مصطفى زاير: «عشق بغدادي» بانوراما موسيقية تحفظ للمدينة تاريخها الحضاري

عاشق العود يحلم بتأسيس أوركسترا عراقية تعتمد الآلات الشرقية

الفنان مصطفى زايرس
TT

مصطفى زاير.. أو مصطفى العاشق، عاشق العود وعاشق بغداد، هو ليس مجرد عازف عود متميز وحسب، بل أكثر من هذا هو مؤلف موسيقي لآلة العود التي لا تفارقه ويحتضنها بعشق أينما يكون، يوضح «لا أستطيع أن أفسر علاقتي مع العود، من الصعب شرح ذلك، لكنني أعتقد أن صوت العود واحتضاني له باستمرار حتى أصبح جزءا من الجسد، والآن أصبح جزءا من الروح». ألف الزاير أو العاشق مقطوعات موسيقية جاءت مفاجأة في فضاء الموسيقى العراقية وسيكون لها تأثير واسع وشأن في الموسيقى العربية، فنحن لا نستطيع القول: إنه موهبة موسيقية مبدعة واعدة فقط، بل عزفه ومؤلفاته التي تتصدر اليوم واجهة الحدث الموسيقي العراقي، بدأت تنتشر عربيا خاصة بعد أن وقع نسخ ديوانه الجديد الأسبوع الماضي والذي عنونه «عشق بغدادي»، ذلك أن مفردة العشق لا تكاد تفارق معنى الموسيقى عنده وصارت مرادفا لإنجازاته الإبداعية، يقول: «اخترت مفردة عشق لأنها أسمى وأعلى تعبير عن الحب، ولمؤلفة عشق بغدادي حكاية وفكرة وقد كتبتها في العام الماضي إذ حاولت أن أصنع حكاية لمدينة معاصرة ومدينة لها ذكريات الماضي بكافة تفاصيله وصدقه وحاولت المزج بين المدينتين، بغداد التي في الذاكرة وبغداد التي نعيشها، إلى أن طالت الحرب والدمار كليهما وضاعت ملامحها ولكن يبقى العشق وجميع حكايات العاشقين هي الباقية ولا تستطيع الحروب أن تزيلها».

بدايات زاير مع الموسيقى كانت حافلة بالمعاناة خاصة أن عائلته لم تتقبل وقتذاك فكرة أن يدرس ابنها الموسيقى، لكنه شق طريقه الصعب بمفرده، يقول لـ«الشرق الأوسط» التي التقته في معهد الدراسات الموسيقية الذي هو بمثابة كونسرفتوار العراق، وهو ذات المعهد الذي درس فيه واليوم هو أستاذ لآلة العود هناك «أنا خلقت لأكون عازف عود وموسيقيا، صحيح أني بدأت تعلمي لآلة العود متأخرا وفي عمر السادسة عشرة، وكان يتحتم علي أن أستهل مشواري مبكرا، ولكني كنت كالمجنون أتمرن ساعات طويلة لأختصر المسافة الزمنية وتعويضا عما فاتني، وقررت الدراسة في معهد الدراسات الموسيقية». يقول: «درست أولا في بيت المقام العراقي وهناك كان الأستاذ علي الإمام يشرف على تدريس العود وظللت معه ثلاثة شهور قبل أن أخوض اختبارات معهد الدراسات الموسيقية حيث كانت اللجنة متكونة من أكثر من ثلاثين أستاذا من خيرة موسيقيين العراق ويشرف عليها الراحل الكبير روحي الخماش وعميد المعهد الأستاذ حبيب ظاهر العباس». كان هذا الاختبار هو الذي سيشكل مصير طالب بسيط يحمل آلة عود متواضعة، فعزف لهم «مقطوعة بغداد وسماعي نهاوند للراحل منير بشير، وكانت مقررة لطلبة السنة الثالثة في المعهد، وبعد اختبارات كثيرة وأسئلة ونقاشات، التفت روحي الخماش إلى اللجنة وقال لهم (أتريدون منه شي بعد) لتظهر نتيجتي الأولى في الاختبارات ومن هنا شكلت هذه البداية الانطلاقة الصحيحة لمسيرتي الفنية».

في ألبومه الجديد «عشق بغدادي» يحاكي زاير ويتغزل بالأمكنة البغدادية الأصيلة موسيقيا عبر تنقلاته، وتجواله الروحي والموسيقي في بغداد الحلم، أو بغداد الفكرة المضيئة في أذهان أهلها ومن زارها ومن قرأ عنها، فاختار: شارع المتنبي، مقاهي بغداد، سوق الصفافير (النحاسين)، هنا بغداد (المتحف البغدادي)، المدرسة المستنصرية، ألف ليلة بليلة (شارع أبو نواس)، الحيدر خانه وعشق بغدادي، وهذه عناوين المؤلفات التي ضمها الألبوم، مؤلفات ليست تقليدية، إذ أن عازفي العود عادة ما يستأثرون لأنفسهم والتهم كامل المقطوعة، لكن زاير ومن أجل أن ينقل روح المكان إلى المستمع، أو العكس أن يعيد المتلقي إلى جوهر الأمكنة، استعان بأصوات آلات موسيقية أخرى بالإضافة إلى صوت أصوات غنائية، وتعد هذه سابقة في المؤلفات الموسيقية لآلة العود أن يدخل الصوت البشري فيها، يشرح زاير أو مصطفى العاشق، «الصوت البشري هو آلة موسيقيه خلقها الله تعالى، أما الآلات الموسيقية فقام بصناعتها وخلقها الإنسان ولكن يبقى الصوت البشري هو أجمل الآلات موسيقيا وأكثرها تأثيرا ولأن ألبومي (عشق بغدادي) فيه خصوصية بغدادية وأحد أشكال حضارة مدينة بغداد هو الغناء الصوفي وغناء المقام والبستات البغدادية كذلك استخدمت أسلوب المربع البغدادي، فقد جاءت هذه الأنواع الغنائية لتثري المقطوعات ولتعبر عن روح المكان»، وبخصوص إدخال آلات موسيقية أخرى، قال: «مؤلفات ألبومي فيها خصوصية بغداديه وهو عمل موسيقي وليس عمل للعود المنفرد وكان الدور الرئيسي لتنفيذ الأعمال هو العود ولكن لكي نرسم لوحة جميلة يجب كان علي أن نستخدم عدة ألوان وليس لونا واحدا واستخدمت جميع الآلات البغدادية السنطور والجوزة والقانون وكذلك التشيلو والفيولا بأسلوب بغدادي والإيقاع الصوفي واخترت فنانين متميزين من أصدقائي في العزف على آلاتهم وهم من خيرة وأشهر العازفين عليها هندرين حكمت وحسين فجر وأحمد فنجان وعمر زياد ومحمد عبد نعمه ومدين وطيف، والأعمال مختلفة لو كنت قدمت ألبوما للعود المنفرد ستكون جميع الأعمال مختلفة ولكني مررت في الألبوم أحدث طرق الأداء وتنفيذ التقنيات الخاصة بي في العزف على آلة العود».

ألبوم (عشق بغدادي) عبارة عن بانوراما موسيقية تجمع الأزمنة والأمكنة، التاريخ الحي في الذاكرة الصورية والجغرافيا التي يخشى البغداديون عليها من الضياع في ضبابية الأحداث السياسية والأمنية، بل إن فكرة الحفاظ على بغداد كفكرة حضارية متألقة هو ما ألهم عاشق بغداد، زاير، إلى تأليف هذه المقطوعات الموسيقية، يوضح «في عام 2007 عندما طال تفجير صرح ثقافي له أهميه تاريخية وثقافية ونفسية لدى البغداديين وهو شارع المتنبي شعرت بخوف على ما نملك من كنوز من أن تمحى من الذاكرة وليس من المكان فقط، فكتبت في نفس الليلة شارع المتنبي ومن ثم بدأت الفكرة بمحاولة كتابة (الحيدر خانه) في شارع الرشيد وهي موطن صناع العود الذي أصبح خاليا تقريبا منهم الآن وأصبح المكان شبه منهار وسوق الصفافير الذي يكاد يخلو من صناعة الماهرين، والمدرسة المستنصرية هذا الصرح الثقافي والتاريخي المهم والنادر والمهمل، والمتحف البغدادي الذي شوهت بنايته الأسوار والقواطع الكونكريتية، ومقاهي بغداد هذا الطقس الذي شوهته المعاصرة ويكاد يختفي من خارطة المدينة وشارع أبو نواس الذي أصبح شيئا آخر رغم جماله ولكن ليست الصورة العالقة بمخيلتنا، حاولت أن أنقل إلى هذا الجيل والأجيال الأخرى هذه الأمكنة من خلال العود والموسيقى».

مصطفى العاشق الذي عمل على إعادة الصياغة اللحنية والموسيقية لبعض الأغاني التراثية مع مغنية الأوبرا بيدر البصري يطمح بتأسيس مركز ثقافي موسيقي «مع أصدقائي وهذا الحلم سميناه بيت الباشا للموسيقى، كما أحلم بتأسيس أوركسترا عراقية تعتمد الآلات الموسيقية العراقية فقط».