مهرجان «كناوة» في الصويرة.. كثير من الموسيقى و«أمواج بشرية» في «مدينة الرياح»

يبرز الجذور الأفريقية للمغرب

كرست الدورة الـ16 من «مهرجان كناوة وموسيقى العالم» اختيار الافتخار الأبدي بالجذور الأفريقية لبلد (المغرب) ومدينة (الصويرة) ولون موسيقي (كناوة).. (تصوير: كريم وصابر)
TT

دورة بعد أخرى، يتقوى الاقتناع لدى متتبعي «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، الذي تحتضنه مدينة الصويرة المغربية منذ سنة 1998، بأن هذه التظاهرة الفنية استطاعت أن تتأكد وأن تتكرس كموعد سنوي ببعد عالمي، بعد أن انطلقت كخيار استراتيجي يروم تطوير المدينة عبر الثقافة.

وكرست الدورة الـ16 اختيار الافتخار الأبدي بالجذور الأفريقية لبلد (المغرب) ومدينة (الصويرة) ولون موسيقي (كناوة)، لذلك قدم المهرجان فنانين طبعوا ببصمتهم موسيقى تشرب من معين الثقافة الأفريقية الذي لا ينضب، وهنا شكل الجاز جزءا لا يتجزأ من التظاهرة، حيث حمل كل من عمر سوزا وويل كالون وماسيو باركر وريتشارد بونا محبي هذا النوع الموسيقي إلى عالم ساحر من الأنغام الأفروأميركية، التي تحتفي بتلاقح الثقافات وعكست بشكل جميل روح المهرجان.

وليست سهرات المهرجان الموسيقية وحدها ما ميز برنامج التظاهرة. فقد كان هناك برنامج ثقافي ينفتح على الاجتماعي والسياسي من خلال دورة ثانية من المنتدى، الذي تناول موضوع «حركية المجتمعات.. شباب العالم»، بمشاركة رجال اقتصاد وسياسة وثقافة وعلماء اجتماع وفاعلين جمعويين. كما عرفت الدورة إقامة «شجرة الكلمات»، التي هدفت إلى التعريف بالتقاليد «الكناوية»، وإبراز المواهب الجديدة في هذه الموسيقى، فضلا عن برمجة عروض في الفنون التشكيلية والفوتوغرافية بعدد من أورقة العرض بالمدينة.

أغلب زوار المهرجان هم من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة، وفي أغلب الأحيان بضفائر طويلة وحقائب صغيرة، كما لو أنها بيوت متنقلة، يضعونها على ظهورهم، معطين الانطباع، وهم يذرعون الأزقة والساحات، كما لو أنهم في رحلة لا تنتهي للبحث عن شيء ما في مكان ما.

أصحاب المقاهي والمطاعم يعطون زوار المدينة، المتحلقين حول كؤوس الشاي ووجبات الأكل، انطباعا بأنهم يتمنون لو أن أيام السنة كلها مهرجان. يتفق زوار وعشاق الصويرة، من المغاربة والأجانب، على أن المدينة هي أرض التاريخ والرياح والنوارس والموسيقى.

والجميل في مهرجان «كناوة» أن قيمته، كما يقول أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي والرئيس المؤسس لجمعية الصويرة موكادور، لا تنحصر في تنشيط أو مشاهدة حفل فني، بل أن تصير الثقافة طريقة حياة ورافعة لتنمية تلامس مختلف مجالات عيش السكان.

ويرى أزولاي أن «الصويرة اليوم هي عنوان للمغرب المنفتح الذي يتقدم من دون عقد. المغرب المتجذر في هويته وقيمه، مع وفاء كبير للذاكرة، من دون خوف أو تخوف من الذهاب نحو الآخر والانفتاح على كل أنواع الموسيقى والثقافات والديانات والأعراق».

أما أهل الصويرة الطيبون فغيروا، للسنة السادسة عشرة على التوالي وفي نفس التوقيت تقريبا، عادة التوجه مساء نحو شاطئ المدينة ليتأملوا زرقة البحر ومشهد غروب الشمس، بينما أبصارهم تحدق في ظلمات المحيط، كما لو أنهم يستعيدون حكاية السلطان العلوي، سيدي محمد بن عبد الله، الذي رسم مدينتهم، قبل نحو ثلاثة قرون، متجهة نحو البحر والغرب، لكن بأسوار وأبواب متجذرة في يابسة المغرب وتربة أفريقيا، ليختلطوا بزوار المدينة وجمهور المهرجان، متقاسمين معهم لحظات الاستمتاع بموسيقى أصيلة وروحانية، تذكر بالعمق الأفريقي للمدينة والبلد.