ستيفن سبيلبرغ: تدريب ممثلين جدد يستهلك الوقت.. ومستعد إذا ما وجدت من يستحق ذلك

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه يعتقد أن ميريل ستريب أعظم ممثلة أميركية في السنوات الأربعين الأخيرة

TT

لم ينجح ستيفن سبيلبرغ في تحويل كل فيلم من أفلامه إلى حدث تجاري ناجح، فعنده بضعة إخفاقات، بينها على سبيل المثال «1941» المحاولة الكوميدية الوحيدة في حياته المهنية وحققها سنة 1979 و«توايلايت زون: الفيلم»، وهو من إنتاجه، حيث قام بإخراج جزء من أجزائه الأربعة سنة 1983. إلى ذلك، لن نجد مخرجا آخر حقق كيانا كبيرا من الأعمال الناجحة تجاريا كما فعل هو وعلى نحو متلاحق ومتواصل أكثر من أي سواه.

لقد أعاد صياغة الجمهور من ناحية وبفضل Jaws سنة 1975 (أي قبل ست سنوات على «غزاة تابوت العهد المفقود») الذي عرض في مطلع الصيف قلب المعادلات التجارية، فالصيف قبل ذلك الفيلم كان محطة استراحة هوليوود والجمهور على حد سواء من الأفلام الجديدة. كان الموسم الذي يعاد فيه طرح ما سبق وأن ورد في موسمي الخريف والشتاء من أفلام. «جوز» (الذي دار حول سمكة قرش ضخمة تلتهم ضحاياها من السباحين) خرق تلك القاعدة وتحول إلى بادرة برهنت على نجاحها وفاجأت الجميع من حيث إنها حولت موسم الصيف إلى مرتع لأكثر الأفلام ترفيها وأكبرها حجما إلى اليوم.

طبعا لم تكن كل أفلام سبيلبرغ من المغامرات، لكن حتى تلك الجادة (وآخرها «لنكولن» الذي هو سيرة حياة الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن) معالجة بما يضمن الترفيه. والأهم أن ابن السادسة والستين (من عمر مهرجان «كان» الذي ترأس لجنة تحكيم دورته التي انتهت أخيرا) أنجز من النجاحات ما لا يمكن حصره منتجا ومخرجا وكصاحب شركات إنتاج. وهو لا يزال منطلقا بالقوة والحيوية ذاتيهما إنتاجا وكتابة وإخراجا بالإضافة إلى إدارته شركتي إنتاج على الأقل («أمبلين» و«دريمووركس»).

* كيف تجد الوقت لكل ذلك؟

- (يضحك) أؤكد لك أنني شخص واحد وليس اثنين. دمه خال من العقاقير ولا يعاني من الشيزوفرنيا. ربما تبدو مهنتي شيزوفرنية، لكنني لست كذلك. الفارق عندي هو أن بعض أفلامي تتطلب عملا إضافيا مثل «قائمة شيندلر»، ومثل هذا الفيلم، وأفلام أخرى لا تتطلب هذا الشغل الإضافي عليها.

* ما الفارق تحديدا؟

- في معظم أفلامي أسألك كمشاهد أن تجلس وتترك نفسي تمضي معي في رحلة ممتعة. لكن في أفلام أخرى أطلب منك أن تشترك. أن تعمل معي على المواضيع التي أطرحها. المقعد هو واحد والمخرج واحد، لكن المختلف هو إذا ما كان المطلوب منك أن ترتاح أو أن تعمل. في هذا الفيلم طلبت منك أن تكون متعاونا وأن تستمع إلى حوارات توني كوشنر (كاتب السيناريو) الجميلة وإلى التمثيل المذهل وأن تجلس على حافة المقعد وتبذل جهدا عادة لا يتطلبه الفيلم الآخر. «لينكولن» هو في الحقيقة أول فيلم تحليلي عن شخصية الرئيس الأميركي منذ أن قام جون فورد بإخراج «السيد لينكولن الشاب» قبل 65 سنة.

* هل نتحدث عن اختياراتك للممثلين؟ من هم الممثلون الذين كنت تتمنى العمل معهم طوال الوقت ولم تفعل ذلك حتى الآن؟

- هناك كثيرون، لكن آل باتشينو وروبرت دي نيرو من بين الممثلين الأميركيين على وجه التحديد. كذلك دائما ما كنت أحب أن استقبل ميريل ستريب في أحد أفلامي. لقد تعاملت معها لخمس وأربعين دقيقة فقط عندما كنت أخرج «ذكاء اصطناعي» لأنها قامت بتسجيل صوت شخصية الحورية في الفيلم. جاءت إلى منزلي ووضعت أمامها التسجيل وقرأت 35 سطرا ثم غادرت، لكنني لم أعمل معها في فيلم تمثل فيه فعليا بعد وأتمنى أن أديرها في فيلم لأنها هي أعظم ممثلة أميركية في السنوات الأربعين الأخيرة.

* ماذا عن كلينت ايستوود؟

- لقد أنتجت له خمسة أفلام.

* لكنه لم يمثل لك.

- أعتقد أن ايستوود أيقونة حقيقية، ونحن نعرف بعضنا بعضا منذ عقود طويلة. منذ عام 1971. ربما لم نجد المناسبة الصحيحة، لكننا أصدقاء وكثيرا ما نلتقي.

* الجانب الطاغي في مجمل أعماله، وليس كلـها ولو أن الاستثناءات قليلة، يحقق سبيلبرغ أفلامه (منتجا أو مخرجا) للجمهور العائلي. يلتزم بالتقاليد وبالرغبة في الوصول إلى كل فرد صغيرا أو كبيرا ولا يحاول خدش حياء الأسرة، بل حثها على الاشتراك فيما يعرضه. هذا واضح حتى في إطار فيلم «لينكولن» من خلال تفنيده علاقة الرئيس الأميركي بزوجته وابنه.

* اهتمامك بإظهار الروابط العائلية معروف. هناك أطفال وأولاد وأسرة في الكثير من أفلامك. إلى ماذا تعيد هذا الاهتمام؟

- معظم أفلامي فيها أطفال، ملاحظة صحيحة. دائما هناك أطفال وأولاد بالفعل. أستثني «إنقاذ المجند رايان» و«ميونخ».

* لكن هناك علاقة أسرية حتى في «المجند رايان». البداية هي لعسكري ينقل رسالة عزاء إلى أم. في «ميونخ» السياسي العربي الذي تم نسف منزله كانت لديه أسرة.

- من هذه الزاوية هذا صحيح، لكن هذا ليس الجانب الطاغي في هذين الفيلمين. ليس هناك من طفل يتم تخصيصه بمشاهد معينة ليس كحال الولد في «إنديانا جونز–2» مثلا أو في «إي تي–من خارج الأرض».

* كيف قررت معالجة فيلم «لينكولن»؟ كيف توصلت إلى اختيار الأسلوب الذي تراه الأصلح لمثل هذا العمل؟

- لم يكن ذلك ممكنا من دون دانيال دانيال داي–لويس. هو عنصر رئيس في هذه المعالجة. لقد وفرنا له دراسة محدودة حول أبراهام لينكولن وتركناه يعمل وحده بعد ذلك. كنت أعلم أن دانيال لو لم يستطع أن يجد الاقتباس الصحيح لخرجنا بفيلم مختلف عن الذي شاهدته. لذلك أقول إنه جزء أساسي من طريقة الاقتراب إلى هذا الموضوع ومعالجته. كذلك لا يمكنني التوقف عن الحديث حول إسهام الكاتب توني كوشنر. هو من أسس الفيلم الذي أخرجته. من منحه الحوار الرائع الذي سمعته فيه.

* لكن هناك صياغتك الفنية للعمل ككل؟ كيف تقرر أي شكل أو «نظرة» على أي من أفلامك أن يتخذها؟

- تماما كما هو مفترض بأي مخرج. نأخذ المادة ونبدأ بتصور الوسيلة الأنسب لتصويرها وتقديمها. معظم الأحداث التي في «لينكولن» داخلية. السيناريو كتب على هذا الأساس لسبب مهم يعود إلى المصادر التي اعتمدنا عليها والتي تبحث في كيفية قيام لينكولن بالتوصل إلى قراره وكيفية دفاعه عنه والكفاح لأجل أن يصدر الكونغرس القرار الصحيح. هذا لا يتطلب فيلم مغامرات ولا هو فيلم بحار أو مطاردات. الأيام التي قضاها لينكولن طوال تلك الأزمة وخلال الحرب كانت في غالبها ضمن داره في اجتماعات متوالية. هذا هو المفتاح الأول في اختيار الشكل وهو الكيفية التي كتبت فيها المادة. بعد ذلك تريد أن تصنع الأجواء المناسبة وجمع كل العناصر التي لا بد لفيلم من هذا النوع التمتع بها وضمن الحدود الواقعية بالطبع.

* لا شك أن السيناريو يأتي في مقدمة اهتماماتك حين تختار مشروعك المقبل. وماذا يأتي بعد ذلك؟

- السيناريو عملية واسعة جدا ومتعددة المراحل وهي في البداية بلا شك. بعد ذلك يأتي الممثل. عندما أدير الممثلين أحرص على أن لا أحد يسرق المشهد من الآخر أو من الفيلم نفسه. ليس هناك من تمثيل انفعالي أو متكلف. علي أن أتأكد من أن عيني المشاهد على الشخصية وليس على الممثل. أريدك أن ترقب ما يقع وأن تتابع ما تمر به الشخصية من أحوال. هذا الجزء هو فعل توازني من أول الفيلم إلى آخره. وأنا لا أضحي بأي شيء.

* الممثل والحصان اختيارات المخرج سبيلبرغ من الأعمال تتمحور إذن، وكما بات واضحا، على نوع يؤمه جمهور يريد أن يسلـم نفسه لمن يأخذه في رحلة، وعلى نوع آخر يؤمه جمهور يريده المخرج أن يشترك في رحلته، كما سبق وقال. وهو سبق له أن مارس أفلام الترفيه المطلق في معظم ما حققه من أولى نجاحاته الكبيرة سنة 1975 عندما حقق «جوز» إلى اليوم، مرورا بـأفلام مثل «غزاة تابوت العهد المفقود» (1981) و«إي تي الخارج عن الأرض» (1984) و«جوراسيك بارك» (1993) وصولا إلى «مغامرات تن تن» (2011).

لجانب هذه الأفلام مزج الترفيه بالجدية أو، بكلمات أخرى، أنجز أفلاما جادة من دون أن تكون مضجرة أو جامدة وهذا يشمل على الأخص «أميستاد» (1997) الذي تناول فيه حقبة مماثلة لتلك التي تناولها في «لينكولن» و«ذكاء اصطناعي» (2001)، كما الفيلم الذي تلاه «تقرير الأقلية» (2002)

* هل صحيح أنك تعتبر فيلما دراميا مثل «لينكولن» أصعب تحقيقا من فيلم خيالي علمي؟ لماذا؟

- صحيح، وذلك لأن الدراما الواقعية أصعب من شغل التقنيات. هي طبعا أهم بالنسبة للمخرج الذي يريد التعامل مع شخصيات إنسانية لجمهور يريد أن يفكر معه أو يشترك في طرح القضايا. نعم «لينكولن» و«حصان الحرب» أصعب لأن الدراما في نهاية المطاف هي تحديات ضرورية تتطلب معالجات خاصة. لن تستطيع أن تحل معضلة بالتحول منها إلى لعبة تقنية أو مؤثرات خاصة.

* أين تضع «حصان الحرب» الذي أخرجته قبل «لينكولن»؟ في أي إطار؟

- أعتقد أنك تستطيع القول إنه من تلك التي تجمع بين الترفيه وبين الإجادة. أليس كذلك؟ في اعتقادي أنني تحدثت في هذا الفيلم عن حياة حصان انتقل من فارس إلى فارس وفي أثره شاب شغوف بحبه لذلك الحصان إلى أن يلتقيه مجددا. هذه قيمة عاطفية كبيرة. لكن الفيلم بالطبع ليس مغامرة كمغامرات إنديانا جونز مثلا.

* على ما أذكر هو فيلمك الوحيد عن مسرحية..

- ليس صحيحا لأنني اقتبست الكتاب وليس المسرحية.

* هل تستطيع الحديث عن الرحلة التي استغرقها «حصان حرب» من المسرحية إلى الكتاب إلى الشاشة؟

- قام مايكل موربورغو بتأليف هذا الكتاب سنة 1982 وقرأت الكتاب بعدما سمعت بالمسرحية وأحببته كثيرا، لكنني ظننت أنني سوف لن أحول هذا الكتاب إلى فيلم لأن صوت المعلـق هو صوت الحصان، لكنني شاهدت المسرحية بعد نحو أسبوعين من قراءتي الكتاب في لندن واكتشفت اختلافات واسعة بين الاثنين. في النهاية قررت أن أحقق هذا الفيلم، لكنني لم أرد أن أضع الشاب ألبرت في كل مشاهد النصف الثاني من العمل، كما تفعل المسرحية، بل اعتمدت إدخال شخصيات أخرى أو تقوية حضورها كما ملاحقة الحصان نفسه كما في الكتاب.

* كيف اخترت جيريمي إرفن الذي لعب دور الشاب ألبرت؟ أعرف أنك قابلت كثيرين للدور.

- أعتقد أن اللحظة التي قررت فيها أن جيريمي هو الممثل الصحيح للدور هي تلك التي صورت له تجربتين بالفيديو. لم يكن ممثلا متدربا على الإطلاق. كنت أستطيع أن ألاحظ أنه صادق وأصيل لا يحاول كسب الدور عبر أي مزايا لأنه لم يكن يملك الخبرة التي تؤهله لذلك وهو ما أردته لتلك الشخصية. لقد اخترته من بين 200 فتى وأعجبني والتقيته لأول مرة بعد التجربة التي أجريت له.

* هل تختار ممثلين جددا حين تريد مساعدتهم، طبعا بعد إعجابك بهم أو قناعتك بأنهم سيؤدون الأدوار المسندة إليهم جيدا، أو تلبية لحاجة لديك؟

- العمل السينمائي منهك جدا من دون أن تصرف عليه وقتا إضافيا لكي تمرن ممثلا جديدا. عندما تسند دورا لممثل جديد عليك أن تصرف انتباها كبيرا عليه لكي يجيد ما تطلبه منه. هذا يعني استهلاك عشر مرات أكثر من الوقت والطاقة عما لو أنك جلبت ممثلا محترفا. لا أريد أن أذكر أسماء، لكن كان لدي قائمة بستة ممثلين معروفين كان يمكن إسناد الدور إليهم. مما دفعني هو اقتناعي بجيريمي وحقه في تجسيد الدور بسبب من صدقه كما أشرت. هذا إلى جانب أن الحصان أعجب به أيضا (يضحك). عموما تدريب ممثلين جدد يستهلك الوقت، لكنني مستعد لذلك إذا ما وجدت ممثلا يستحق.

* أذكر أنك أول من أسند دورا رئيسا لممثل لم يكن معروفا على الإطلاق في الثمانينات هو كريستيان بايل، وذلك في «إمبراطورية الشمس».

- هذا مثال صحيح. أنا سعيد أن كريستيان حقق كل هذا النجاح الذي يستحقه.