الغزيون يقيمون أفراحهم في الشوارع وفوق أسطح المنازل

ضيق الشوارع وتكلفة الصالات البالغة 740 دولارا أهم الأسباب

الشباب يرقص على وقع الأغاني الوطنية والعاطفية («الشرق الأوسط»)
TT

اضطر عبد الرحمن عودة، 51 عاما، إلى إيداع دراجته النارية ذات الثلاث عجلات «التوك توك» لدى ابن أخته نبيل، وعاد إلى بيته الكائن في حي «بركة الوز»، غرب مخيم المغاز، مشيا على الأقدام. لم يكن بالإمكان لعبد الرحمن تاجر المواشي أن يصل إلى بيته مساء الثلاثاء الماضي على ظهر «التوك توك» المملوك له، حيث إنه في قلب الشارع المؤدي إلى منزله كان هناك سرادق كبير نصبه جيرانه وأقاموا فيه احتفالا بزواج أحد أبنائهم. الذي يتحرك في شوارع المدن ومخيمات اللاجئين في قطاع غزة لا بد أن يلحظ ظاهرة تنظيم احتفالات الأعراس في الشوارع، حيث يتم نصب المنصات ووضع الكراسي في قلب الشارع، ويرقص الشباب على وقع الأغاني الوطنية والعاطفية.

ونظرا لصغر مساحات البيوت في قطاع غزة، فإن معظم العائلات غير قادرة على تنظيم احتفالات الأعراس، لا سيما الخاصة بالشباب، داخل هذه البيوت، مما يجعلها تنظمها في الشوارع القريبة من البيوت، وبشكل يؤدي إلى إغلاقها أمام الحركة حتى انتهاء الحفل. وقد درجت العائلات الغزية منذ سنين على تنظيم حفلات الأفراح الخاصة بالنساء في صالات الأفراح التي انتشرت بشكل كبير خلال السنوات الثلاث الأخيرة في أرجاء قطاع غزة. لكن تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع قيمة استئجار الصالات جعل كثيرا من العائلات تتنازل عن المزايا الكثيرة الكامنة في تنظيم الاحتفالات داخل الصالات، وبدلا من ذلك اتجهت هذه العائلات لتنظيم الحفلات الخاصة بالنساء فوق أسطح المنازل، وذلك بعد تغطيتها بشوادر كبيرة.

إبراهيم حسين، الذي يقطن في مدينة غزة، والذي قام بتزويج أحد أبنائه مؤخرا، قال لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يكن واردا لديه أن يقيم الحفل الرئيس للعرس في الصالة بسبب ارتفاع سعر استئجار الصالة، حيث إنه يصل إلى 2500 شيقل (740 دولارا)، وهو مبلغ كبير نسبيا مقارنة مع دخله المتواضع، وهو ما دفعه إلى إقامة الحفل على سطح منزله.

ويقر إبراهيم بمزايا إقامة الحفل في الصالة كبيرة، حيث إن ذلك يسمح له بدعوة عدد كبير جدا من الأقارب والمعارف والجيران، في حين أن إقامة الحفل على سطح المنزل يقلص هامش المناورة أمام أصحاب العرس، بسبب صغر المساحة، مما يجعلهم يوجهون الدعوات لعدد محدود من العائلات، علاوة على أن الصالة توفر الكثير من الخدمات اللوجستية أثناء الحفل التي تثقل كاهل الأسر في حال تم تنظيم الحفل على سطح المنزل. وقد أثرت الضائقة الاقتصادية أيضا على مظاهر التعبير عن الأفراح، فبعد أن انتعش عمل الفرق الفنية التي تحيي الأفراح والأعراس، فإنه قد لوحظ مؤخرا تراجع عمل هذه الفرق، سواء كانت إسلامية أم شعبية، بسبب المتطلبات المالية.

فعلى سبيل المثال، يكلف إحياء فرقة فنية سهرة فرح شبابية نحو 5000 شيقل (1250 دولارا تقريبا)، وهو مبلغ كبير نسبيا مقارنة مع الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في قطاع غزة. وبدلا من إحياء الفرق الفنية، فإن كثيرا من العائلات تقيم السهرات على أنغام أغاني مسجلة تصدح بها مكبرات الصوت، حيث يتراقص الشباب على أنغامها. ومن مظاهر التحول التي طرأت على مظاهر إبراز الفرح خلال الأعراس في غزة، تراجع عمل فرقة «فدعوس» الشهيرة، وهي فرقة متخصصة في زفة العرسان، حيث يرتدي أعضاء الفرقة زيا شعبيا خاصا ويعتمرون الطرابيش، ويقومون بالضرب على الدف، ويطلقون العنان لمزاميرهم، حيث استغنى كثير من العائلات عن خدمات هذه الفرقة بسبب المتطلبات المادية، وإن كان كثير من العائلات الموسرة ما زالت تعتبر الاستعانة بخدمات هذه الفرقة معلما أساسيا من معالم احتفائهم بالأعراس.

ولم يبرز تأثير الأوضاع الاقتصادية فقط على الأفراح، بل تعدى الأمر إلى مظاهر الاحتفاء بعزاء الأعزاء عند وفاتهم. فبالنسبة لسرادقات العزاء التي تنصب لتقبل التعازي في الموتى، فإن الأغلبية الساحقة من الغزيين يقيمونها على الشوارع العامة، حيث يتوافد الناس لتقديم واجب العزاء بعد انتهاء صلاة العصر ولمدة ثلاثة أيام.

وفي المقابل فإن هناك الكثير من العائلات التي لا تزال تقيم احتفالاتها في الصالات الفخمة. فالذي يتحرك على الشارع الساحلي الذي يربط مدينة غزة بجنوب القطاع يومي الأربعاء والخميس، وهما اليومان اللذان يكثر فيهما تنظيم الاحتفالات بالأعراس في الصالات، فإنه يلاحظ بسرعة الاختناقات المرورية التي تحدثها طوابير السيارات المحتشدة في طريقها صوب صالات الأفراح الكبرى. ومما فاقم الأمور سوءا بالنسبة للحركة على هذا الشارع حقيقة أنه يتزامن مع حلول فصل الصيف وبدء موسم الاصطياف على البحر، مما جعل الأمور أكثر تعقيدا، وهذا ما دفع الكثير من السائقين يتجنبون سلوك الطريق الساحلي بعد العصر، وبدلا من ذلك يتم استخدام طريق صلاح الدين، الذي يصل شمال القطاع بجنوبه.

وعلى الرغم من أن نصب سرادقات الفرح والعزاء في الشوارع يوقف الحركة تماما على هذه الشوارع وتؤثر على مصالح الناس، فإن انعدام البديل جعل الناس تتفهم الأمر وتتقبله، كما تتقبل أمورا كثيرة لا تعتبر مسلمة خارج القطاع بسبب ظروفه الخاصة.

وعشية تقديم طلاب الثانوية العامة امتحاناتهم أصدرت وزارة الداخلية في حكومة غزة تعليمات بعدم استخدام مكبرات الصوت في احتفالات الأفراح التي تقام خارج الصالات المغلقة، حتى لا يتم التأثير سلبا على الطلاب المنصبين على مطالعة دروسهم استعدادا لتقديم الامتحانات التي ستبدأ في العاشر من الشهر الحالي. وعلى الرغم من هذه التعليمات الصارمة، فإن الكثير من الشكاوى تقدم من عائلات لطلاب مرحلة الثانوية العامة بسبب إقامة احتفالات بأفراح في باحات البيوت، لكن باستخدام مكبرات الصوت وإطلاق العنان للألعاب النارية التي تحدث ضجيجا كبيرا، مما يؤثر على قدرة الطلاب على الاستيعاب. وفي كثير من الأحيان تباغت الشرطة هذه الأفراح وتطلب من القائمين عليها عدم استخدام مكبرات الصوت على الإطلاق، ولم تسجل حالة رفضت فيها العائلات الالتزام بتعليمات الشرطة بعد أن تباغت مكان الفرح.