«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» في الصويرة بالمغرب يواصل مغامراته الفنية

تتجاور فيه كل اللغات والجغرافيات والأعمار والأذواق والديانات

تشمل فعاليات المهرجان حفلات موسيقية وفعاليات فنية وجلسات حوار
TT

تستمر مغامرة «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» في مدينة الصويرة المغربية هذه السنة ببرمجة جديدة ونفس جديد ووعود جديدة، حيث تضرب هذه التظاهرة، في دورتها الـ16، موعدا لعشاق موسيقى كناوة والعالم، فيما بين 20 و23 يونيو (حزيران) الحالي، للاحتفاء بالموسيقى بجميع أطيافها، من «الجاز» إلى «الفيزيون»، مرورا بـ«البلوز» و«السول».

وسيكون التنوع والحوار، مرة أخرى، عنوانا ومحركا للتظاهرة، حيث سيستمتع الحضور بموسيقى «كناوة» المميزة بأنغامها الصوفية والساحرة، التي خرجت من أعماق أفريقيا، قبل أن تتوهج في المغرب، مغذية للقلوب والأفئدة، وملهمة للفنانين والمبدعين.

ويتوقع المنظمون أن تستقبل الصويرة مئات الآلاف من عشاق الموسيقى، الذين سيأتون إليها لاكتشاف برمجة دسمة دأب المهرجان على تنظيمها، تشمل حفلات موسيقية وفعاليات فنية وفضاءات للحوار والنقاش.

واستطاع مهرجان الصويرة أن يتكرس بوصفه موعدا سنويا، ببعد عالمي، هو الذي انطلق بوصفه خيارا فنيا بهدف تطوير «مدينة الرياح» (اللقب الذي تعرف به مدينة الصويرة) عبر الثقافة.

ويرى عدد من المتتبعين للحركة الفنية بالمغرب أن ما ساهم في نجاح هذا المهرجان، الذي تعدت شهرته حدود المغرب، هي تلك الكيمياء التي ظلت تجمع الفضاء والمكان بطبيعة العمل والفكرة، التي ما كان لها أن تنجح لو تم إطلاقها في مدينة غير الصويرة.

وتطور المهرجان كثيرا، حيث انطلق عام 1998، مشروعا متواضعا، ليصير موروثا وطنيا، مبرهنا، سنة تلو الأخرى، على حيوية موسيقى «كناوة» ضمن المشهد الثقافي المغربي والدولي، الشيء الذي مكنه من أن يرتقي إلى مستوى أكبر مهرجانات الموسيقى عبر العالم، حيث يعتبر المهرجان المغاربي والأفريقي الأول الذي انضم إلى الشبكة الدولية للمهرجانات الموسيقية، التي تضم 24 مهرجانا تحظى باستقلالية فنية، وتمثل سبع دول من أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية، وهي شبكة تسعى إلى تعزيز المبادلات وتبادل الخبرات في مجال التنظيم والإبداع الفني والتنمية، ودراسة تطور قطاع المهرجانات وتمثيله داخل الهيئات المهنية.

ويبقى «مهرجان الصويرة» من المهرجانات القليلة في العالم التي تجمع جمهورا تتجاور فيه كل اللغات والجغرافيات والأعمار والأذواق والديانات، كما يتجاور فيه الطلبة والوزراء، والموظفون والعاطلون، والمغاربة والأجانب، والأغنياء والفقراء.

ويرى آندريه أزولاي، الرئيس المؤسس لجمعية «الصويرة موغادور»، المنظمة للمهرجان، أن هذه التظاهرة ليست المهرجان الوحيد الذي ينظم بالصويرة، لكنه «الأهم من حيث صيته وجمهوره»، وأنه «لا يقوم على الموسيقى، فقط، بل على القيم أيضا؛ قيم التشارك والانفتاح والحداثة. كما أنه يمثل لحظة سعادة لجهة أننا نجد أنفسنا أمام تراثنا وثقافتنا المتجذرة في تاريخ المدينة. مهرجان الصويرة هو مهرجان ننظمه لكي نتقاسم فيه مع زوار المدينة؛ مغاربة وأجانب، كل ما نحب. وهو لحظة سعادة، وهذه هي نقطة قوته مقارنة بمهرجانات عالمية أخرى».

ويقول أزولاي إن «الصويرة عنوان للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عقد.. المغرب المتجذر في هويته وقيمه مع وفاء كبير للذاكرة، ومن دون تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق. الصويرة هي المدينة التي رسمها وتخيلها ملك علوي، قبل أكثر من ثلاثة قرون، هو السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وإلى حدود بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، كانت الصويرة مجرد مدينة في طريقها نحو الفناء والضياع. كانت مدينة مهمشة، ولكنها، استطاعت، خصوصا مع دورات (مهرجان كناوة وموسيقى العالم)، أن تنفتح على مستقبل واعد. واليوم، يمكن القول إن ما نقوم به أعاد للمدينة اعتبارها وتألقها. لكن، الأساسي يبقى أن نحافظ لها على موروثها الثقافي وذاكرتها، وأن نعمل في اتجاه كل التقاطعات الممكنة بين مختلف الحساسيات والروحانيات والديانات والأعراق. وأظن أن الرهان كان جيدا، ويبدو أننا ربحناه بنسبة كبيرة، مع أنه لا يزال أمامنا هامش للعمل والابتكار مع الثقة في المستقبل أكثر».

وكانت علاقة الصويرة بموسيقى «كناوة»، التي تعود إلى أصول أفريقية، قد انطلقت منذ القرن الـ17، مع تحول المدينة إلى مركز تجاري مهم ونقطة تبادل تجاري مع تومبوكتو في مالي، ولذلك تتباين الآراء بخصوص أصل تسمية «كناوة»، فهناك من يجعلها تحريفا لـ«غينيا»، وهناك من يجد لها أصولا أمازيغية، من خلال كلمة «أكال إكناون»، وتعني «الشخص الغريب الذي لا يفهم كلامه»، أو من يربطها بمعان ترتبط بمفردة «قن» بوصفها تعريفا ومرادفا لكلمة «عبد».

ولعل ما يميز هذا المهرجان الفريد من نوعه أن موسيقى «كناوة» ليست مجرد موسيقى عادية، فهي، من جهة، تتميز بإيقاعات قوية محملة بثقل الأساطير والمعتقدات الموغلة في القدم ومشحونة بالإرث الحضاري الأفريقي والأمازيغي والعربي، تناجي الأرواح الخفية وتغازلها، ومن جهة أخرى تتوسل بالإيقاعات والألوان، خاصة اللونين الأحمر والأزرق، وإحراق البخور، وكل الوسائط الخفية الأخرى، كما تتوسل بآلات خاصة، مثل «الكنبري» أو «السنتير» (آلة وترية من ثلاثة حبال)، و«الكنكة» (الطبل)، ثم «القراقش» (صنوج حديدية).

مفتخرا بجذوره الأفريقية، سيقدم المهرجان، في دورة هذه السنة، فنانين طبعوا ببصمتهم موسيقى تشرب من معين الثقافة الأفريقية الذي لا ينضب. وسيشكل «الجاز» جزءا لا يتجزأ من التظاهرة؛ إذ سيكون له مكان بارز في البرمجة. وسيحمل كل من عمر سوزا وويل كالون وريتشارد بونا محبي هذا النوع الموسيقي إلى عالم ساحر من الأنغام الأفرو - أميركية التي تحتفي بتلاقح الثقافات وتعكس بشكل جميل روح المهرجان. وسينضم عازف الساكسفون وموسيقى «الفانك» الأميركي، ماسيو باركر، إلى قائمة الفنانين الذين سيحتفون هذا العام بمهرجان كناوة. ولا يعد باركر أفضل عازف ساكسفون في العالم، فحسب، بل هو أسطورة حية لها تأثيرها على فن «الجاز»، حيث يعد من بين الفنانين القلائل الذين ما زالوا ينشطون ويبدعون في لون «الفانك» الأصيل، الذي برز في سنوات السبعينات من القرن الماضي.

كما يستمر السفر في عالم الموسيقى برفقة المهرجان مع «المعلمين» الكناويين الذين سيكونون حاضرين في جميع فضاءات المهرجان لتقديم حفلات مميزة، حيث ستكون المتعة الموسيقية في الموعد على المنصات الكبرى، فرادى أو مرفوقين بفنانين آخرين.

وإلى جانب «المعلمين»، سيكون الإبداع المغربي ممثلا بأنواع موسيقية مختلفة وراسخة في تراث البلد؛ إذ ستحضر الموسيقى الكلاسيكية والحسانية والعصرية، حيث ستطرب سيدة الملحون ماجدة اليحياوي محبي هذا الفن الجميل إلى جانب «المعلم» عزيز باقبو، كما سيستمتع الجمهور بإيقاع نغمات ناي رشيد زروال وموسيقى الصحراء مع محمد بايعة.