أكثر من 45 ألف مخطوطة أثرية نادرة عرضة للتلف وسوء الخزن

دار المخطوطات العراقية حملت اسم صدام ونسيتها الحكومة العراقية ورعتها الدول المانحة

بناية دار المخطوطات العراقية ببغداد من الخارج («الشرق الأوسط»)
TT

وصف الدكتور قيس حسين رشيد، مدير دار المخطوطات العراقية، إحدى أهم دوائر وزارة السياحة والآثار العراقية، حال مخازن الدار المخصصة لأكثر من 45 ألف مخطوطة نادرة ونفيسة بـ«البائس جدا وغير المناسب للخزن» وبشكل يهدد بتلف تلك المخطوطات التي يعود تاريخ بعضها إلى أوائل القرن الأول الهجري.

وتشغل دار المخطوطات العراقية حاليا، وكانت تحمل اسم (دار صدام للمخطوطات)، ثلاث دور تراثية في شارع حيفا وسط جانب الكرخ من بغداد، خصصت للكوادر الإدارية، في حين تم الاستعانة بإحدى قاعات المتحف العراقي بشكل مؤقت ومنذ عام 2008 وحتى الآن لأجل خزن المخطوطات النادرة، بينها الرقع الخطية وزخارف مشاهير الخطاطين والمزخرفين العرب والمسلمين، التي كتبت لخزائن الخلفاء والسلاطين والأمراء وتلك التي دونت بخطوط مؤلفيها، إضافة إلى مخطوطات علوم القرآن وتفاسيره، لكنها تتعرض للتلف يوميا بسبب سوء الخزن والظروف المناخية الصعبة وعدم وجود أجهزة حديثة لصيانتها.

وقال المدير العام لدار المخطوطات لـ«الشرق الأوسط» إن «الدار لا تملك مخازن أو قاعات، أو متحفا يليق بأهمية هذه المخطوطات التي تمثل إرثا مهما، وإننا بانتظار وصول المشفى الخاص والمزود بأحدث الأجهزة الخاصة بصيانة وإنقاذ المخطوطات العراقية خلال الشهرين المقبلين الذي تبرعت به الحكومة الإيطالية، لكنه تعطل بسبب إجراءات جمركية إدارية».

وأضاف: «ناشدنا المسؤولين العراقيين لأجل حماية تلك الثروة النادرة، وذهبت سدى جهودنا لتخصيص قصر الرئاسة في منطقة الرحمانية ببغداد، وهو المكان المناسب لحفظ كل تلك المخطوطات النادرة، إذ قامت الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي بتسليمه إلى دار الحكمة». وحول إمكانية وصول الباحثين والزوار للتعرف على تلك المخطوطات، قال رشيد: «نسعى حاليا بالتعاون مع وزارتي السياحة والثقافة لأجل شراء مشفى جيكي ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية لأجل الشروع في عمليات الصيانة التي يمارسها قسم الترميم والصيانة التابع للدار بواقع 10 - 15 مخطوطا شهريا، لكنها تتم بطريقة وأجهزة بدائية».

وأضاف: «نأمل أيضا، وضمن خطة العام المقبل، إنشاء بناية جديدة وخاصة بالمخطوطات في حدائق المتحف العراقي ذات المساحات المناسبة».

وعن جهود الدار لحيازة المخطوطات العراقية الموجودة بحوزة أفراد أو مدارس دينية، أو التي تتعرض للتهريب، قال رشيد: «رغم وجود قانون لحماية ومتابعة هذه المخطوطات ومعرفة حركتها، لكن قانون الآثار لم يفعل حتى الآن، إضافة إلى قلة كوادر قسم الحيازة في دار المخطوطات المعني بمتابعة حركة المخطوطات، مع العلم أن عدد المخطوطات التي هي في حيازة الأشخاص خارج الدار يبلغ أكثر من 35 ألف مخطوطة».

وأضاف: «دعونا أكثر من مرة، وعبر معنيين ومختصين بالمخطوطات والتراث، إلى ضرورة الإسراع لإنقاذ الإرث المعرفي والكتابي والمدونات من خلال تخصيص مبالغ مالية كافية للمتبرعين بتلك المخطوطات، بشكل يليق بتاريخ وأهمية هذه المخطوطات التي كتب الكثير منها بأيدي أعلام وشخصيات علمية ودينية وتاريخية، وبعضها كتب على جلد الغزال المدبوغ، وكذلك البردي».

من جهته، نبه زين النقشبندي، الباحث في مجال التراث والمخطوطات، إلى «أهمية رعاية الحكومة العراقية للمخطوطات العراقية النادرة باعتبارها وعاء الأمة، وسجلا حافلا، ومحاولة الاستعانة بالتكنولوجيا والأساليب العلمية الحديثة لأرشفتها عبر الإنترنت، ليتمكن الباحث أو المواطن من التعرف على إرث بلده»، مشيرا إلى إن «العراق يحوي نوادر لمخطوطات، لم تذهب أي جهة حكومية للتحقق منها وظلت حبيسة أدراج ومخازن أسر بغدادية أو نجفية».

يذكر أن عمليات النهب والسلب التي طالت المؤسسات الحكومية والتي تزامنت مع الاحتلال الأميركي لبغداد عام 2003، لم تؤثر على موجودات الدار بسبب أن العاملين تمكنوا قبل أيام من الغزو الأميركي للعراق من حفظ جميع المخطوطات بصناديق ووضعها في مكان سري في أحد الملاجئ.

وتحتفظ دار المخطوطات العراقية بعدد كبير من المخطوطات الأثرية، تتضمن مواضيع في المعارف العامة والآداب والفقه والطب والرياضيات والفلك والفنون، وهي نتاج فكري وعلمي وفني لمراحل متعاقبة من التاريخ العربي والإسلامي الذي كان له التأثير المباشر والكبير على الحضارات الإنسانية التي أعقبت الحضارة العربية الإسلامية، مما أدى إلى إغناء الثقافة العالمية، باعتراف الكثير من العلماء والمفكرين والمستشرقين المنصفين؛ أمثال: فون كريمر ونكلسون وفيليب حتى كارل بروكلمان وغيرهم..

تقول المصادر التاريخية إن تدفق المخطوطات وتطورها، ارتبط طرديا مع ازدهار الحضارة العربية الإسلامية، وعانت الركود والتراجع والإهمال في مراحل ضعف وتقهقر هذه الحضارة، فنجدها قد تعرضت للتدمير والعبث إبان غزو المغول بغداد سنة 1258، كما أصيبت ببلاء النهب والسلب والتخريب في فترة الاحتلال الأجنبي والاستعماري، وآخرها الاحتلال الأميركي للعراق في أبريل (نيسان) 2003، الذي كان من نتائجه أن تعرض معظم المؤسسات الثقافية والعلمية والفنية للعبث والنهب والحرق والتدمير.

وتعود الخطوات الأولى لنشوء دار المخطوطات العراقية إلى عام 1940 وعبر شعبة المخطوطات التابعة لدائرة الآثار والتراث، بعد صدور قانون الآثار رقم (59) لسنة (1936)، حيث شرعت الدائرة في اقتناء مخطوطاتها، فكانت بداية المسيرة لجمع المخطوطات، وكان كتاب «معجم البلدان» لياقوت الحموي، المتوفى سنة 1226، هو أول مخطوطة تحتفظ بها الدار والذي حمل الرقم (1) في سجلات الدار، وتصاعدت أعداد المخطوطات في الشعبة.

وبعد صدور قانون الآثار رقم (120) لسنة (1974) المعدل الذي وفر حماية أكبر للمخطوطات بصفتها ثروة وطنية، بدأ الاهتمام الفعلي بالمخطوطات، حيث عملت مؤسسة الآثار على جمع المخطوطات وحمايتها وتنظيم حيازتها وكيفية التصرف فيها، لكونها ثروة وطنية لا يحق التصرف فيها إلا وفق القانون، ورصدت المبالغ المطلوبة لاقتناء المخطوطات، وكانت حصيلة ذلك أن بلغ عدد المخطوطات في القسم (36500) مخطوط، أغنتها خزائن معروفة بمخطوطاتها التي تم اقتناؤها من أصحابها، لكن هناك الكثير من المخطوطات السريانية والعربية والعبرية النادرة تسربت إلى دول الجوار وإلى دول خليجية وإلى إسرائيل.

وفي عام 1988، تم تخصيص ثلاث دور تراثية في قلب العاصمة، جانب الكرخ من بغداد لتكون مقرا لدار المخطوطات العراقية.