45 لوحة فنية مشغولة بالقهوة التركية تحكي قصة «همس الفنجان»

معرض تركية الثبيتي «لو كنا» في جدة حرر الفكرة من القواعد الفنية

إحدى الصور المشاركة في معرض تركية الثبيتي الذي تعثر في المرة الأولى بسبب حريق
TT

في ذات يوم على حين غرة عندما انتهت من ارتشاف آخر قطرة في فنجان قهوتها، وقبل أن تبعد الفنجان لتلتقط فرشاة الرسم لتغمسها في مزيج ألوانها المقترح، قال لها الفنجان بصوت هامس «أنا هنا متكأ زاخر وجمال مغمور، ابحثي في رموزي بتأمل سافر وسينطلق وحيك حيث التماهي مع الصور».

من هنا قررت الفنانة التشكيلية تركية الثبيتي اتخاذ القرار الأكثر جرأة في نقل تلك الصور إلى لوحات فنية أجازت حينها للأوان أن تغيب، وأن يعمل الفكر ليحل محل اللون، وتتسيد الفكرة الموقف ساعية لتحريرها من كل القواعد الفنية التي عرفت منذ المدارس الحديثة.

بدأت الثبيتي تجربتها منذ ما يقارب ثلاثة أعوام إلا قليلا، أخرجت من خلالها 45 لوحة مشغولة بالقهوة التركية تم عرضها في معرضها الأخير المسمى (لو كنا) المقام في جدة في مركز «رد سي»، مبتعدة تماما عن حياض اللون الذي ترى أنه سرق كثيرا من أرواحنا والخروج بخامة مختلفة.

فكرة الثبيتي أطلقت قدميها للأفق البعيد حيث الموت والبعث والقيامة، حيث الإنسان في كل الحياة وكانت قد تعثرت عند العرض الأول في الخروج إلى الناس عندما وقف الحريق سدا هائلا مانعا لحضورها، ولكنه وعدها سرا أن يضيف لها بعدا فلسفيا جديدا يدركه من أمعن في الحدث وما حدث.

كان العمل في بدايته سهلا جدا، على حد قولها، لكن إمكانية منح اللوح الفنية روحا وبقاء كانت بصعوبة خلق كائن يتنفس، وهذا ما جعلها تبقى معها لفترة زمنية ممتدة لعام حتى استطاعت أن تصل لمادة تحفظ لها حق العيش عمرا طويلا. ترى الفنانة تركية الثبيتي أن القهوة التركية متميزة في قدرتها على الحضور والتماهي مع الجمال، إضافة إلى أن هذه التجربة ما زالت تعد بالكثير، لأنها شاسعة المدى واسعة الأرجاء لا يستطيع عقل إنساني واحد التفاعل مع قدرتها العظيمة في رسم الصور والقيام بمهمة الرسل لإيصال رسائلها العظيمة لم يكن اللون قادرا على المد، كما أن القهوة التركية التي كانت تصرف نكهة ورائحة ولذة تختمر في عقل الفنان أثناء العمل تأخذه نحو تلك العوالم الفكرية التي تكف ولا تتوقف.

ونفت وجود معايير محددة في استخدام القهوة في الرسم، فهي ترى أن القهوة لا تؤمن بالقيد، وأنها كانت عنيدة حد التمرد لكن مع حسن الصحبة استطاعت هي والقهوة أن يكونا علاقة جميلة منحتها من خلالها حق إدارة الدفة، وكان التجريب هو الطريق للوصول إلى طرقها الوعرة.

وقالت: «عندما أدرت ظهري للون أردت أن أفعل ذلك مع الفرشاة لكن الفرشاة كانت أقوى بكثير من يدي ومن كل أدوات الرسم، فاستهلكت ما يقارب ثلاثمائة فرشاة، كانتا - الفرشاة والقهوة - تسيران معا في خط متواز كلا منهما تدعي أسبقية الجمال فمنحتهما نياشين، فكلتاهما كانت أوفر».

ورفضت تصنيف استخدام القهوة ضمن الطرق الغريبة، فهي ترى أن كثيرا من الفنانين في كل الدنيا كانوا يعكفون على استخدام كل ما هو خارج عن المألوف في سبيل رصد أفكارهم ومنجزاتهم الإبداعية والقهوة - النسكافيه - استخدمت منذ زمن طويل، لكن القهوة التركية كانت بحاجة لمن ينقل حديثها إلى الناس في مساحة بيضاء، أكبر الفرق في هذه المساحة أنها مسطحة والهدف بقاؤها العمر كله. وبينت أن الفن التشكيلي في العصر الراهن لم يعد ينتمي لأي مدرسة فنية، وأن صوت الفكر والجمال المتأصل في ذات المبدع هو من يتحكم في الفنان مشيرة إلى أن هذا الزمن هو زمن الحرية.

وأشارت إلى أنه عند افتتاح المعرض لمست دهشة كبيرة توقفت أقدامها أمام حديث القهوة التركية وتطويعها لخدمة العقل الذي جنح بها نحو قضايا كثيرة فلسفية؛ وإنسانية؛ واجتماعية؛ لمست تلك الدهشة فيما تركه لها بعض المتأملين من تعليقات كانت مكتوبة أو منطوقة وفيما تركوه لها في سجلها من فيضها، لكن رواج الفكرة سيحكم عليه بعد مرور الحدث.