التقنيات الحديثة تضيف إضاءة أكثر واقعية للأعمال الفنية في المتاحف

750 ألف مصباح «إل إي دي» لإنارة 7500 تحفة فنية بدقة متناهية وحفظها من التلف

متحف «رايكس الجديد» (New Rijksmuseum) في مدينة أمستردام الهولندية
TT

تواجه متاحف الفن معضلة جوهرية تكمن في أن الإنارة العادية تؤثر على اللوحات الفنية المعروضة فيها بشكل سيئ، كما يؤثر ضوء الشمس عليها سلبا أيضا. وتحتاج تلك المتاحف إلى إبراز جمال الأعمال للجميع وللأجيال المقبلة كذلك، لذا تلعب التقنيات الحديثة دورا بارزا في تجاوز هذه المشكلة، ومنها تقنية إنارة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء «إل إي دي» (LED) على وجه التحديد، التي تقدم مزايا تناسب احتياجات المتاحف الفنية، إذ لا ينجم عن هذه التقنية حرارة مؤذية أو أشعة فوق بنفسجية ضارة أو إشعاعات أخرى قد تؤثر سلبا على عمر اللوحات القيمة المعروضة.

ونأخذ على سبيل المثال متحف «رايكس الجديد» (New Rijksmuseum) في مدينة أمستردام الهولندية الذي يستخدم إنارة «إل إي دي» خاصة من شركة «فيليبس»، التي تقدم مرونة بالغة الأهمية في توفير ظروف الإضاءة المختلفة بعد اتفاق مجموعات عالمية من الخبراء والفنيين حول ظروف الإضاءة المناسبة لكل لوحة في المتحف، وما الذي من المفترض على المشاهدين تجربته لدى معاينة كل عمل فني. وصممت الشركة أرففا خاصة للإضاءة بالتعاون مع شركة التصاميم والاستشارات «أروب» (Arup)، حيث عمل خبراء الإضاءة لتقديم المؤثرات والبيئة الضوئية اللازمة لكل عمل فني بشكل منفصل.

* إعادة ضبط الألوان

* من الإنجازات التي أمكن تحقيقها بفضل التقنيات الحديثة ضبط ألوان لوحة «دورية الليل» (The Night Watch) للفنان «رامبرانت» الهولندي، حيث تم تعديل درجات الألوان المسلطة على اللوحة لتحاكي الألوان الحقيقية أكثر من السابق، إذ كانت الإضاءة المستخدمة للإنارة قبل ذلك تعتمد على تقنية مصابيح الهالوجين المتوهج الذي يقدم اللون الأحمر بشكل جميل ودافئ، ولكن على حساب تغيير اللون الأزرق والأخضر قليلا، الأمر الذي يعني تغيير الألوان نحو الأصفر أكثر من المفترض، وعدم عرض مجموعة الألوان الصحيحة المستخدمة في اللوحة، وخصوصا لدى خفض شدة التوهج لحماية اللوحات من التلف. واتخذت إدارة المتحف قرار تعديل درجة اللون المستخدم ليكون أبيض وأكثر حيادية، وبالتالي إزالة سمة اللون الأصفر التي كانت تلازم ألوان تلك اللوحة، ومعروضات المتحف بشكل عام. وهناك 3 درجات رئيسة للون الأبيض تؤثر على اللون النهائي المنعكس عن السطح، هي الدافئ (يؤدي إلى حدوث احمرار عام)، والحيادي، والبارد (يؤدي إلى حدوث ازرقاق عام).

وتقدم تقنيات «إل إي دي» الجديدة المستخدمة في المتحف ميزة إضافية، هي عدم تغير درجة اللون الأبيض لدى خفض شدة الإضاءة، نظرا لآلية عمل التقنية (على خلاف تقنية الهالوجين)، وبالتالي الحصول على ألوان ثابتة بغض النظر عن شدة الإضاءة المختلفة المستخدمة خلال ساعات النهار أو الليل. ويمكن اعتبار الاختلاف في النتيجة النهائية للوحة بين التقنيتين مشابها للاختلاف في مشاهدة الصور وعروض الفيديو بين الدقة العادية والدقة العالية (High Definition).

* مزايا إضافية

* واستخدمت «فيليبس» عدسات خاصة لنشر الإضاءة الناجمة عن مصابيح «إل إي دي» بدرجات دقيقة ومدروسة، كما استخدمت مصابيح خاصة لإزالة أثر الظلال من على اللوحات بسبب إنارة المصابيح الكثيرة المستخدمة، وذلك بغرض تقديم تجربة مشاهدة غنية ومن دون أي أعراض جانبية غير مقصودة. ووظف أكثر من 750 ألف مصباح «إل إي دي» لإنارة 7500 تحفة فنية تغطي ما مساحته 9500 متر مربع للمتحف الذي يبلغ عمره 213 عاما، الأمر الذي يبرز أهمية عرض كل تحفة فنية بألوانها الأصلية وعدم التأثير عليها بالظروف المحيطة بها، حيث قامت إدارة المتحف باختيار شدة وتركيز إضاءة تتناسب مع كل تحفة على حدة.

ويمكن للطاقم الفني في المتحف تغيير شدة الإضاءة من خلال واجهة سهلة الاستخدام تعمل من أي متصفح متصل بشبكة المتحف، ولكل تحفة بشكل منفصل، وذلك من خلال نظام يسمى «داينالايت دالي» (Dynalite DALI). ويمكن استخدام الأجهزة اللوحية (مثل «آيباد») للاتصال بالنظام من خلال شبكات «واي فاي» اللاسلكية، والتحكم به وفقا للحاجة أو الوقت. وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام يأخذ استهلاك المصابيح بعين الاعتبار وفقا لفترة الاستخدام، ويقوم بعمل اللازم لتعديل شدة الإضاءة آليا للحصول على شدة إضاءة ثابتة خلال فترة الاستخدام.

واستخدمت أيضا مصابيح «Luxeon S» لعرض الألوان الدافئة (مثل الأحمر والوردي والأصفر) بدقة ومن دون تغيير درجة الألوان الباردة في الوقت نفسه (الأخضر والأزرق). واستخدمت كذلك مصابيح خاصة تبث الضوء بزوايا دقيقة (أقل من 10 درجات) للحفاظ على تركيز محدد للضوء وخفض مساحة الظل الناجم، وبالتالي زيادة الشعور بتركيبة وبريق اللوحات والقطع الفنية المعروضة. وأضيفت كذلك تقنيات خاصة لمنع حدوث أثر الوهج الناجم عن الإضاءة، الأمر الذي يؤثر بالإيجاب على جودة الإنارة للزوار، واستخدمت مصابيح «إل إي دي» متوافقة مع معايير «جاغا) (معايير قياسية خاصة بشركات صناعة الصمامات الثنائية الباعثة للضوء «إل إي دي»)، الأمر الذي يعني سهولة استبدال وتطوير المصابيح في المستقبل، عند الحاجة إلى ذلك.