المباني الأثرية الإسلامية في أوج شريف الباكستانية تتداعى

خطط تجديدها في حاجة إلى تمويل.. والحكومة لا تولي اهتماما بها

TT

يقبع مبنى أثري آيل للسقوط يضم قبر أبي حنيفة، أحد قضاة مدينة أوج القديمة في القرن الرابع عشر، في وسط منازل من الطين في أحياء بخاري بمدينة أوج شريف الحالية. لقد كان الضريح، الذي أصبح اليوم بلا سقف وباتت جدرانه متصدعة، مثالا رائعا للعمارة الإسلامية القديمة. بحسب الروايات الشعبية المحلية، عمل أبو حنيفة قاضيا لمدينة أوج في القرن الرابع عشر.

وتشير وزارة الآثار الباكستانية إلى أن ابن بطوطة (الرحالة المغربي الشهير في القرن الرابع عشر) التقى به حينما زار أوج شريف وذكر اسمه في كتابه عن رحلاته. وجدران المبنى مزدانة ببلاطات زرقاء مصقولة وفسيفسائية، تبدو سليمة لم يلحق بها أي أذى. ويقول مسؤولو وزارة الآثار إنه قد تمت إزالة أشغال الخشب التي اعتادت أن تزين السقف بالكامل، على الرغم من أن جزءا صغيرا من الخشب ما زال ظاهرا من الجدران المتداعية. وذكر سكان محليون من المنطقة أنهم دائما ما رأوا هذا المبنى الأثري في الحالة المتصدعة نفسها.

وفي ثمانينات القرن العشرين، غطت وزارة الآثار الفيدرالية الثقوب في الأجزاء العلوية من الجدران بقطع من القرميد والجص الإسمنتي، بحيث يمكن الحيلولة دون اختراق مياه الأمطار الأساسات بشكل عميق. وفي الآونة الأخيرة شيدت وزارة الآثار الفيدرالية منصة من القرميد قريبة من الجدران الخارجية للضريح، بحيث لا تدمر حركة مرور القاطرات اليومية الجدران الخارجية للضريح. ويوضح مسؤول بوزارة الآثار لصحيفة «الشرق الأوسط» أن لديهم خططا لتجديد الأشغال الخشبية في سقف الضريح، ولكنهم في حاجة إلى تمويل غير متوفر لديهم في الوقت الراهن.

على مدى فترة طويلة، قبل وقت مديد من قيام باكستان، ظلت مدينة أوج القديمة منطقة جذب سياحي بمواقعها الأثرية. ويشير مسؤولو وزارة السياحة إلى أن الهجمات الانتحارية على المزارات في الأجزاء الأخرى من الدولة قلصت أعداد السائحين بشكل هائل، غير أن زائري الأماكن المقدسة ما زالوا يفدون إلى المدينة بأعداد ضخمة.

إلا أن موقع دفن أبي حنيفة المنعزل لم يجذب أي سياح دينيين، حيث إنه حتى في أعين المزارعين المحليين لم يحظَ بقيمة دينية كبيرة، وهو محاط من الجوانب الثلاثة بمنازل متداعية. وقد شغلت المنزل الواقع جهة الأمام مؤخرا أسرة بناء على أوامر من محكمة المنطقة، لكن الآن أقامت البلدية مقلب قمامة على قطعة الأرض التي تم إخلاؤها. وقد رفضت الأسرة التي تشغل المنزل في الساحة الخلفية، التي كانت من قبل جزءا من الضريح، إخلاءه على الرغم من تلقي أوامر قضائية من المحكمة.

وتوجد مبانٍ تاريخية أخرى في أوج شريف، تمثل عظمة ماضي المدينة، لكن لم تعد مؤسسات الدولة تولي اهتماما لها، نظرا لأنها ليست لها قيمة دينية أو لها قيمة محدودة.

ويعتبر المقران المتاخمان، مقر «بيبي جيواندي»، وهو مدفن سيدة تقية من القرن الخامس عشر، و«باهاوال حليم»، عالم الدين والأستاذ بإحدى المدارس المحلية في أوج بالقرن الخامس عشر، مثالا كلاسيكيا على هذه الحالة. يبدو أن السكان المحليين قد هجروا الضريحين لأنه يبدو أنهما قد فقدا قيمتهما الدينية بالنسبة لهم بمرور الوقت. ويفسر هذا جزئيا الحالة المزرية التي تبدو عليها تلك الأضرحة وعدم مبالاة الحكومة بها.

إلا أن ذلك لم يمنع أن يصبح «بيبي جيواندي» استعارة ثقافية في الشعر المحلي تصور التراجع الاقتصادي للمنطقة والتجاهل الذي يواجهه إرثها الثقافي على أيدي الحكومة الباكستانية. ويعتبر نصر الله خان نصير، رئيس كلية الفنون والتصميم (التي تعتبر جزءا من جامعة باهاوالبور الإسلامية)، هو أول من استخدم «بيبي جيواندي» كاستعارة في شعره باللغة السيركية لوصف الحالة المتصدعة التي تبدو عليها الآثار التاريخية بأوج شريف، «كانت أوج أهم مركز معرفة إسلامية في الأزمنة القديمة... وليست الحكومة مستعدة لإنفاق مليم واحد على الحفاظ على التفاصيل المعمارية المنتشرة بمختلف أنحاء المدينة أو حتى تسجيلها»، حسبما ذكر الدكتور ناصر. واستطرد قائلا: «اذهب إلى أية منافسة لإلقاء الشعر هنا وسوف تجد شعراء سيركي يعكسون إحساس الخسارة نفسها في شعرهم».

أنشئ «بيبي جيواندي»، الواقع في بداية جزء بخاري من مدينة أوج، في عام 1494 على يد محمد دلشاد، حاكم خراسان. وقد لحق الدمار بنصفه في عام 1817 جراء الفيضانات، وهي سيدة ورعة وحفيدة سيد جلال الدين بخاري، أكثر الشخصيات الدينية الموقرة في أوج شريف. وفي الفترة من عام 1988 حتى 1990، قامت وزارة الآثار الفيدرالية بقدر من العمل في هذا الصدد، مثل تعزيز أساس النصف السفلي من الجدران المتبقية. وعلى الرغم من ذلك فإن العمل كان يهدف بالأساس إلى ضمان عدم انهيار الهيكل المتبقي. ويقول خبراء محليون إن وزارة الآثار قد ارتكبت الخطأ نفسه، الشائع في المباني المتصدعة بأنحاء أوج شريف، المتمثل في استخدام كتل من القرميد أكبر حجما يتم إنتاجها في أفران عادية وتستخدم في بناء المنازل بأنحاء باكستان، بدلا من كتل القرميد الأصغر حجما البالية، التي استخدمت بالأساس في بناء المبنى الأثري. لقد تدمر أكثر من نصف المبنى بالكامل. ولا يوجد سقف له. ما زال هناك فقط حائطان لهما هيكل ثماني الأضلاع.، وقد تمكنت منظمة غير حكومية كائنة في لاهور وبتمويل من الحكومة الأميركية من حماية الجدران المتبقية من الانهيار بمساعدة إطار فولاذي يمكن رؤيته على طول الجدران ويدعمه. ما زال الجزء الخارجي من الجدران المتبقية مزدانا بشكل بديع ببلاطات فسيفسائية زرقاء، إلا أن المبنى من الداخل يعتبر محطما تماما.

وعلى الرغم من كل الدمار الذي لحق بالمبنى، فقد اعتاد أن يجذب الزائرين من مختلف أنحاء العالم حتى وقت قريب عندما أدت زيادة القتال والهجمات على المقار الدينية إلى وقف تدفق الزائرين إلى أوج شريف.

وهناك مبنى آخر يعود إلى القرن الخامس عشر، يقع على بعد بضع ياردات من «بيبي جيواندي»، هو مدفن «باهاوال حليم». وقد قيل إنه عمل معلما بإحدى المدارس المحلية في مدينة أوج بالقرن الخامس عشر.

ما زال يقف جزء واحد فقط مما كان بالأصل مبنيا ثماني الأضلاع. وتسبب الفيضان في تدمير المبنى. ومن المثير للعجب أنه على الرغم من حقيقة أن الفيضان قد دمر ما يربو على نصف المبنى، فإن بلاطاته الفسيفسائية الزرقاء ليست سليمة كما هي فحسب، بل تمثل أيضا مشهدا رائعا بالنسبة للمارة. يوضح مهندس بوزارة الآثار أن البلاطات تعتبر في واقع الأمر رفاتا من القرن الخامس عشر ولم تتم الاستعاضة عنها مطلقا بأخرى.