سدود الطائف.. نماذج معمارية ومهارة في البناء ومقصد للسياح

عكرمة والسملقي وسد معاوية من أقدمها

TT

تقف سدود الطائف غرب السعودية في شموخها حافظة للبشر (بعد الله) من السيول، وكمخزن لمياه الأمطار حتى يستفاد منها في السقيا والزراعة التي تشتهر بها المدينة الحجازية الواقعة على قمة جبل غزوان، وتحيط بها جبال السروات من معظم الجهات.

وقد اشتهرت الطائف بسدودها حتى أصبحت مطلبا لدى زوار المدينة من السياح الذين يقصدونها سواء من داخل السعودية أو من دول مجلس التعاون الخليجي. ويقول في هذا الشأن أحمد الجعيد مرشد سياحي، إن الآثار والمتاحف والأماكن السياحية من متنزهات وغيرها تستهوي السياح والزوار. وفيما يتعلق بجمالية ما تتميز به سدود الطائف وتاريخها، وبالذات القديمة، يشير الجعيد إلى أنها أصبحت مطلبا لكثير من الوفود السياحية التي تزور المدينة، مبينا أن تلك الزيارات والرحلات للسدود تثير عند كثير من زوار المدينة شغفا للمعرفة والاستزادة في تفاصيل بنائها وتاريخها، لافتا إلى أنها تعتبر من أهم المواقع التي يتم إدراجها ضمن المسارات السياحية، وخصوصا سد عكرمة وسد السملقي وسد معاوية التاريخي. وشدد المرشد السياحي الجعيد على أن السدود تحتاج لإعادة تهيئة واهتمام أكثر للمواقع القريبة منها وأماكن التنزه حولها.

وأكد طارق خان المدير التنفيذي لهيئة السياحة والآثار بالطائف لـ«الشرق الأوسط» أن السدود تعد شيئا عظيما ومهما للسكان المحليين في الطائف، وخصوصا الذين يشتغلون بالزراعة، بحيث تشكلت معها حياتهم ومزارعهم التي تكثر بجوار السدود. وكشف أن الهيئة تولي ذلك الجانب في سياحة المطلعين والموثقين للتاريخ والآثار اهتماما خاصا، حيث تحرص على أن تكون هناك علامات وإرشادات للسدود المعروفة والكبيرة والأثرية على وجه الخصوص، وتهيئة تلك المواقع بأماكن للجلوس والتنزه. وبحسب الروايات التاريخية، فإن بعض تلك السدود شيدت في عصور قديمة تعود لمئات السنين، وما زالت تقوم بدورها كسد السملقي جنوب المحافظة، وسد الأحيمر الذي يعود للعصر الأموي، وسد سيسد، كما أن عددا من تلك السدود اندثرت ولم يبق منها إلا المسمى، وغيرها تم إنشاؤها في العهد الحاضر ومنها سد عكرمة، وسد ليه، وسد جباجب، وسد وادي عرضه بالمحاني وتربة، ورنيه.

ويقول حماد السالمي الباحث والمؤرخ في كتابه «المعجم الجغرافي لمحافظة الطائف» إن سدود الطائف هي امتدادات معمارية سكنت أرجاء المكان لفترات زمنية متعاقبة. وما زالت مكتشفات السدود القديمة تتوالى، حيث بلغ عدد السدود الأثرية المكتشفة الموجودة بالمحافظة تقريبا نحو 70 سدا تعتبر لوحة معمارية رائعة، وعليها كثير من النقوش والآثار والتواريخ الدينية. وتشكل جميعها مناظر متناسقة مع الأودية والجبال المحيطة بها. وأضاف السالمي أن الطائف تزخر بالكثير من الآثار ومنها السدود، فمثلا سد الأحيمر الذي يقع على شعب الأحيمر بجنوب المحافظة من السدود الأموية التي ظلت قائمة دون أن يسقط منه حجر واحد، ومبني من حجارة صلبة كبيرة من دون إسمنت متراصة بشكل هندسي، وجسمه من وجهين شرقي وغربي ويمتد من الشمال إلى الجنوب، ويغطي الطمي الوجه الخلفي إلى القمة، ويوجد مغيض من الشمال مشقوقا في الجبل، وهذا السد من السدود المجهولة التي لم يقف عليها أحد قبل هذا التاريخ.

وذكر المؤرخ السالمي أن من بين السدود سد دغبج، وهو سد قديم على وادي مسيل في حمى النمور من شمالي الهدة بينها وبين الشرقة والشريف ولم يتبقّ منه سوى رسوم قليلة، وكذلك سد الدرويش، وهو أكبر سد في وادي عرضة يقع في أسفل الوادي عند التحامه مع وادي قريقير، والسد يتجه من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ويحتجز المياه في متسع كبير خلفه به مزارع وأشجار معمرة، والسد متهدم من منتصفه والمتبقي بطول 50 مترا وارتفاعها 9.8 متر، وهو مشيد بصخور كبيرة من وجهيه مع حشوة من الحصى في المنتصف.

وسد ثعلبة الذي شيد في وادٍ ضيق على بعد نحو 7 كيلومترات من الطائف، وقد بني من كتل الأحجار على شكل مربع ملأت الأسوار الموازية بالحصى والصخور الصغيرة، ويذكر حماد السالمي في كتابه أن من أشهر سدود الطائف سد السملقي الذي يقع في ضواحي الطائف على بعد نحو 35 كيلومترا جنوب المحافظة، وهو مشيد على الجزء العلوي من وادي ليه، وهو سد قديم ربما بني في فترة ما قبل الإسلام. وهو مليء بالكتابات العربية الكوفية المنقوشة على أحجار السد، وما زال حتى الآن محافظا على هيكله، وهو بطول 200 متر وبعرض 10 أمتار ويمثل نموذجا معماريا ومهارة في البناء تشهد لبراعة القبائل العربية القديمة.

وأشار السالمي إلى أشهر سدود الطائف التاريخية، وهو سد سيسد الذي يقع في جنوب شرقي الطائف وبني على خزان ماء طبيعي، لذا فهو مختلف تماما في أسلوبه عن السدود الأخرى، حيث بني من كتلة أحجار شكلت مستطيلا والسّور العريض شيد بطريقة منظمة ومتماثلة جدا. ويكتسب أهمية تاريخية لأنه شيد أثناء حكم مؤسس الخلافة الأموية معاوية بن أبي سفيان، الذي نقش اسمه على حجر الأساس بتاريخ 58هـ.

وقال عيسى القصير المؤرخ والأديب لـ«الشرق الأوسط»، إن محافظة الطائف تزخر بعدد من العيون، حتى قيل إنها تقع على وادي وج وحده 70 عينا وجد منها 20 عينا بين عامرة ودامرة. ومن تلك العيون عين الأزرق، وربما هي عين الوهط المعروفة حاليا وقد ورد ذكر هذه العين عند أبي الفرج الأصفهاني في قصص من قصص تأبط شرا، مما يدل على أن هذه العين معروفة منذ العصر الجاهلي. ويبدو أن غزارة هذه العين كانت في زمن عمرو بن العاص التي كان يسقى منها بستانه الشهير، وعين السلامة الموجودة بحي السلامة حاليا. ومن العيون أيضا عين قملة التي تقع شمال مدينة الطائف على مجرى وادي وج وعين قبيل، وهي في قمة جبل كرا تسمى المعسل وعين الوهيط أسفل جبل برد وسط الوادي وعين الخبزة بالمثناة وقد تسمى عين المثناة وهي أقصر العيون طولا في الطائف بالقرب من مسجد الموقف أو الكوع، وعين الخراق بوادي جفيجف وغيرها من العيون.