الفنانون السوريون يهاجرون والدراما هي الخاسر الأكبر

شركات إنتاج تهاجر وتنتج مسلسلاتها السورية خارج البلاد

مشهد من المسلسل التاريخي «القعقاع» الذي صور في مدينة تدمر السورية قبل سنتين
TT

مع بداية الأحداث السورية الدامية ومعمعة الحرب القاسية الدائرة في سوريا آثر الكثير من الفنانين والمخرجين والمنتجين السوريين السفر خارج البلاد حرصا على حياتهم ومنهم من غادر لأسباب تتعلق بموقفه الشخصي فيما غادر آخرون لفترات زمنية وعادوا وبعضهم استقر بشكل مؤقت في الدول التي سافر إليها. وجهة السفر للكثيرين تنوعت ما بين لبنان ومصر ودبي، ويؤكد الكثير من المتابعين للشأن الفني السوري أن الخاسر الأكبر من هجرة ومغادرة الفنانين السوريين هي الدراما السورية التي شهدت نهضة كبيرة في السنوات العشرين الماضية، والطامة الكبرى كما يرى هؤلاء حصلت في الموسم الفني الحالي مع هجرة شركات إنتاج فنية خارج البلاد وليس الفنانين فقط وقيام هذه الشركات بتصوير وتنفيذ مسلسلات كثيرة خارج سوريا مما انعكس سلبا على صناعة الدراما التلفزيونية داخل البلاد حيث ينظر إلى الدراما السورية على أنها واحدة من أهم روافد الدخل الوطني وأنها تساهم في تشغيل آلاف الشباب السوري كما أنها تساهم في الحركة الثقافية والسياحية للبلاد.

وبينما يتحسر بعض المتابعين على حال الدراما السورية حاليا يرى آخرون أن الدراما مثلها مثل أي نشاط ثقافي واقتصادي في البلد ستتأثر بالأحداث والحرب وهذا ما حصل مثلا للمنشآت السياحية وللمصانع وغيرها.

المخرج باسل الخطيب الذي آثر البقاء في دمشق يعلق لـ«الشرق الأوسط» على واقع حال الدراما وهجرة البعض من نجومها: كل إنسان يعيش ويعمل ضمن خياراته، وبما يتلاءم مع مبادئه ومواقفه وبالتالي لا بد أن يكون جاهزا بشكل أو بآخر، لتحمل نتيجة هذا الاختيار. عرضت علي أعمال خارج سوريا، ولكني، منذ بداية الأزمة، صرحت، أنني سأبقى في سوريا.. البلد، التي قدمت لنا في وقت سابق الكثير من التشجيع والدعم، لا أقبل اليوم أن أبتعد عنها في محنتها، أنا مصر على البقاء رغم كل الظروف، أواجه المصير ذاته الذي يواجهه ملايين السوريين. من جهتها ترى الفنانة لمى إبراهيم أن هناك فنانين كثيرين خارج سوريا لكثير من الأسباب ولا يرتبط هذا بالموقف السياسي لديهم فالبعض منهم غادر طالبا الراحة والأمان هاربا من الخوف، وتضيف «حتى أنا لا أخفيك فكرت وتراجعت في أن أخرج لفترة بسبب حالتي التي كانت تسيطر عليها كآبة سوداء من الوضع وبسبب استشهاد أصدقاء ومعارف وجيران.. لكنني لم أسافر وبقيت في الشام مع أهلي لا أريد مفارقتهم إلا إذا كان لعمل ما بالخارج. وهكذا الحال بالنسبة للأعمال السورية التي تصور خارجا ولكن نحن الذين بقينا هنا وعملنا هنا كان لدينا إحساس فظيع كنا نتكلم عنه في التصوير ونستغربه نضحك تارة ونبكي تارة، خصوصا عندما كنا نهرب مثلا من مكان لسقوط قذائف أو نعيد المشهد كثيرا بسبب الأصوات أو نسمع بخبر حزين يعيقنا عن متابعة الأداء على نفس المستوى ويسيطر علينا شعور الكآبة والحزن».

من جانبه يقول الفنان فائق عرقسوسي لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون الخروج هنا بسبب الخوف وقد يكون بالنسبة لي مبررا لحد ما لكن هل الوطن حالة استثمار أم حالة حياة فنحن كفنانين عشنا التجربة بحلوها ومرّها فليس مبررا للمغادرة، طبعا هجرة الفنانين والشركات أثرت كثيرا على نشاط الدراما هذا صحيح ولكن الحال واحدة للجميع لماذا عندما تكون البلد في حالة رفاه نقول البلد بلدي أما في حالة الفقر والشقاء والحرب والتعتير والموت والتفجير نقول البلد ليس بلدي؟!»، أما المخرج تامر إسحاق فيعتقد من جهته أن الأزمة ولدت خوفا كبيرا على الدراما السورية خاصة مع تغير شهده الواقع والعلاقات الاجتماعية في سوريا، ويضيف «تصوير أعمال كاملة هذا الموسم خارج سوريا برأيي بسبب غياب النجوم ووجودهم خارج البلد ولكن هناك فنانين ظلّوا بالبلد ولا يجوز إلغاؤهم وليسوا درجة ثانية كما لا يمكن الاستغناء عن أولئك الذين غادروا البلد فهم من أعمدة الدراما السورية فهناك فنانون غادروا من أجل أن يعيش أولادهم في ظروف أحسن وحين تنتهي الأزمة سيعودون وهناك فنانون غادروا لآرائهم وهم أحرار في ذلك. هناك أعمال اضطررنا لتصويرها مثلا في بيروت لأن الكاميرا في سوريا متعودة على الشارع والحياة وضاقت عليها الأمور كما ضاقت على المواطن السوري ولذلك اضطررت للمغادرة خارج سوريا ولكن أؤكد لك أن ذلك تم بشكل مؤقت».

وللفنان محمد خير الجزائري رأي أيضا هنا فهو يرى أنه من الطبيعي أن تحصل هجرة للفنانين في ظل الأزمة التي تعيشها البلاد مثلهم مثل أناس نأوا بحياتهم وحاولوا أن يعيشوا بمكان يعتقدون أنه أكثر أمانا وبنفس الوقت يحقق ذلك فرص عمل مريحة، والواقع أن الإنتاج الفني هو الذي يتحكم في ذلك مثلا في العام الماضي لم يغادر المنتجون وإنتاجات الدراما نفذّت جميعها داخل سوريا في هذا العام، ولكن الملاحظة القوية هي هجرة الإنتاج فشركات بكاملها تنتج مسلسلات سورية خارج سوريا وخاصة في لبنان وفي الإمارات العربية المتحدة «برأيي أن الأثر الأهم لذلك هو على السوق المحلية وعلى الاقتصاد فمثلما هاجرت شركات صناعية وساعدت في تعميق الأزمة الاقتصادية فنحن عندما ننتج مسلسلا داخل البلد فهذا يشغّل عمالا وقطاعات مرتبطة بالإنتاج ومنها مثلا تشغيل مطاعم ومواصلات والخدمات الفنية كالكومبارس والألبسة والديكور والإضاءة وهذه بخروج الإنتاج خارج سوريا حرمت من العمل وهي أكبر مشكلة في موضوع نقل الإنتاج إلى خارج سوريا ولذلك كانت هذه الظاهرة في هذا العام مفرطة وحسب معلوماتي فإن هناك نحو سبعة مسلسلات صوّرت خارج سوريا في هذا الموسم».