الفنان الإماراتي محمد كاظم: «المشي على الماء» تجربة شخصية ورؤية عالمية

جناح الإمارات في بينالي البندقية يكسر الحواجز الجغرافية

TT

«المشي على الماء» هو عنوان العمل الفني الذي يقدمه جناح دولة الإمارات في بينالي البندقية، بإشراف القيمة الفنية ريم فضة وإدارة الدكتورة لميس حمدان مفوضة الجناح. العنوان لا يبدو غريب الوقع في هذه المدينة العائمة تحديدا، فكل التنقلات فيها تتم عبر الباص المائي والبواخر، هو مشي على الماء في كل الحالات، ولكن العنوان أيضا يربط بين البندقية والإمارات أيضا فكلتاهما لديها علاقة قوية مع البحر. مدخل الجناح جدار أبيض يحمل مقدمة للعمل وتوضيحا لفكرته، فحسب ما يذكر فقد استوحى الفنان فكرته من تجربة شخصية مر بها أثناء رحلة صيد حيث وقع من القارب من دون أن يشعر به أحد وضل طريقه لمدة نصف ساعة قبل أن يتم إنقاذه.

تظل هذه المعلومة معنا ونحن ندلف إلى الغرفة المظلمة خلف الجدار. المفاجأة هي أننا نجد أنفسنا على متن باخرة تتمايل بفعل الأمواج ويمتد البحر أمامنا وحولنا غامضا وعميقا ولا منتهيا. نعيش التجربة عبر الفيديو المحيط على 360 درجة ونحس بحركة الموج ولكننا أيضا نشعر بالضياع وتساورنا فكرة استكشاف الأفق للبحث عن معلم جغرافي أو ميناء. على الأرض تحت أقدامنا شاشة تعرض لنا أرقاما، هي إحداثيات جغرافية تحدد، فرضيا، موقع الباخرة. يشير الشرح المرفق بالعمل إلى أن «المشهد المرئي يهدف إلى خلق تجربة واقعية للضياع في وسط البحر ويرمز أيضا إلى كسر الحواجز والحدود غير المرئية بين الناس من خلال فتح المجال أمامهم لطرح تساؤلات حول مفهوم العالمية والانفتاح الفكري». وتوضح القيمة الفنية ريم فضة أن «الحدود هي واقع ملموس في هذا الزمن الخاضع لمفهوم العولمة، وعلى الرغم من التطور والحداثة التي نعيشها، فإن عالمنا لا يزال مقيدا بهذا الواقع ويبقى الانفتاح على الآخرين أحد المثل العليا الوهمية وبعيدة المنال في عصرنا الحالي. ولطالما كان المفهوم الفني في مسار محمد كاظم يتمثل في تحدي الحدود المادية والطبيعية وكسر الأغلال، وأعماله الفنية تعكس هذه الروح في محاولة دائمة لتأكيد إنسانيته ووجوده في هذا العالم».

يقول الفنان محمد كاظم في لقاء مع «الشرق الأوسط» إنه استخدم تقنية النظام الملاحي «GPS» لرصد الإحداثيات الجغرافية للأماكن «الذي كنت أستخدمه أثناء الصيد منذ عام 1999 ولكني هنا أعطيته دلالات مختلفة». يشرح لنا أكثر فكرته قائلا: «الجزء الأول من هذا العمل يتناول فكرة كيف يمكن للإنسان تجاوز الحدود الجغرافية من دون وثائق بحرية كاملة، أثير في هذا العمل بعض القضايا السياسية والاجتماعية وأتساءل حول سبب وجود هذه الحدود. ولاستكشاف الفكرة قمت بحفر عشر قطع خشبية حفرت عليها الإحداثية الجغرافية للمنطقة المطلة على بحر العرب وذهبت مع أصدقاء على متن قارب إلى هذه النقطة حيث وثقنا هذه اللحظات فوتوغرافيا وبالفيديو، رمينا القطع في البحر، تركناها تسبح وتخترق جغرافيات مختلفة وتضيع أيضا».

العمل بشكله المبدئي والمصغر كان له عرض أول في بينالي الشارقة تحت عنوان «اتجاهات 2002»، يقول: «عرضت فيلما مدته دقيقتان وعدة صور توثيقية وأيضا لوحة عليها الإحداثيات الجغرافية ولوحة أخرى فارغة تماما هي دلالة مهمة للعمل تطرح سؤالا: أين ذهبت تلك القطع؟ ثم أحسست في عام 2005 أن العمل غير مكتمل. أردت استكماله بشكل يجعل المشاهد يتساءل: أين ذهبت تلك القطع؟ فعملت ماكيت 360 درجة، وعرضت العمل في متحف الشارقة».

يشير الفنان إلى أن الماكيت الذي عرض في الشارقة كان تصورا مصغرا للعمل، لكنه لم يستطع تنفيذه على مستوى أكبر بالصورة التي نراها اليوم لحاجته لدعم كبير، يشرح: «هذه النوعية من الأعمال تحتاج إلى دعم من مؤسسات كبرى أو متاحف». يعلق ويضيف: «ظل المشروع معي لثماني سنوات. وعندما التقيت بريم فضة القائمة على الجناح وجدتها حذرة وحريصة على نوعية العرض الذي يجب أن يقدم في فينيسيا وسألتني ما هو العمل الذي لم أقدمه بعد، فقلت لها هذا هو العمل، لتنفذه بشكله الحالي».

العنوان «المشي على الماء» ليس العنوان الأصلي للعمل كما يذكر لنا محمد كاظم، قائلا: «عنوانه الأصلي هو (اتجاهات 2005-2013) و(المشي على الماء) هو عنوان لمعرض سابق لي، ولكننا وجدنا أنه عنوان يتناسب مع العرض ويرسخ الصلة بين فينيسيا والإمارات عبر الماء، فنحن بلد يمشي على الماء فعلا».

لتنفيذ العمل قام الفريق خلف الجناح بالتعاون مع متحف الغوغنهايام بالبحث عن «شركة تستطيع إنتاج أفلام 360 درجة وتنتجها بدقة عالية، وجدنا شركة اسمها (إيغلو) في بريطانيا».

العمل، كما يشير كاظم، يحتاج إلى وقت مشاهدة قصير جدا، أقل من دقيقة، «فقط ليحس المشاهد أنه مثل القطعة الخشبية التائهة في المحيط، تخترق الحدود الجغرافية». ولكن ما هي دلالة الإحداثيات الجغرافية التي تصاحب العمل؟ هل هي مرتبطة بمكان معين؟ يقول: «هي لمنطقة في المنطقة الشرقية من الإمارات ولكن ينبغي أن نلاحظ أن الأرقام تتغير باستمرار وهي إشارة إلى اختراق القطعة الخشبية كل الحدود، الأرقام هنا رمزية، فنحن نقدم التصور الفني لنثير القضايا ولا نقدم حقيقة علمية. سألني زوار المعرض حول مكان تصوير العمل، ولكني أجيب بأن المكان لا يهم، فالبحر هو نفسه في كل مكان».

المعرض أيضا له جانب شخصي، فمبدئيا هو مستوحى من تجربة شخصية للفنان، يقول: «مررت بتجربة الضياع في البحر لمدة نصف ساعة، حين تسبحين في وسط البحر الأفق يكون واسعا 360 درجة، تصبح الرؤية أوضح. بشكل ما أعتبر هذا المعرض معرضا شخصيا أيضا ولكن نوع المعرض الشخصي في فينيسيا يجب أن يختلف عن تصوره في غاليري أو في متحف، فنسبة الجمهور ضخمة جدا ومن هنا تأتي أهمية الوقت وكيفية ترسيخ الفكرة في ذهن المشاهد».

هل هذا العمل النهائي في «اتجاهات»؟ يجيب: «لا هي مستمرة، هناك عمل جديد في السلسلة سيعرض في ألمانيا، سأوسع الفكرة فأنا دائما أعطي أفكاري حرية تامة وأكون مرنا معها». وكان بينالي البندقية قد منح دولة الإمارات العربية المتحدة، أول دولة خليجية تشارك في بينالي البندقية، عقد الضيافة طويل الأمد في أرسنال – سالي دي آرمي.

الجناح الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة تحت رعاية وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، وبدعم من مؤسسة الشيخة سلامة بنت حمدان آل نهيان.