«الدرعية».. واحة الاستقرار والبناء والتعمير منذ أكثر من 600 سنة

أصبحت أقوى مدينة بنجد في زمن مؤسس الدولة السعودية الأولى

TT

«الدرعية التاريخية» إحدى واحات وادي حنيفة، التي استقطبت الاستقرار الحضري منذ أكثر من 600 عام، مشكلة منطقة انعطاف وادي حنيفة المكونة من منطقة العوجاء، وهو الاسم التقليدي الذي عرفت به الدرعية في السعودية.

تتميز الدرعية بالمظاهر الطبيعية كالروافد والشعاب والأراضي الخصبة، وكلها معالم بيئية ترتبط مباشرة بتجربة الإنسان الحضارية في الاستقرار والبناء والتعمير، ويظهر المنجز الحضري من الدور السكنية وأنظمة الري والقنوات والأنفاق والقرى الزراعية بالدرعية ومحيطها الجغرافي.

«الدرعية» اسم لمكان نسب إلى أهله، فهي حصن الدروع، والدروع قبيلة استوطنت وادي حنيفة وحكمت حجر والجزعة، ودعا أحد حكامها «ابن درع» ابن عمه مانع المريدي، من عشيرة المردة من بني حنيفة، للقدوم من عروض نجد شرق الجزيرة إلى مرابع وادي حنيفة، وسكن القادمون ما بين غصيبة والمليبيد، وبتاريخ قدومهم يؤرخ لتأسيس الدرعية عام 850هـ - 1446م.

وسرعان ما احتلت الدرعية الصدارة على الطريق التجاري من شرق الجزيرة إلى غربها، بالإضافة إلى تحكمها في طريق الحج إلى مكة المكرمة، فامتد سلطانها على عدد من قرى وادي حنيفة وبلغ نفوذها ضرماء في الجهة الغربية من جبل طويق وأبا الكباش شمال الدرعية. وبظهور دعوة الإصلاح في ربوعها، بعد أن احتضن حاكمها الإمام محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الأولى (1157 - 1233هـ / 1788 - 1818م) دعوة الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، بدأت صفحة جديدة في تاريخ الدرعية، حيث أصبحت أقوى مدينة في بلاد نجد تحمل رسالة الإصلاح وتحقق الكثير من النجاحات وقوى مركزها السياسي والعسكري والديني، وتدفقت عليها الثروة وتقاطر التجار على أسواقها وغدت منارة للعلم والتعليم وتوافد عليها طلبة العلم من جميع الأقطار.

واشتهر أئمة الدولة السعودية الأولى بالعلم والعدل والحزم والالتزام بالقيم الدينية والتمسك بروح العقيدة الإسلامية والعادات والتقاليد الحميدة، فاستتب الأمن وعاش الناس مطمئنين في حياتهم آمنين على أرواحهم وأملاكهم وتجارتهم، وخضعت لنفوذ الدرعية معظم أجزاء جزيرة العرب، وشملت بلاد العارض والأحساء والقصيم وجبل شمر ومكة والمدينة والحجاز وجنوب الطائف وأراضي تهامة اليمن.

وضمن اهتمام الدولة بالدرعية التاريخية صدر الأمر الملكي قبل 5 سنوات بالموافقة على أن تتولى الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض مسؤولية تطوير الدرعية عبر لجنة عليا برئاسة الأمير سلمان بن عبد العزيز آنذاك وعضوية عدد من المسؤولين في الجهات ذات العلاقة.

ويشمل برنامج تطوير الدرعية التاريخية القرى والأحياء بالضفة الشرقية من الوادي ومنها غصيبة والظهرة والظويهرة والبجيري والمليبيد، وبالضفة الغربية حي الطريف وما يتصل به من روافد الوادي وشعابه، ويشمل النطاق الجغرافي حدود الدرعية في أوج ازدهارها في عهد الدولة السعودية الأولى، ويتم العمل في تنفيذ هذا المشروع بالشراكة من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض والهيئة العامة للسياحة والآثار ومحافظة الدرعية وبلدتها.

وقبل سبع سنوات صدر أمر ملكي يقضي بتكليف الهيئة العامة للسياحة والآثار بالعمل على تسجيل موقع حي الطريف بالدرعية ضمن قائمة التراث العالمي لدى اليونيسكو، حيث قدمت الهيئة موقع حي الطريف بالدرعية ضمن القائمة الأولية للمواقع المراد تسجيلها بقائمة التراث العالمي لعام 2006.

ورفعت الهيئة ملف ترشيح الموقع للتسجيل وخطة الإدارة التي أعدتها طبقا لمتطلبات التسجيل بمركز التراث العالمي باليونيسكو، كما تم تسجيل موقع حي الطريف بالدرعية التاريخية ضمن قائمة التراث العمراني العالمي باليونيسكو عام 2010.

وكان الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار قد أعلن موافقة لجنة التراث العالمي على تسجيل حي الطريف في الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، وذلك خلال اجتماع لجنة التراث العالمي باليونيسكو في دورته الرابعة والثلاثين المنعقد في مدينة برازيليا بالبرازيل خلال عام 2010.

ويعد حي الطريف في الدرعية التاريخية الموقع السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث العالمي بعد اعتماد تسجيل موقع الحجر (مدائن صالح) للقائمة عام 2008، وهما موقعان ضمن المواقع الثلاثة التي صدرت الموافقة على أن تتولى الهيئة العامة للسياحة والآثار استكمال إجراءات تسجيلها في قائمة التراث العمراني، وهي: مدائن صالح، التي تم تسجيلها عام 2008، وحي الطريف بالدرعية، وجدة التاريخية التي تم تقديم ملف ترشحها لليونيسكو، وفي انتظار النظر فيه في الدورة المقبلة للجنة التراث العالمي، مشيرا إلى أهمية هذا القرار في إبراز المكانة التاريخية للسعودية، وما تزخر به من تراث عمراني عريق ومكانة تاريخية.

وأكد الأمير سلطان في وقت سابق أن تسجيل حي الطريف بالدرعية التاريخية يمثل إقرارا عالميا بأهميتها من الناحية التاريخية والعمرانية ليضاف إلى أهميتها السياسية كعاصمة للدولة السعودية الأولى، ومركز علمي وثقافي في الجزيرة العربية، حيث أسست على ضفاف وادي حنيفة عام 1446.

وأشاد بالجهود المبذولة من اللجنة العليا لتطوير الدرعية التي عملت على تنفيذ مشروع متكامل في إطار برنامج إحياء الدرعية التاريخية، والحفاظ على هذا الموقع التاريخي المهم وتطويره، منوها بالشراكة المميزة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لحماية الدرعية التاريخية والعمل على إنجاز مشروع مهم لتطويرها بهدف إبرازها وتهيئتها كموقع وطني ثقافي.

ودخل موقع حي طريف في الدرعية التاريخية في قائمة التراث العالمي التابعة لليونيسكو، ليكون بذلك الموقع التراثي السعودي الثاني الذي يتم تسجيله في قائمة التراث بعد اعتماد تسجيل موقع الحجر (مدائن صالح) للقائمة عام 2008، كما أن الهيئة تعمل - حاليا - على تقديم ملف ترشح جدة التاريخية، وهي - حاليا - في انتظار النظر فيه في الدورة المقبلة للجنة التراث العالمي.

من ناحية أخرى، يعد مشروع تطوير الدرعية أحد المشاريع الكبيرة التي ستسهم في تحويل هذا المعلم التاريخي البارز إلى واحد من أهم المراكز السياحية والحضارية الرائدة والمميزة في المنطقة.

وانطلقت الهيئة العامة للسياحة والآثار مع الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض وعملتا بشراكة كاملة على بلورة الفكرة الأساسية للمشروع في جميع المراحل التي نتج عنها تفاصيل المشروع وتوجيهه نحو التطوير المتوافق مع أعلى المعايير الدولية والتجارب الناجحة في تطوير المواقع التراثية، ويقدم المشروع نموذجا ناجحا للعمل بمنهج الشراكة بين الهيئة العامة للسياحة والآثار والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، حيث قدمت فيه هيئة السياحة ما تملكه من معرفة في تطوير المواقع السياحية، وأسهمت فيه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بخبرتها العريضة في الإشراف على المشاريع الكبرى، مع الاستعانة بإسهامات جهات عدة في مجالات عملها مثل: دارة الملك عبد العزيز التي تعنى بتوثيق تاريخ الدولة السعودية.

ويشمل نطاق عمل الهيئة تشغيل الموقع بما في ذلك تحويل حي الطريف الذي يحوي قصر الحكم ومؤسسات الدولة السعودية الأولى إلى متحف حي وسط منظومة من الأنشطة المتعددة، وذلك لاستيعاب الأنشطة الثقافية والاجتماعية والتراثية، بالإضافة إلى إشرافها على أعمال الترميم والتنقيب الأثري والعروض المتحفية والأبعاد السياحية بما فيها التسويق والبرامج والمنتجات السياحية وجذب الإيواء، التي بنيت عليها فكرة المشروع.

ويعمل قطاع الآثار والمتاحف في الهيئة على الإسناد الفني والعلمي المتخصص للمشروع، والمشاركة في مراجعة وتقييم المخططات الهندسية لمشاريع حي الطريف، وباقي أحياء الدرعية التاريخية، وتنفيذ أعمال التنقيب الأثري الاستطلاعي، والإشراف على الحفريات التي تتم في إطار مشاريع البنية التحتية، بالإضافة إلى المشاركة في مشاريع التأهيل للمكتشفات المعمارية التي تظهر في مواقع الحفر، ومراجعة سيناريوهات العروض المتحفية، والمشاركة في إعداد خارطة بمواقع الأحداث التاريخية في حي الطريف والدرعية التاريخية.

كما يشرف فرع الهيئة في منطقة الرياض وبقية الإدارات في الهيئة على الأعمال المساندة للمشروع بالشراكة مع هيئة تطوير الرياض في مجال الدراسات الاقتصادية، وجذب الاستثمار وتأهيل المرشدين السياحيين، والعمل مع منظمي الرحلات السياحية على تطوير برامج سياحية لمنطقة الرياض تتضمن زيارة الدرعية كإحدى المحطات المهمة في برنامج الزيارة، وتصميم وتنظيم الفعاليات السياحية، والمساهمة في تطوير الأنشطة اليومية، وتقديم الدعم الفني لتصميم المهرجانات والفعاليات الدورية، والمساهمة في تطوير منتجات سياحية في المدينة التاريخية مثل أنشطة الحرفيين، ومحال الهدايا والتذكارات، والمأكولات الشعبية، ومساندة المشروع ترويجيا وإعلاميا.