نوافير روما تحصل على ما هو أكثر من العملات المعدنية

مشروع للحفاظ على المنحوتات المائية التاريخية في إيطاليا

نافورة «تريفي» تعود إلى القرن الثامن عشر وتعكس مجد العصر الباروكي
TT

اكتسبت نافورة «تريفي» شهرة دولية عندما لعبت أنيتا إكبيرغ في فيلم «لا دولتشي فيتا» (أو «الحياة الحلوة») مع مارشيلو ماستروياني في مياهها. الفيلم للمخرج الشهير فيدريكو فلليني حاز السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 1960. النافورة لم تعد رمزا لتاريخ روما فحسب، بل أيضا لإسرافها في استهلاك المياه.

في هذه النافورة، التي تعود إلى القرن الثامن عشر، بكل ما تمثله من مجد العصر الباروكي، تنهار الحوريات وتماثيل الجمال والملائكة والطيور ذات الأجنحة مع تقدم الزمن، وتهاجمها عوامل بيئية وتهزها أقدام السائحين. لا يعتبر إلقاء ثلاث عملات معدنية في إحدى النوافير - أو حتى إجمالي مجموعة العملات التي يلقيها أصحاب الأمنيات الطيبة - كافيا لحماية المنحوتات المائية التاريخية في روما من آثار الاهتراء.

ولحسن الحظ جاء منقذها بيترو بيكاري، رئيس مجلس إدارة شركة «فندي» ورئيسها التنفيذي. وكان هذا يقود سيارته عبر المدينة، وسمع تقريرا إذاعيا عن سقوط حجر من نافورة «تريفي»، وأتته فكرة بارعة مفاجئة: مشروع للحفاظ على النافورات الرومانية يحمل اسم «فندي للنافورات».

يقول بيكاري في تصريحات لصحيفة «نيويورك تايمز»: «اسم شركة فندي ظل مرتبطا بإيطاليا، وتعتبر المياه رمزا معبرا جدا عن استمراريتها - شيئا يبقى للأبد. طلبت من العمدة أن يقبل عرضنا، وأيد الفكرة بحماس شديد. هذا ليس نوعا عاديا من أنواع الرعاية. بالطبع، يعتبر إظهار رغبتنا في ربط أنفسنا بالثقافة الرومانية وربط شركة «فندي» بروما كمدينة تمثل نمطا من الحياة نوعا جيدا من الترويج للمدينة».

يبدو بيكاري، الذي يشغل منصبه في شركة «فندي» منذ عام، متلهفا على نقل موقع الشركة إلى قلب المدينة، حتى وإن كانت مطامحها أن تكون علامة تجارية دولية فاخرة.

تأسست شركة «فندي»، التي تعتبر الآن جزءا من «إم إتش مويت هينيسي لويس فويتون»، في عام 1925، لتكون بيتا للأزياء المكسوة بالفراء، ثم توسعت لاحقا لتشمل الحقائب والمصنوعات الجلدية الأخرى، ثم الملابس، تحت الإدارة المبدعة لكارل لاغرفيلد.

ويعتبر نتاج هذا التركيز على نوافير روما ثقافيا وفنيا، وليس فقط ماليا، من خلال تعهد بيت الأزياء الإيطالي بدفع 2.2 مليون يورو، أو 2.8 مليون دولار، على مدى 20 شهرا لتجديد النوافير. وقد كان المشروع أيضا بمثابة مصدر إلهام للاغرفيلد، الذي ظل مصمم أزياء «فندي» لما يقرب من نصف قرن، لتصوير النوافير في مدينة يقول إنها قد زارها أكثر من 750 مرة منذ أول تصميماته لبيت أزياء «فندي» في عام 1965.

«أحب الماء.. أعتقد أنه أهم عناصر الحياة الأساسية»، يقول لاغرفيلد، الذي وظف مهاراته في التصوير الفوتوغرافي لإضفاء لمسة من الحيوية على مشروعه. ويضيف «لا يظهر الماء بهذه الدرجة من الوضوح في أي مدينة أخرى».

سوف تعرض صوره التي تحمل اللونين الأسود والأبيض، التي أنتجها اعتمادا على أسلوب التصوير الشمسي على الألواح الفضية الذي يعود ظهوره إلى القرن التاسع عشر، في معرض مجاني يقام في باريس على طول ضفاف نهر السين يحمل اسم «عظمة المياه»، خلال موسم الأزياء الراقية لأشهر المصممين في يوليو (تموز). سوف ينتقل المعرض، الذي يتزامن مع افتتاح متجر «فندي» الرئيس في شارع مونتين بباريس، لاحقا إلى نيويورك والصين. كذلك، ستعرض نسخة مجددة من فيلم مدته 18 دقيقة عن فندي تم إنتاجه في روما عام 1977 من قبل جاك دي باسكر.

وأكد لاغرفيلد على أهمية كل من علاقة فندي بروما وبمد يد العون للمدينة. يقول «دول مثل إيطاليا تعاني من مثل ذلك الوضع السيئ. ونشكر الرب على أن بمقدور شخص ما السداد. إنها شركات السلع الفاخرة، مع أن تلك المهمة يمكن أن تقوم بها شركة (رينو)».

تنظر سيلفيا فينتوريني فندي، المصممة المشاركة في شركة «فندي» وإحدى الشقيقات الخمس الأصليات لفندي، لمشروع النافورة بوصفه مرتبطا ارتباطا وثيقا بتاريخ فندي. «بوصفي من أبناء روما، فإنني أفكر في إمكانات هذه المدينة وتاريخها.. أفكر في (الرحلة الكبرى عبر أوروبا) بوصفها الحلم البعيد القادم وأرسم المشهد»، هذا ما قالته سيلفيا مشيرة إلى أن السفر إلى أوروبا كان يعتبر جزءا من تعليم الرجل النبيل في القرن التاسع عشر. وأضافت «كل الشعب الروماني يجب أن يولي الانتباه لشيء ينتمي للإنسانية. ويجب أن يحترم كل مواطن التراث بدرجة أكبر. لكن هذه ليست فترة مريحة بالنسبة لبلدنا. وتعتبر هذه بحق مساهمة من فندي، وليست رعاية. لن يكون هناك أي نوع من الإخطارات.. فقط لوحة معدنية».

سوف توضع لوحة تشير إلى مساهمة فندي على مدى أربعة أعوام فقط، مثلما اتفق بيت الأزياء مع دينو غاسبيريني مساعد الشؤون الثقافية في روما ومسؤول الآثار بمجلس المدينة؛ وجياني أليمانو عمدة روما، وأمبرتو بروكلي مدير الثقافة بمجلس مدينة روما. لا يغطي مشروع فندي نافورة «تريفي» فقط، بل أيضا أربع نوافير أخرى مبنية حول نقطة تقاطع واحدة. وبموجب الاتفاق، لن يضم موقع التجديدات أي إعلانات أو إشارات إلى صاحب المؤسسة. منذ أن سمحت الآثار الباريسية بتعليق إعلانات على السقالات خلال التجديدات، لم تشعر المجموعات المعنية بالحفاظ على التراث بالقلق إزاء السماح لعلامات كبرى تتمتع بنفوذ مالي قوي باستعراض عضلاتها.

إذن، ما هي صفقة «فندي» مع مدينة روما على وجه التحديد؟ قال أليمانو في بيان صادر في يناير (كانون الثاني) إن المساهمة «تجسد أهمية التعاون بين الدعم العام والخاص وكيف تشارك أفضل العلامات التجارية الإيطالية، مثل (فندي) في إعادة مركز روما التاريخي إلى بريقه الأصلي».

وذكر مكتبه أنه في الصيف الماضي قامت المدينة بتدخل طارئ في ما يتعلق بالنافورة بتكلفة قيمتها 320 ألف يورو، وكشفت عملية فحص دقيق للنافورة عن أنها في حالة حرجة. بعدها، ناشد العمدة الشركات الكبرى والأفراد من القطاع الخاص مد يد العون. كانت شركة «فندي» أول من بادر بالمشاركة في تلك الجهود وتم قبول مشاركتها. بموجب القانون، ينبغي أن تطرح أعمال البناء اللاحقة في عطاءات.

يبدو التعاون أشبه موقف يتحقق فيه مكسب للطرفين بالنسبة لمدينة تعج بآثار تاريخية، لكنها تعاني من عوز مادي. أما عن شركة «فندي» فينظر بيكاري لتلك الخطوة بوصفها أكثر من مجرد لفتة كريمة؛ فبالنسبة له تعتبر تعريفا لدور شركات المنتجات الفاخرة. «لا يمكن لعلامة تجارية أن تكتفي بعرض منتجات رائعة وتنظيم عروض أزياء»، هذا ما قاله، مضيفا أن «صنع اختلاف» في العالم الأوسع نطاقا هو ما يميز شركة سلع فاخرة حقيقية عن بقية الشركات الأخرى.

* خدمة «نيويورك تايمز»