المنطقة المركزية.. وجه الدمام الجديد لاستعادة الهوية الخليجية

بازاراتها وأسواقها تعج بما لا يعد ويحصى من بضائع جلبت من مختلف دول العالم

TT

يراد لها أن تكون وجه الدمام، وأن تكون الجسر الذي تستعاد عبره هوية المنطقة الثقافية العمرانية، لذلك تبذل أمانة المنطقة الشرقية جهدها لإنجاح هذا النموذج وتعميمه على باقي مدن المنطقة، إنها المنطقة المركزية في الدمام، قلب المدينة، ووجها الذي بدأ يكتسي ملمحا خليجيا، تتشابه فيه مع مثيلاتها من المدن الخليجية.

ينتصب على مباني المنطقة المركزية الجديدة، والجديدة نسبيا، أبراج سحب الهواء التي تعرف بها بعض المدن الخليجية (المدن الإماراتية على وجه الدقة أبوظبي ودبي)، والسبب أنه لا يوجد هوية عمرانية للدمام تحديدا.

يعرف وسط المنطقة المركزية للدمام باسم «سيكو»، وذلك نتيجة للوحة إعلانية ضخمة تم نصبها على أحد مباني الحي لماركة الساعات العالمية الشهيرة «سيكو»، لا أحد يتوه عن هذا المكان في الدمام فالكل يعرفه، كما يعتبر ملتقى العمال من مختلف الجنسيات يوم الجمعة، بالإضافة إلى أنه يضم موقفا رئيسا للركاب فمنه تنطلق سيارات الأجرة لمختلف أحياء الدمام ولباقي مدن المنطقة الشرقية ومدن المملكة.

على مقربة من تقاطع شارع الملك سعود مع شارع الخزان أقيمت أشهر وأقدم حديقة في الدمام «حديقة الملك سعود» التي كانت تحتضن عروض سينما الهواء الطلق في فترة السبعينات الميلادية وما قبلها، حيث تعد هذه الحديقة من أهم المتنزهات في المنطقة الشرقية في الفترة الماضية، إلا أن أمانة مدينة الدمام أزالتها، وأقيم بدلا منها مطعم للوجبات السريعة ومبنى لدعوة وتوعية الجاليات، كما تم توسيع موقف سيارات الأجرة.

هذا المكان الذي يراد له جسر الهوة بين الماضي والحاضر كان له حضور أدبي في ثلاثية الأديب السعودي الدكتور تركي الحمد، حيث ذكر بعض شوارع هذه المنطقة والمناطق المحيطة بها في ثلاثيته الشهيرة «العدامة والشميسي والكراديب».

يقول المهندس فهد الجبير أمين المنطقة الشرقية إن مشروع تطوير المنطقة المركزية في وسط الدمام يهدف إلى إيجاد هوية عمرانية وثقافية وسياحية تعكس تاريخ المدينة وأصالتها بأسلوب حضاري حديث. ويضيف: «الأسواق الشعبية ذات القيمة الاقتصادية وتأهيل الحرف الشعبية وإحياء الذاكرة العمرانية ستعيد للمنطقة هويتها».

تضم المنطقة المركزية أربعة أحياء هي حي الدواسر أحد أقدم الأحياء في مدينة الدمام، وحي السوق وحي العمامرة وهي الأقرب إلى حي الدواسر من حيث الأقدمية، وحي الربيع، وفرض على هذه الأحياء نظام المنطقة المركزية والذي يقضي بأن تكون جميع المباني فيها ذات طابع تراثي.

المشروع الذي بدأ قبل نحو 10 سنوات عبر عدة مراحل كان أولها إعادة البنية التحتية للمنطقة المركزية، وإطلاق مشروع تحسين الواجهات الذي تم فرضه على المباني القائمة وإلزام ملاك العقارات بالنمط المعماري المخصص للمنطقة عند بناء عقارات جديدة، ومن خلال مشروع استعادة الهوية والثقافة العمرانية للمنطقة حصلت مدينة الدمام على جائزة التراث العمراني من منظمة المدن العربية في العاصمة القطرية الدوحة في مايو (أيار) الماضي.

ومن أبرز أسواق المنطقة المركزية التي تمثل بازارا مفتوحا حيث تختلط الأسواق لقربها من بعضها، سوق الحب، وسوق الكويت (يعاد تشييده على الطابع العمراني الجديد) وسوق عيال ناصر، وسوق مكة، وتضم المنطقة المركزية نحو 5000 محل ومكتب تجاري، وتشكل أكبر تجمع للنشاط التجاري والاقتصادي في مدينة الدمام.

يقول المهندس مازن بخرجي رئيس بلدية وسط الدمام: «كان التركيز على نشر الهوية العمرانية للمنطقة وأن يكون ملاك العقارات شركاء للأمانة في المشروع».

بعد إنجاز أمانة المنطقة الشرقية للمرحلة الأولى من مشروع المنطقة المركزية لاستعادة الهوية العمرانية للمنطقة أعلنت عن إنشاء مركز للتراث العمراني سيعمل على تقييم المشاريع التي تم تنفيذها تحت عنوان «استعادة الهوية الثقافية العمرانية»، لوضع استراتيجية للتعامل مع المناطق المركزية في مختلف مدن المنطقة الشرقية.

ويصف المهندس بخرجي ضخامة الجهد الذي تم بذله بأن الأمانة لم تكن تعمل على الحفاظ على نمط معماري موجود بل استعادة نمط مفقود بسبب الطفرات الاقتصادية والنمو الذي شهدته المنطقة على مدى أكثر من 30 سنة مضت.

ويضيف: «واجهت الأمانة في هذا المشروع صعوبات كثيرة خصوصا مع ملاك العقارات وأغلبهم من الورثة أو من خارج المنطقة، لذلك بدأت الأمانة بالعمل في الشوارع الرئيسة للمنطقة المركزية وتم تحديد 150 مبنى لتكون ذات طابع تراثي، تم إنجاز نحو 75 منها حتى الآن».

تضم المنطقة المركزية ساحتين رئيستين هما ساحة الملك سعود وساحة الأندلس وتم تصميم الساحتين على النمط التراثي. ويوضح بخرجي أن هناك شراكة مع الهيئة العامة للسياحة والآثار لإثراء المنطقة المركزية بالفعاليات والبرامج التراثية خلال الفترة القريبة المقبلة.

وتعد المنطقة المركزية بالإضافة إلى مكانتها كوجه جديد قديم لمدينة الدمام مقياسا حقيقيا لأسعار البضائع أيا كان نوعها، فأسواقها المختلفة تعج بما لا يعد ولا يحصى من البضائع المختلفة التي جلبت إلى المنطقة من مختلف دول العالم، فمن سوق البهارات والحبوب إلى سوق الأقمشة، سواء الرجالية أو النسائية، ومن سوق الموضة الفاخرة، إلى سوق الإلكترونيات المختلفة، ومن سوق العطور والبخور والأعشاب والطب الشعبي التي تنتشر في أحد شوارع السوق، إلى سوق الجملة لأدوات التجميل بجوار مسجد الملك فهد. ومن أسواق الجملة للمواد الغذائية إلى أسواق الأحذية والملابس الرياضية، ومن أسواق المفرق وسوق الساعات التي تباع بأسعار خيالية، سواء من ناحية رخص الثمن أو من ناحية غلائه، إذا كانت من الماركات الشهيرة، إلى أسواق الذهب، ومن أسواق المشالح الحساوية التي لها محبوها وعشاقها، إلى أسواق فساتين السهرات واللانجري، كل ذلك في موقع واحد، حيث يعج هذا المكان بخليط من الألوان والروائح والتقنية والموضة، والأسعار هنا هي المقياس، فهذا المكان يعد البورصة الحقيقية لكل أسواق المنطقة الشرقية.