الوحش الأسطوري يسود والأغاني تتبدد

«كينغ كونغ» من السينما إلى المسرح

خلال تحضير «كينغ كونغ» على المسرح
TT

هناك سبب واحد قد يدفع المشاهد لحضور مسرحية «كينغ كونغ» التي تم افتتاحها في الـ16 من هذا الشهر في لندن، لكنه سبب قوي؛ كينغ كونغ نفسه.

الحكاية التي ساقها فيلم بهذا الاسم سنة 1933 من إنتاج وإخراج مريان س. كوبر وإرنست شوويدساك عن سيناريو لجيمس أشمور وروث روز، تم تأليفها كمسرحية غنائية وإنتاجها كعمل ضخم، ثم تصميمها كما لم يسبق لمسرحية ما أن صُمّمت. بطلها الأول هو الوحش ذاته، الذي تم صنعه بثقل طن كامل، مربوطة أطرافه بخيوط الماريونيت يحركها عشرة أشخاص موزّعين بدقة. ها هو كينغ كونغ يتحرك أمامك بطول ستة أمتار. تفكر في ذلك المشهد من الفيلم عندما يكسر الوحش قيوده ويهاجم النظارة الذين يهبون من مقاعدهم ويركضون إلى أبواب الخروج. بعضهم يصل والبعض الآخر يسقط مدهوسا.. تتساءل إذا ما كان هذا سيحدث بعد قليل خلال العرض.

لكنه لا يحدث بالطبع. الاختلاف بين المسرح والسينما في هذه الناحية يقيد الأول ويمنح الفن الثاني حرية أوسع. لكن في حدود الحرية التقنية والفنية المتاحة على خشبة المسرح، فإن ما هو معروض مذهل. تحديدا تصميم الوحش وتحريكه مذهل. أما ما تبقى من مشاهد وشخصيات، وفوقها ذلك التوزيع الموسيقي والغنائي، فإنه يمر من دون أن يترك الأثر الموازي. بكلمات أخرى، تنتعش المسرحية بوجود الغوريللا الضخمة فوقها، وتنضوي حين يذهب، ويحاول الممثلون البشر أخذ فرصهم لإبقاء الوتيرة عالية ويخفقون.

قام بالإنتاج دانيال كرامر الذي صمم العمل ليكون إحدى محطات الحياة المسرحية لسنوات كثيرة مقبلة على أن ينتقل به في أكثر من عاصمة (سيدني، نيويورك، ملبورن، وربما باريس وتورونتو) مستفيدا من حقيقة أن كينغ كونغ اسم معروف بفضل ثلاثة أفلام متتابعة، أولها ذاك الذي ظهر في مطلع الثلاثينات، وثانيها عبر إعادة صنع في السبعينات (الفيلم الذي اكتشف الممثلة جسيكا لانغ)، ثم نسخة المخرج بيتر جاكسون سنة 2005. لذلك فإن الأجيال المتعاقبة تعرفت على ذلك الوحش الذي يعيش في عصر ما قبل التاريخ، والذي تقع الشقراء الجميلة في قبضته فيرفض التخلي عنها لولا أن رفاقها في تلك الرحلة استطاعوا ليس إنقاذها فقط، بل شحنه إلى نيويورك حيث يتم تقديمه على خشبة أحد المسارح قبل أن يفلت من عقاله، وينطلق في الشوارع مدمرا ثم يختطف معشوقته ويصعد بها ناطحة الـ«إمباير ستايت» حيث يحارب من أجلها في معركة حياة أو موت.

ليس في المسرحية «إمباير ستايت» لكن باقي الحكاية منقولة بالكامل تقريبا. المشكلة هي أنه عندما يغيب الوحش عن المسرح تتحول الدراما إلى أغانٍ واستعراضات لا تحقق إلا نذرا من الإثارة التي يعيشها المشاهد حين ظهور الوحش.

بعد مقدمة غنائية تبدو كما لو أنها منقولة عن مسرحية أخرى، أو ربما أكثر، هناك تلك اللحظة التي يتقاتل فيها الوحش مع ثعبان كبير من حجمه. يتلاحمان؛ الأول مدافعا عن الشقراء، والثاني يود التهامها. ليس أن فن المسرح لم يشهد سابقا وحشين بهذه الضخامة يتصارعان على خشبة المسرح فقط، بل لم تحاول مسرحية قط المراهنة على إمكانية نجاح مثل هذه المغامرة التي تتطلب قدرا من الدقة التقنية لتحريك هذا الحجم والثقل من الأشكال من دون خطأ، بل بإقناع.

المسألة ليست كناية عن إخفاق في الكتابة الموسيقية وكلمات الأغاني، ولا حتى كيف تم تأديتها، بل في أنها فجأة ما تبدو كما لو أنها غير ذات أهمية مباشرة منذ أن يظهر كينغ كونغ ولما بعد ذلك. ثم مع اختلاف أساليب العرض وموسيقى كل منها، يشعر المرء بأن المسرحية تتبدد تحت وطأة البحث عما هو مناسب لموضوع كهذا. أمر لم يكن مطلقا مطروحا على شاشة أي من الأفلام الثلاثة التي أقدمت على التعامل مع هذه الحكاية الخيالية، نظرا لأن كل ما كان مطلوبا منها هو أن تقدم عرضا مخيفا ودراما من المواقف العاطفية بين الشخصيات المتباينة. الموسيقى كانت مؤثرات مصاحبة لبعض المشاهد ولم يكن مطلوبا منها لعب دور درامي. على المسرح فإن ذلك يصبح لزاما لها لا تستطيع تحقيقه. كذلك فإن الأفلام الثلاثة كانت انتقادية حيال جشع الإنسان المدني ومحاولته جني الأرباح باقتلاع الحياة البيئية التي تعود إلى ما قبل التاريخ ونقلها إلى المدينة المعاصرة. المسرحية لا تدخل في هذا النطاق وتركيزها الوحيد هو عن حب من طرف واحد - في البداية، وهو طرف الغوريلا - ثم من الطرف الثاني عندما تدرك بطلة المسرحية آن أنها محبوبة.

على المنصة يتحرك كل شيء، صورة وصوتا، كأفضل ما يمكن لتقنيات الديجيتال الخاصة توفيره هذه الأيام، خصوصا في ميدان المسرحيات الاستعراضية الكبيرة. ومع أن التمثيل جيد في مواصفاته العامة، فإنه ينتمي في نهاية الأمر إلى الهامش المساند، لأن كينغ كونغ يبقى النجم الحقيقي في العمل بأسره.