13 فنانا يدينون تشوهات «وسط البلد» في معرض جماعي بالقاهرة

تنوعت أعمالهم بين التصوير والنحت والعمل المركب

تكشف اللوحات تشوهات الحاضر الراهن من زوايا فنية متنوعة
TT

معزوفة فنية ضد القبح والتشوه، وصرخة باللون والخط والفوتوغرافيا، تحمل في طواياها رسالة ثقافية راقية، لوجدان المواطن المصري البسيط، جسدها عبر لوحاتهم 13 فنانا شابا في معرض جماعي بجاليري الزمالك بالقاهرة، تحت عنوان «وسط البلد»، ويستمر المعرض حتى 18 يونيو (حزيران) الحالي.

يطرح المعرض كثيرا من الأسئلة الشائكة سواء على مستوى الفن كمعول للنقد الاجتماعي، أو على مستوى الواقع بكل تراكماته وضغوطه السياسية والاقتصادية والثقافية، تاركا للمشاهد حرية الإجابة عنها من خلال ما تطرحه اللوحات، وما تكشف عنه من تنوع وتباين في الرؤية وأسلوب المعالجة والتقنية، تحت سقف مشترك، يشكل محور الإيقاع الفني للمعرض، ومضمونه الفكري والجمالي، وهو تسجيل موقف هؤلاء الفنانين مما آلت إليه منطقة وسط البلد الحيوية بالعاصمة القاهرة من تشوه وتصدع وفوضى بصرية، وصلت إلى حد التلوث للحواس والخيال والذوق العام.

تكشف اللوحات تشوهات الحاضر الراهن من زوايا فنية متنوعة، ما بين تصوير ونحت وفوتوغرافيا وعمل مركب، تبدو فيها منطقة «وسط البلد»، وكأنها عجينة اختبار لنزعات فوضوية، تتصاعد وتتسع خاصة مع تدني سلم القيم الاجتماعية، وترهل خطط الإعمار والنظرة الحضارية، وتغول ثقافة الاستهلاك على منحنيات العرض والطلب. ورغم ذلك لا تزال هذه المنطقة تقاوم، متشبثة بعبق التاريخ الذي يفوح من أبنيتها التاريخية وطرازها المعماري العريق، وما تحمله بنياتها من ذكريات أزمنة غابرة، لا تزال حية في ذاكرة البشر ودبيبهم في شوارعها وميادينها، وأمسياتهم على مقاهيها وأروقتها العامرة. وتحفظ الذاكرة الجماعية لهذه المنطقة أنها حتى ستينات القرن الماضي كانت مليئة بالمكتبات كمراكز مهمة للبحث عن المعلومة والثقافة والفنون والآداب.

تحت مظلة هذه الذاكرة يطرح الفنان أحمد طلال في أعماله بالمعرض ماهية العلاقة بين الفرد ووسيلة المواصلات وكيف تداخلت وتشابكت لدرجة صار كلاهما عنوانا للآخر، فيرى الفنان أنه ومع مرور الزمن تتكون بينهما علاقة وجدانية إيجابا كانت أم سلبا يأخذ كل منهما من الآخر ويضيف، حتى تكاد تتحول الآلة لجزء مهم من شخصية الفرد وثقافته. أما الفنان أحمد صبري فأعاد في لوحته «قصة الاختيار» رسم مشاهد من فيلم «الاختيار» للمخرج الراحل يوسف شاهين، مسقطا عليها دلالات من الواقع الراهن لمنطقة وسط البلد، وكأنها مشاهد قابلة لإعادة تشكيلها دوما بشكل جديد ولا نهائي.

وفي سياق إيحائي يستحضر ذاكرة الأشياء عن قرب تعبر إيناس الصديق عن ضجرها من إيقاع المشهد المتكرر في حياتنا اليومية، الذي أصبح مهينا لآدميتنا، وتقارن بين ذكرياتها في نفس المنطقة عام 1970 عندما كانت رائحة الياسمين والقهوة تعطر الصباح المتدفق من الشمس الدافئة وهي تشرق على وجهها عند محل «جروبي» الشهير. والآن «عندما نسير وسط الزبالة في الشارع وكأننا حشرات كبيرة الحجم».

ويأتي عمل الفنان كمال الفقي، ليحمل تضمينات وإيحاءات أوسع تبرز روح المكان من خلال حرفة عالية. ويلجأ الفنان إلى الاختزال ليكثف علاقة المفارقة الموجعة بين المشهد ومضمونه. فيصور لنا ملامح كثيرة واتجاهات متضاربة بين بقايا جدران بنيت في عصر حرص فيه الناس على رفاهية الفن والذوق والجمال، وبقايا أناس لم تعد لديهم القدرة على التقاط أبسط قواعد وعي التذوق، تحت وطأة واقع شرس، ومحاولات مضنية للبقاء أحياء.

ويخلص المعرض إلى رسالة إنسانية مفادها أنه في ظل تحول المدينة في اتجاه لا يراعي أي ثوابت أو قيم تاريخية أو اجتماعية أو سياسية تفقد رونقها وتتحول إلى مسخ.

يشارك في المعرض الفنانون: إبراهيم سعد، وأحمد صبري، وأحمد طلال، وإيناس الصديق، وآية الفلاح، وداليا رفعت، ورانيا فؤاد، وكمال الفقي، ومحمد المصري، ومحمد عز، ومحمود حمدي، ومدحت أمين، ومنة جنيدي.