مارسيل خليفة يقدم جزءا من «سقوط القمر» في لندن

مركز الباربيكان يستضيفه بعد غياب 4 سنوات

TT

إذا كان هناك مثال للبلاغة والفصاحة الشعرية والنزاهة الإبداعية في الموسيقى بالعالم العربي، فهو المؤلف الموسيقي اللبناني وعازف العود البارع مارسيل خليفة. لقد كان مثار إلهام على مدى أجيال بموسيقاه المتكاملة وكلماته وشخصيته الصوتية باعتباره شخصية ثقافية. مع ذلك، فقد دفعه التزامه الدائم المصلحة الأكبر لجميع البشر إلى مواجهة الجدل دائما. وقبيل حفله المرتقب في مركز «باربيكان» بلندن، تحدثت صحيفة «الشرق الأوسط» مع خليفة من بيروت للوقوف على أعماله العظيمة كموسيقي ومدرس موسيقى وتوقعاته في حفله الذي يقام بالمملكة المتحدة بعد غياب خمس سنوات.

«سنقدم جزءا من عملي الأخير (سقوط القمر) وهو وتر في العود تعذبه النغمات، يبحث عن بياض ليهتدي بلحظة عذبة كالأغنية. وحده الحب في هذا العالم كان يفهمنا، يقيم فينا، ينادينا، يبني عشه تحت حواجبنا، يحمينا من فضول المساء ومن بخار البن في الفنجان. إنه جوع إلى ليل الشهوة والنشوة والجمرة والحسرة ولسعة الريح في المساءات الشتوية».

كما يوضح لنا تاريخه، في نقل ذكرياته ونواياه، نبرة مفعمة بالتأكيد اللفظي. وفي معرض حديثه عن أحدث ألبوماته «سقوط القمر»، يقول إنه يتضمن ويغذي «الحب» الذي يرى أنه كل ما يحركه.

ويشير قائلا: «في الحقيقة، مزجت في أعمالي بين كل ما هو ثوري والحب، فالحب قضيتنا ومشروعنا. الحياة تنبني على الحب، على هذه الكلمة. وعلى العرب أن يحتفوا بالحب الذي اخترعوه منذ ما قبل قيس وليلى، منذ المعلقات التي تفيض حبا؛ ذلك الحب الصارخ والصاخب. ينبغي اليوم أن نعزز هذا الميل، فالثورات والانتفاضات بحاجة ماسة إلى طاقة الحب، وإلى ذلك الاشتعال الذي يؤسس للحضارة».

ولد مارسيل خليفة في بلدة عمشيت لبنان عام 1950. ومع حلول أوائل السبعينات، كان منغمسا بالكامل في عزف وتعليم الموسيقى العربية وأصولها. ويقول وهو يتذكر أول روافد إلهامه الموسيقي:

«في عمشيت، في الكنيسة، نشأت في أعماقي لأول مرة العلاقة مع الموسيقى مع النغم مع الطنين مع الإيقاع. كنت آتي مع أمي للكنيسة وكنت أستمع إلى التراتيل وأنبهر بجمالها وكنت أعود إلى البيت وفي ذاكرتي الكثير من الألحان».

ومع تطوره، اتجهت أعمال خليفة الموسيقية نحو التركيز على التراث الموسيقي والسياسة المحلية، وفي النهاية القومية مع التركيز على القضية الفلسطينية والفوز بأهم الجوائز مثل جائزة فلسطين للموسيقى عام 1999 وحصل على لقب فنان «اليونيسكو» من أجل السلام عام 2005. وتبدى قلقه على القضية الفلسطينية بوعي وبغير وعي مثل عمله المستمر على شعر الراحل العظيم محمود درويش. وبدأت رحلته الموسيقية مع درويش عام 1976 أي قبل سنوات من لقائهما شخصيا.

ويتذكر تسجيله وأداءه لأول أربعة أغان بكلمات من شعر درويش قائلا:

«في صباح باكر من شهر أغسطس (آب) من سنة 1976، دخلت أحد استديوهات باريس الصغيرة، وسجلت (وعود من العاصفة) أولى أغنياتي لقصائد محمود درويش قبل أن أتعرف عليه شخصيا. وكنت أعتقد أن هذه القصائد ملكية عامة، ولا ضرورة لإعلام الشاعر بنية التلحين».

تلك الأغاني الأربع؛ هي: «وعود من العاصفة» و«إلى أمي» و«ريتا» و«جواز سفر». واتخذت حياته ومساره المهني بعد ذلك منحى مختلفا غير متوقع. ويروي قائلا: «اللقاء الأول مع محمود درويش كان بعد عودتي من باريس وكان لقاء حميميا، دخلنا في حديث الموسيقى والشعر، وليس هناك ما هو أكثر بداهة من الكلام عن الموسيقى أو الشعر في حضرة محمود درويش. وهكذا كانت بداية تجربتي مع صبي البروة العاشق».

ولا يخجل خليفة من التعبير عن احترامه العميق المستمر وتقديره لدرويش كشاعر وإنسان. ويقول:

«أحسست أن شعر درويش قد أنزل لي وعلي، فطعم خبز أمه كطعم خبز أمي، كذلك عينا ريتا ووجع يوسفه من طعنة إخوته وجواز سفره يحمل صورتي أنا». وبعد مرور أكثر من 30 عاما، لا يزال إخلاصه للقضية الفلسطينية كما هو وبالقوة نفسها. بعد إقامة حفلات في مختلف أنحاء العالم العربي وتكوين قاعدة جماهيرية قوية في المنطقة، لا يزال هناك مكان يود أن يقيم به حفلاته. يقول خليفة عن هذا المكان: «أتمنى أن تلامس خطاي تراب سيدة الأرض فلسطين، أرض محمود درويش، ناجي العلي، وإدوارد سعيد، أرض المقاومة، أرض الشعب الذي يحب الحياة رغم سنين الاحتلال والقهر. يوم تحرير فلسطين هو اليوم الذي سيلامس فيه صوتي أوراق الزيتون، هو اليوم الذي سأغرد فيه أنا وعصافير الجليل لننادي كل المهجرين واللاجئين حاملين معهم مفتاح القدس».

ويتطلع خليفة حاليا إلى الحفل المقرر إقامته في لندن، ويتذكر آخر حفل له في تلك العاصمة والإهداء الذي سيقدمه به، ويقول: «كان آخر لقاء لي مع جمهوري في لندن منذ أربع سنوات وكان ككل لقاء مع الجالية، حيث أرى في عيون كل واحد ملامح وطنه وجنون شوقه له. ليلتها لن يسقط القمر بل سيضيء ليلتنا التي سيلتحم فيها الشعر بالموسيقى لتنبثق منهما وحدة فنية، أردتها أن تكون تكريما لمحمود درويش الذي سيكون ليلتها بيننا وفينا».

يتطلع خليفة إلى توقيع نسخ من أسطواناته بعد الحفل. ومن المقرر أن يقيم مارسيل خليفة حفل الميادين في مركز «باربيكان» في 29 يونيو (حزيران). وتذاكر الحفل متوافرة على الإنترنت.