40 سنة على صدور أشهر دليل سياحي لـ«الفقراء» في فرنسا

TT

تحتفل أوساط النشر في باريس، حاليا، بمرور 40 عاما على صدور دليل «روتار» السياحي الذي يرشد الزوار إلى الفنادق والمطاعم والمقاهي المفضلة والمواقع التي تستحق الزيارة في بلدان العالم. ويشير اسم الدليل إلى الشخص الذي يحب أن يأخذ الطريق للطواف بأماكن جديدة وبعيدة. وتطبع منه 2.5 مليون نسخة سنويا.

طرأت فكرة الدليل على بال شاب يدعى فيليب غلواغين، كان يدرس التجارة، لكنه أراد أن يصبح مراسلا متجولا لمجلة «باري ماتش»، لكنه فشل في تحقيق حلمه بعد أن صرفته موظفة الاستقبال ولم تسمح له بالصعود إلى مكاتب التحرير. وكان البديل هو أن يقنع محرر مجلة صغيرة بأن ينجز تحقيقا عن كيفية السفر إلى الهند عبر الطرق البرية. واستغرقت الرحلة أكثر من شهرين كان غلواغين يسجل خلالها مشاهداته وملاحظاته المفيدة لمن يريد السير على الطريق نفسه. وحال نشر التحقيق جذب أسلوبه اهتمام القراء وعشاق المغامرة.

في ربيع 1973 صدرت الطبعة الأولى من دليل «روتار» بفضل ناشر صغير بعد أن رفضت 19 دار نشر أخرى المخطوط. وبيعت منها 8500 نسخة. واستهوى الدليل عموم الشباب وطلاب الجامعات وصغار العمال لأنه يقوم على فكرة السفر والتنقل بين البلاد بأقل كلفة ممكنة، مع أخذ الوقت للالتقاء بالسكان وسماع الحكايات الطريفة والتعرف على التجارب المحلية. لقد كان اهتمام المؤلف ينصب على التعريف بمقهى لطيف أكثر من التوجيه بزيارة المتاحف والأحجار العتيقة. وبهذه الروح فإن الدليل الفرنسي يقترب من الدليل السياحي «لونلي بلانيت» الذي ظهر في الفترة ذاتها إنما باللغة الإنجليزية.

تجاوز فيليب غلواغين الستين من عمره، حاليا، وزحف البياض على شعره، لكنه ما زال مخلصا لروح دليله السنوي الشهير. وهو يرى أن جزءا من نجاحه يعود لظهور رحلات «التشارتر» الجوية ذات الأسعار المعقولة، منذ أواخر ستينات القرن الماضي، الأمر الذي سمح لذوي الدخول المحدودة بتجربة السفر والسياحة والإقامة في فنادق متدنية الدرجة والبحث عن مطاعم تقدم وجبات زهيدة الثمن. لكن أكبر عقبة واجهها دليل «روتار» بعد فترة وجيزة من صدوره كانت موت ناشره بعد أن دهسته شاحنة. وكانت النتيجة إفلاس دار النشر وبيع الكتب المكدسة في مخازنها بسعر التراب. وقد فوجئ الشخص الذي اشترى 1500 نسخة غير مباعة من الدليل بأنه تمكن من تصريفها بسرعة قياسية. وهكذا اتصل بالمؤلف ورتب له موعدا مع المسؤولين عن دار «هاشيت» الشهيرة للنشر ووقع معها عقدا ما زال قائما منذ 4 عقود بيعت خلالها 100 مليون نسخة من «روتار» في فرنسا.

وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية ذكر فيليب غلواغين، أن والده كان معلما. وقد فوجئ بنجاح الدليل السياحي التوجيهي لابنه وقال له ذات يوم: «أنا ألقي الدرس على 20 تلميذا وأنت تلقي درسك على الملايين». وقد توسع الدليل ليتخصص في 13 موضوعا وظهرت طبعات له بعدة لغات أوروبية. وما زال المؤلف والناشر يرفضان الحصول على مقابل مادي من أصحاب المطاعم والفنادق التي ينصح بها الدليل الذي يستخدم 150 محررا يتجولون بشكل مجهول في أرجاء المدن. ورغم المنافسة الجديدة الآتية من مواقع «الإنترنت» فإن الطبعة الورقية ما زالت مطلوبة بشدة، بل وتشكل قطعة مهمة من محتويات حقيبة السائح المتوسط الدخل. مع هذا يتأثر التوزيع بالأوضاع السياسية في العالم ومع اندلاع ثورات الربيع العربي عرفت الطبعات المخصصة لمصر وتونس بعض التراجع في المبيعات.