«قبة عين الذبابة» جائزة التصميم المعماري في ذكرى إنشاء لوس أنجليس

رؤية متبصرة لثوري هادئ لم يلق سوى التهميش خلال حياته

«قبة عين الذبابة» أبرز مشروعات التصميم الإنسانية في جوائز التصميم المعماري قبل أن تنقل إلى مهرجان تولوز
TT

لو كنت طالب هندسة معمارية شابا وطموحا، هل تخاطر وتضحي بإجازتك الصيفية للاشتراك في دورة تعليمية يلقيها شخص، يوصف بـ«بديل لمعماري شرعي»، عانت شركته التي تعمل في مجال الإسكان خسائر مؤخرا؟ على الأرجح، لن تفعل ذلك، خاصة إذا كنت تعلم أنه حصل على هذه الوظيفة كمعروف من صديق صادف أنه مدير كلية الفنون التي تقدم هذه الدورة التعليمية. إذا حكمت استنادا إلى نتيجة أول دورة يدرسها ريتشارد باكمنستر فولر في بلاك ماونتين كوليدج بنورث كارولينا في صيف عام 1948، ستتأكد شكوكك وتجد أنها في محلها. منيت محاولات فولر لتشجيع الطلبة على تصميم وبناء تكوين كروي مدعوم ذاتيا، بالفشل إلى الحد الذي جعل طلبته يطلقون على التصميم اسم «القبة العاجزة». مع ذلك، عندما عاد إلى هناك الصيف التالي، حقق نجاحا في الدورة التعليمية الثانية، ومثلت القبة التي صنعها مع الطلبة بداية لواحدة من أهم مشروعات التصميم الإنسانية في جوائز التصميم المعماري. وحاول فولر تحسين تصميم «قبة الكرة الأرضية» كما يسميها طوال سنوات عمره الباقية، وانتهى من ثلاثة نماذج لما يعتقد أنه أكثر نسخة مرضية بالنسبة إليه وسميت «قبة عين الذبابة»، بسبب شكل الفتحات العملاقة التي تخترق سطحها، قبل بضع سنوات من وفاته عام 1983. ويبلغ ارتفاع أكبر قبة من الثلاث 50 قدما أو 15 مترا، وتم عرضها خلال ذكرى مرور مائتي عام على لوس أنجليس عام 1981، وتم تفكيك القبة بعد ذلك ودفنها في حقل. ووصلت مكوناتها التي لم ترمم بالكامل إلى مدينة تولوز الفرنسية من أجل إعادة بنائها لاستخدامها في مهرجان تولوز الدولي للفنون. واستعار المهرجان القبة من مالكها الجديد، روبرت روبين، وهو متداول سابق في وول ستريت وتتضمن مجموعته تصميمات معاصرة مثل «مازو دي فيريه» و«منزل الزجاج» لبيير تشاريو في باريس، وأحد «مازو تروبيكال» «منزل استوائي» لجان بروف. وستظل القبة في تولوز لمدة ثلاث سنوات لتتيح فرصة مغرية لاستكشاف واحدة من روائع فولر. وكان فولر جريئا أنانيا لا يقبل الحلول الوسط، وثرثارا حتى إن إحدى محاضراته استغرقت 42 ساعة وكانت عن «كل ما أعرفه». ومن الصعب تجاهله، لكن مثل الكثير من أصحاب الرؤى لم يلق سوى التهميش خلال حياته.

وكانت إحدى مشكلات التصميم والعمارة، هي الاتساع المذهل لنطاق اهتماماته العصي على التصنيف. ووصفته صحيفة «نيويوركر» عند كتابة عرض لشخصيته بأنه «مهندس ومخترع وعالم رياضيات ورسام خرائط ومعماري وفيلسوف وشاعر وصاحب وعي كوني ومصمم شامل»، في حين يصف فولر نفسه بـ«المفكر المنشق» و«الثوري الهادئ» و«رائد الفضاء الأرضي». وكان يشك الكثير من معاصريه في سجل أعماله. وربما بدا فولر غير حامل لعبء الخوف من الفشل لانتماء فولر إلى عائلة ثرية، ولأن شركة الإسكان المحكوم عليها بالفشل، كانت واحدة من بين إخفاقات كثيرة تضمنت عدم إتمام التعليم في جامعة هارفارد ومقترحات التصميمات التي لم يحالفها الحظ لمدينة عائمة وسيارة طائرة.

عندما شعر الطلبة المشتركون في الدورة الصيفية ببلاك ماونتين كوليدج بالقلق من المخاطرة بحدوث انهيار آخر في القبة، رد فولر عليهم قائلا: «ينجح المرء فقط عندما يتوقف عن الفشل». الشخصيات الثائرة الحالمة والإخفاقات البطولية أكثر رواجا الآن في التصميمات المعاصرة، في وقت تحرر فيه التكنولوجيا الرقمية المصممين من أدوارهم التجارية التقليدية وتتيح لهم إقامة مشروعاتهم الرائدة وتقديم مثلهم العليا. وأصبحت الكثير من الأشياء التي كان فولر مهووسا بها وبدت غريبة على أقرانه، منتشرة بين المصممين الشباب، وبوجه خاص اهتمامه بالآثار البيئية للتصميم التي تحدث عنها للمرة الأولى في عشرينيات القرن الماضي. ورغم كون فولر من آكلي اللحوم، كان مهووسا خلال مساره المهني بكيفية الاستغلال الأمثل لموارد الأرض من خلال تقديم أشياء أكثر بموارد أقل، وهو ما يبدو حاليا رؤية متبصرة أكثر منها رؤية حمقاء. ونجحت بعض جهوده في تحقيق ما فشلت أشكال قبته في إنجازه. ولإبداع القباب جذور في أبحاث فولر الرياضية، لكن المبادئ الأساسية كانت أن الشكل الكروي هو أكثر الوسائل فاعلية في الإحاطة بأكبر مساحة داخلية باستخدام أقل مساحة سطح وأن أقوى بناء كروي مصنوع من المثلثات. ويمكن استخدام الشكل الكروي في الأماكن ذات المناخ القاسي الذي يستدعي الحاجة إلى ملاجئ طارئة نظرا لحرية دوران الهواء والطاقة داخل الشكل الكروي بحيث يمكن التحكم في درجات الحرارة بسرعة وبفاعلية. وبنهاية عام 1949، أسس فولر شركة جديدة باسم «جيوديسيكس إنكوربوريشين» من أجل الترويج لقبة الكرة الأرضية، في الوقت الذي يتخذ فيه خطوات من أجل ضمان إمكانية نسخ من يحتاجون إلى مأوى عاجل للتصميم الأساسي مجانا. وفي منتصف الستينات عندما بدأ العمل على «قبة عين الذبابة»، تم بناء آلاف القباب التي تشبه الكرة الأرضية حول العالم، ومنها البناء الضخم لشركة «فورد موتور» وأكواخ مؤقتة بديلة بناها ضحايا الكوارث من بقايا أخشاب أو معادن أو قماش. وبفضل «العيون» التي استحوذت على ثلاثة أرباع السطح، والتي يمكن استخدامها لتركيب الأبواب أو فتحات التهوية أو خلايا الطاقة الشمسية، أتاحت «قبة عين الذبابة» تقديم أشياء أكثر بموارد أقل مقارنة بالقباب السابقة لها، وكان الضوء قابلا للنقل بالهواء. ووصف فولر بفخر هذه النتيجة في كتابه «Critical Path» (الطريق الحاسم) عام 1981، حيث ذكر أنه منزل جميل مزود بكافة الإمكانات ويسمح بدخول الهواء وتقترب تكلفته ووزنه من تكلفة ووزن سيارة جيدة. وأثبتت النسخة، التي يبلغ ارتفاعها 50 قدما، مرونتها المذهلة حتى بعد هجر هذا التصميم لسنوات. وكلف روبين «كارلسون أرتس» في صن فالي بولاية كاليفورنيا ترميم القبة. وتتخصص الشركة في تقليد أعمال فنانين مثل جون بالديساري وبول مكارثي. وتم استبدال أي ألواح تالفة أو إصلاحها، وأقامت «كارلسون» قاعدة جديدة لتدعيم القبة. وعندما تم عرض القبة أخيرا في لوس أنجليس منذ ما يزيد على 30 عاما، تم تصوير فولر وهو يقف بفخر على حافة «القبة». وقال: «بعد وجودي هنا، أدركت فجأة أننا نصنع الكثير جدا بأقل القليل. إن الحلم يتحقق الآن».

* خدمة «نيويورك تايمز»