الاحتفال بالذكرى 160 لتشغيل أول مصعد في العالم

الأميركي أوتيس نفذ فكرة دارت في رؤوس المصريين القدماء

أحد مصاعد برج إيفل
TT

منذ غزت الرفاهية الصناعية حياتنا المعاصرة ونحن نمر بالكثير من ثمارها مرور الكرام، مع أن كل إنجاز منها يستحق وقفة وتحية، من أجهزة التدفئة والتبريد إلى الغسالة الكهربائية وفرن المايكروويف والهواتف النقالة، وصولا إلى الطائرات العملاقة ومعجزة الإنترنت، مرورا بالمصابيح وأقلام الحبر الناشف والمصاعد الكهربائية. إن هناك من يحتفل، من دون ضجيج، بالذكرى 160 لاستخدام أول مصعد في العالم. ويشارك الفرنسيون في إحياء المناسبة لأن لهم قرصا في عرسها.

هل يمكن أن نتخيل حياتنا في المباني الضخمة والأبراج السكنية من دون مصعد؟ كانت أول تجربة لغرفة يمكن لها أن تنقل أشخاصا إلى طوابق عليا قد جرت في نيويورك، المدينة التي سمح لها هذا الاختراع بأن تتحول إلى غابة لناطحات السحاب في العالم. ففي نهار من عام 1853. دعا المخترع أليشا غريفر أوتيس وجهاء المدينة وأرباب الصناعة فيها إلى فرجة مثيرة. واختار الداعي مكانا ذا سقف شديد الارتفاع هو صالة «كريستال بلاس». لقد نصب عمودين من الخشب والحديد يفصل بينهما متران، وربط إليهما قاعدة تتسع لحمل أشخاص قلائل. ثم وقف فوق القاعدة وهي مستقرة على الأرض ووضع إلى جانبه بعض الحقائب والأحمال ثم أشار إلى مساعديه فراحت القاعدة ترتفع ببطء وسط ذهول المتفرجين. ولما وصلت القاعدة المكشوفة إلى ارتفاع زاد على المترين، رفع أوتيس قبعته لتحية الجمهور الذي كان يصفق له ويهلل! فيما بعد، صار اسم أوتيس مرادفا لأشهر شركة للمصاعد في الولايات المتحدة والبلاد الصناعية. وما زالت المصاعد التي تنتجها هذه الشركة مطلوبة في العمارات والفنادق الكبرى. لكن الوقائع التاريخية تدل على أنه لم يكن أول من داعبت فكرة المصاعد خياله. لقد سبقه إليها المصريون القدماء الذين توصلوا إلى نظام للرفع يقوم على الاستعانة بأكياس الرمل. أما الرومان فقد أوجدوا طريقتهم الخاصة لرفع الأحمال إلى هضبة «الكوليزيه» بواسطة نظام من الحبال الصاعدة والنازلة. كما يمكن اعتبار الكرسي المتحرك الذي اخترعه البابا ليون العاشر لتقليل جهد الإنسان، نوعا من أنواع المصاعد الأولى.

مع هذا، لا بد من الاعتراف بفضل الأميركي أوتيس لأنه كان أول من لجأ إلى قوة البخار لتحريك مصعده. كما أنه دعا إلى أن يكون الاختراع الجديد وسيلة إلى رفع الأشخاص من مرتبة إلى أخرى أعلى منها، وليس لحمل البضائع فحسب. وطيلة القرن السادس عشر الميلادي لم تتوقف المحاولات لحل معضلة رفع الأثقال، وهي قد طرحت أولى ثمارها في القرن التاسع عشر، إذ جاء بعد أوتيس أميركي آخر هو طومسون الذي تمكن من اختراع أول مصعد يعمل بطاقة تحريك المياه «الطاقة الهيدروليكية». وهنا، لا بد من الإشارة إلى خفة الدم لدى السودانيين الذين أطلقوا نكتة تقول إن الكسل الأسطوري للأميركيين يقف وراء نبوغهم في كل الاختراعات الهادفة إلى إراحة الإنسان من بذل أي مجهود.

ثم راحت الأمور تتطور وتتحسن بسرعة مذهلة. وراح الناس يتساءلون: «ما الارتفاع الذي سيعجز الإنسان عن بلوغه؟» وهذه جملة شهيرة أطلقها الفرنسي فوكيه وذهبت مثلا في الأمثال. وفي عام 1877. بعد نجاح المصعد، توصل رجل يدعى كويب إلى استثمار الفكرة ذاتها لاختراع «المنزل» أو «المهبط». واستطاع أن يجعل من كابينة تزن 234 كيلوغراما، تهبط في أعماق الأرض.

بعد ذلك بثلاث سنوات. ظهر أول مصعد كهربائي في الولايات المتحدة. وخلال ذلك تمكن الفرنسي إيدو من تشغيل أول مصعد هيدروليكي في أحد قصور باريس. وكالعادة، سخر الأميركيون من «تخلف» الأوروبيين وتأخرهم في اللحاق بركب العلوم. وفي عام 1882. دفع الأميركي هارت بالفكرة إلى حيز الاستخدام الحديث عندما وضع أول مصعد دائم التشغيل. أي أنه يستمر في الصعود والهبوط طيلة أوقات النهار والليل تبعا لاحتياجات البشر. وكانت تلك أهم خطوة للبدء بتشييد عمارات السكن ذات الطوابق الشاهقة.

من المصاعد التي يفتخر بها الفرنسيون، تلك الكابينات الواسعة التي تتسع لعشرات الأشخاص والتي نصبها الألماني شندلر على السيقان الأربع لبرج «إيفل» في باريس. وهكذا صار في إمكان السياح وعشاق الفرجة على المدن من المرتفعات أن يصعدوا البرج من دون أن تتعطل ركبهم إرهاقا.

وفي السنوات الأخيرة، وبعد المصاعد الظاهرة على واجهات الفنادق، تلك المصنوعة من مواد شفافة تتيح لمستخدمها أن يتفرج على ما حوله، ظهرت مصاعد زجاجية ستة في المبنى المميز الذي صممه المهندس جان نوفيل لمعهد العالم العربي في باريس. إنها مصاعد يمكن من خلالها مشاهدة طوابق المعهد التسعة ذات البناء الهيكلي الشفاف الذي تتداخل فيه الأعمدة الحديدية بالواجهات الزجاجية.

لكن الصناعيين وأهل الابتكار، في تلك السنوات الأولى، لم يعودوا يسألون كيف ترفع الإنسان، بل إلى أي طابق؟ ففي عام 1906 كان مصعد عمارة «سنجر» في نيويورك يرتفع إلى 184 مترا. وفي عام 1972 وصل الأمر إلى 609 أمتار في عمارة «سبايس تاور» في لوس أنجليس. ثم تطور الأمر إلى أبعد من ذلك، بحيث صارت القضية الجديدة هي السرعة مع تجنيب الركاب الشعور بالدوخة أو تخلخل الضغط. وما مصاعد برج خليفة في دبي، مثلا، سوى نموذج لما يمكن أن يصل إليه زواج العلم بالمخيلة.