليا إعادة تشييد سوق الحرفيين من قبل الهيئة العامة للسياحة والآثار لتعزيز المكانة التاريخية لهذه القلعة.
وزار الرحالة الشهير ابن بطوطة القطيف وذكر أنها مدينة ذات نخل كثير، وسميت القطيف أيضا بـ«الخط» و «الخط»، كما يعرفها بذلك الأديب والمؤلف الشهير في معجم البلدان ياقوت الحموي، فيقول «الخط أرض تنسب إليها الرماح الخطية».
ومن بين القلاع الشهيرة في القطيف قلعة دارين التي تعرف بقلعة عبد الوهاب الفيحاني، وبدأت «هيئة السياحة» بعملية ترميم واسعة لها، إضافة إلى إعادة تأهيل سوق دارين التراثية التي تعد من أشهر الأسواق قديما، حتى إن البعض يشبهه بسوق عكاظ الشهير.
وعن قلعة دارين أو قصر الفيحاني، قال المؤرخ المهندس جلال الهارون لـ«الشرق الأوسط»: «هذا الموقع غني بالآثار كونه يقع في أعلى منطقة وهي التل الأثري الذي يرتفع أربعة أمتار وآثارها لم تتأثر بحكم بعدها عن المباني السكنية».
وبمناسبة الحديث عن دارين فإن هذه البلدة كانت تضم في السابق ميناء دارين الذي يعتبر من أهم الموانئ على الخليج العربي، حتى تم إنشاء ميناء البصرة في العراق، إذ كان يعتبر ميناء دارين حلقة الوصل والمدخل الرئيس للبضائع القادمة من شرق آسيا وأفريقيا، وكانت ترد إليها بضائع المسك والعطور والسيوف والتوابل والأحجار الكريمة والعاج والخشب الفاخر من الهند، والمنسوجات الحريرية من الصين، والبضائع العربية كاللبان، والمر والعاج من الساحل الشرقي الأفريقي.
وأشار الباحث في التراث عبد الخالق الجنبي، إلى أن ميناء دارين كان يسمى ميناء «المسك والعنبر»، وهو الاسم الشائع في العقود الماضية؛ كون هذا الميناء أحد أهم المنافذ الاقتصادية المهمة في نقل البضائع والتوابل من الهند للخليج ومنه إلى مناطق أخرى من العالم، فيما كانت السفن تحمل في طريق عودتها التمور، كما أنه كان يعج بالحركة الاقتصادية وممارسة الغوص واستخراج اللؤلؤ.
ولأن القطيف تقع على الساحل، فمن الطبيعي أن يمتهن كثير من أبنائها صيد الأسماك، ويوجد في المحافظة واحد من أكبر أسواق الأسماك على مستوى الخليج العربي، ويحوي مساحات شاسعة لمحال البيع بالتجزئة، كما أن هناك مكانا مخصصا للبيع بالجملة بما يشبه المزادات الأسبوعية على الأسماك بأنواعها وكذلك الروبيان، واعتمدت أخيرا توسعة السوق ليصل إلى مساحة 55 ألف متر.
وتقع سوق السمك في بديعة البصري، ويمتاز بجودة ووفرة الأسماك، ويعد مفرشه المفرش الأكبر على مستوى الخليج العربي، وتغذي هذه السوق أسواق المنطقة بكاملها ومناطق المملكة، وتبدأ السوق الفترة الصباحية بعد صلاة الفجر مباشرة، ويتجاوز عمر سوق السمك في القطيف 70 عاما.
وتمتاز القطيف بمهرجاناتها ومسابقاتها، وأبرزها: مسابقة ملكة جمال الأخلاق التي تتسابق خلالها سنويا أكثر من 500 فتاة يدخلن عددا من المسارات وتفوز في نهاية المطاف ثلاث فتيات ويحصلن إثر ذلك على جوائز مالية وعينية ثمينة.
وقالت خضراء المبارك، المدير التنفيذي لمسابقة ملكة جمال الأخلاق، لـ«الشرق الأوسط»: «تحمل هذه المسابقة هدفا إنسانيا نبيلا يتمثل في حسن الأخلاق، والذي يبدأ بالطبع ببر الوالدين، كما تهدف المسابقة إلى بناء شخصية فتاة متوازنة بين الجانب الديني والجوانب الثقافية والاجتماعية والنفسية الأخرى التي تجعل منها نموذجا للفتاة الصالحة التي تقدم لنفسها ومجتمعها».
ومن أبرز المهرجانات الثقافية الشعبية في القطيف مهرجان الدوخلة الوطني الذي ينطلق في كل عام وفي يوم التاسع من ذي الحجة في بلدة سنابس بجزيرة تاورت، ويشتمل المهرجان الذي يستمر لتسعة أيام على عدد من الفعاليات المتميزة على جانبيه العائلي والنسائي.
وينتظر الأطفال وعائلاتهم في المنطقة الشرقية حلول عيد الأضحى لإلقاء «الدوخلات» في مياه الخليج العربي على وقع كلمات الأهزوجة التراثية الشهيرة «دوخلتي حجي بي.. حجي بي.. لا من يجي حبيبي.. حبيبي رايح مكة.. مكة.. ومكة المعمورة».
وذكر المدير العام للمهرجان، حسن آل طلاق، أن هناك أعدادا متزايدة للمتطوعين سنويا، ما استدعى إقامة مهرجان سنوي ضمن مهرجان الدوخلة يختص بشؤون المتطوعين تحت اسم مهرجان العمل التطوعي، مبينا أن هذا المهرجان أدى إلى تطوير قدرات المتطوعين وأساليب تفكيرهم وتنمية قدراتهم المختلفة ضمن عدد من ورش العمل التي يقدمها مختصون في شتى المجالات.
ويضم هذا المهرجان الكثير من الأجنحة والأقسام، ويصل زواره خلال فترة تسعة أيام إلى أكثر من 150 ألف شخص.
وقال الباحث علي الدرورة عن مسمى المهرجان: «الدوخلة في لهجة أهل القطيف تعني السلة أو القفة، وهي وعاء من الخوص يستخدمه المزارع ليأكل منه التمر في مزرعته أو بستانه، حيث يعلقه على جدار الكوخ بواسطة عصا».
وأضاف أن وقت عمل الدوخلة يكون مع انطلاق الحجاج لقضاء مناسك الحج، أي في شهر شوال، حيث كانت معظم القوافل تنطلق برا وتحتاج لوقت طويل للوصول إلى مكة، فكان النسوة يصنعن الدوخلة لأطفالهن ليتذكروا بها الحاج الغائب.
وفي عيد الفطر يقام مهرجان «واحتنا فرحانة» على كورنيش القطيف، ويعتبر هذا المهرجان من أبرز المهرجانات التي تشهدها المحافظة كل عام، ويلقى تفاعلا كبيرا من الأهالي والزوار، ما جعل اللجنة المنظمة تعمل على توسيع مساحة المهرجان، وهذا ما نجحت فيه من خلال المخاطبات مع الجهات الحكومية ذات العلاقة، وتحديدا إمارة وبلدية المحافظة، كما يقام في مدينة سيهات مهرجان «الوفاء».
وتخصص مساحات واسعة من هذه المهرجانات للأركان الشعبية، إذ يتمسك الأهالي بتراثهم العريق. وتسبق هذه المهرجانات مناسبات شعبية في منتصف شهري شعبان ورمضان، وهي «الناصفة» و«القرقيعان»، والتي يحتفل بها أبناء المحافظة كإحدى أبرز العادات والتقاليد التي تشترك فيها القطيف مع غالبية دول الخليج.