حدائق القاهرة تتحول إلى نواد لمواجهة التحرش والبلطجة

تحت شعار «كيف تدافع عن نفسك دون أن تكون مقاتلا»

في الحدائق وعلى الكورنيش شبان وفتيات يتدربون على المهارات القتالية («الشرق الأوسط»)
TT

بعيون متحفزة ونظرة صارمة قررت تغريد عبد الوهاب (29 عاما)، أن تتخلى عن نظريتها السابقة التي وضعتها لنفسها، وترفض فيها تعلم إحدى الألعاب الرياضية العنيفة، حفاظا على أنوثتها وملامحها الهادئة، متوجهة إلى أحد المراكز التدريبية الجديدة التي تُعلم الفنون والمهارات القتالية الأساسية للدفاع عن النفس في مواجهة أية مخاطر مفاجئة تنال منها.

وكثيرا ما تعرضت تغريد، التي تسكن إحدى الضواحي النائية في العاصمة المصرية القاهرة لمضايقات «منذ ثورة 25 يناير أشعر وكثير من المواطنين بانفلات أمني كبير استغله كثير من البلطجية والمجرمين في التحرش بالفتيات والسرقة بالقوة التي وصلت إلى حد إنزال راكب من سيارته تحد التهديد بالسلاح والضرب.. وأنا شخصيا تعرضت لمثل هذه المواقف المؤسفة».

ووفقا لتقرير أصدره «المركز المصري لحقوق المرأة»، تناول حالة المرأة المصرية عام 2012، فقد احتلت مصر المركز الثاني في التحرش الجنسي على مستوى العالم بعد أفغانستان.

كما تؤكد بيانات الإحصاء الجنائي لشرطة الآداب في وزارة الداخلية المصرية، أن جرائم التحرش وصلت خلال عام 2012 إلى 9 آلاف و468 حالة، سجلت فيها محافظة الإسكندرية أعلى المعدلات.

وللتغلب على هذه الأزمات، ولمعاونة الفتيات أمثال غدير، قرر مجموعة من الشباب المصري إطلاق مبادرة لتعلم فن الدفاع عن النفس للشباب في جامعات ومدارس مصر.

يقول مصطفى محمود فتحي، مؤسس المبادرة: «نحن مجموعة من مدربي الفنون القتالية معتمدين من اتحادات دولية، نتيجة إحساسنا بعدم الأمان وانتشار ظاهرة التحرش والبلطجة، أسسنا مبادرة الدفاع عن النفس وقررنا أن ننقلها لكل الناس بشكل مبسط يتناسب مع انشغالهم وعدم قدرتهم على الالتزام بتدريب كامل لفن قتالي.. وأن يكون ذلك بشكل مجان من غير أي تكلفة في مكان مفتوح للجميع».

اتخذ هؤلاء الشباب من الحدائق العامة موقعا لهم لتعليم هذه المهارات والتدريبات، ومنها حديقة الأزهر، التي تقع في قلب القاهرة، وتتميز بمساحتها الخضراء الشاسعة وأجوائها الصالحة لمثل هذه التمارين.

وتؤكد فاتن طارق (طالبة جامعية) لافتة الجمال أنها استفادت من هذه التمارين، وأصبح لديها ثقة في أنها تستطيع أن تدافع عن نفسها في مواجهة أي عدوان أو تحرش تتعرض له.

وتروي فاتن أنها تعرضت لمحاولات تحرش كثيرة وتقول «في الأسبوع الماضي أثناء عودتي من زيارة لإحدى صديقاتي بمنطقة المعادي فوجئت بشابين يركبان موتوسيكلا، ضربني أحدهما على كتفي، بينما خطف الآخر حقيبة يدي.. لكن لحسن حظي اصطدما بالرصيف فوقعا من على الموتوسيكل حينئذ تجمع بعض الناس، وحين علموا بما حدث أعادوا لي الحقيبة وانهالوا عليهما بالضرب والركل.. وبصعوبة فر الشابان، بعد أن أخذا علقة ساخنة».

ويشرح فتحي التكنيكات التي يتم تدريسها قائلا إنها «لا تعتمد على أي قوة بدنية مما سيمكن أي فتاة أو شاب ضعيف البنية من تنفيذها إذا تدرب عليها». مشيرا إلى أن «الدفاع عن النفس هو أي فعل يتخذه الشخص عند التعرض للخطر بهدف حماية نفسه أو ممتلكاته للتخلص من هذا الخطر، وهو مختلف عن الفن القتالي الذي هو رياضة متكاملة لها أسس وتقاليد يقضي الإنسان سنوات طويلة لتعلمها، وتحتوي على تدريبات شاقة وعنيفة».

ويوضح فتحي أنهم يقومون بتعليم فن «الايكيدو»، وهو «فن اللاعنف ويعد من الفنون القتالية الحديثة نوعيا، ويعني الانسجام أو التوافق. ويتجلى هذا المعنى في الدوران وحركات الأرجل المستخدمة بكثرة في الايكيدو».

وحصل فتحي على الحزام الأسود من الاتحاد الدولي في اللعبة، ويشير إلى أنها «تعتمد على مبدأ الدفاع والسيطرة، كما أنها لا تحتاج إلى كثير من القوة العضلية أو اللياقة البدنية بل تحتاج إلى إعمال العقل بشكل جيد والتنسيق المستمر ما بين العقل والجسد واستخدام مسكات ودخولات معينة ضمن أطر وحسابات معينة للتمكن من تنفيذ التكنيك المناسب على الخصم في أي حالة اعتداء تأتي من قبله.. ونادرا ما تجد لاعب ايكيدو يهاجم وأيضا هو لا يبالغ في هدر طاقته حين يواجه شخصا ما وإن كان المهاجم مسلحا فنرى لاعب الآيكيدو في غاية الهدوء والتركيز».

ووفقا للتدريبات التي يتم تعلمها، تنقسم تكنيكات الدفاع عن النفس إلى (الدفاع والهروب من محاولات المسك وتقييد الحركة، والدفاع ضد الضربات المتوقعة في الشارع).

ويؤكد القائمون عل المبادرة والتدريب أن هدفهم ليس الربح ولكن نشر ثقافة الدفاع عن النفس دون الحاجة للتدريب الطويل والشاق، ونتيجة لما يشهده الواقع المصري من انفلات أمني وأخلاقي. وقد حرصوا على أن تقوم فتيات بتدريب المتدربات على التكنيكات البدنية التي يلزم فيها الاتصال الجسدي المباشر تحت إشراف مدربين معتمدين ذوي خبرة.