نانسي عجرم لـ «الشرق الأوسط»: ما زلت شقية

المغنية اللبنانية أحيت حفلا في لندن لمصلحة أطفال الشوارع

نانسي عجرم (تصوير: جيمس حنا)
TT

نانسي عجرم، اسم غني عن التعريف. ألبوماتها تحقق أعلى نسبة مبيعات، كما أنها من أكثر نجوم الفن والغناء تأثيرا في المنطقة العربية، بشهادة أوبرا وينفري، وأخيرا حققت لها مشاركتها في لجنة التحكيم في برنامج «أراب أيدول» شعبية إضافية، على الرغم من اعتبار البعض، في بداية بث حلقات البرنامج، أنها غير مؤهلة، ويصعب على من كان في مثل سنها ورقتها ودبلوماسيتها، أن يكون حكما حاسما يتحمل قسوة القرار. لم يمر على انتهائها من مهمتها الصعبة هذه سوى أيام حتى وصلت إلى العاصمة البريطانية، لندن، أول من أمس، لإحياء حفل خيري في «سانترال هول ويستمنستر»، نظمته «سترينغ وان» String One، يذهب ريعه لصالح «أطفال الشوارع».

في طريقي إلى محطة «ويستمنستر» للقائها، شعرت ببعض الحيرة. هل ما زال لدى نانسي جديد يمكن أن تقوله لي حول فنها، وحياتها الشخصية، وهواياتها، وأنشطتها، وهي التي امتلأت الصحف العربية بمقابلاتها عبر سنين طويلة؟ وهل يمكن تجاوز الكم الهائل المكرر من الأسئلة التقليدية التي ربما تكون الفنانة قد ملت منها وأصبحت تحفظها عن ظهر قلب؟ وزاد من الحيرة والترقب، تأخرها قرابة أربعين دقيقة على الموعد المحدد للمقابلة.

قرابة التاسعة والنصف، تعالت جلبة وأصوات في الخارج تعلن وصولها.

دخلت بعدها نانسي مثل نسمة أنعشت المكان الذي تصاعدت حرارته بسبب أضواء كاميرات التصوير، التي كان فريق الـ«بي بي سي» قد جهزها لإجراء مقابلة معها، حول التكنولوجيا ودور شبكات التواصل الاجتماعي في حياتها.

جاءت بصحبة فريق من الحرس الشخصي، ومدير أعمالها جيجي لامارا، وزوجها، تتألق في فستان طويل جريء للغاية، من المخمل الأزرق النيلي، مزين أو بالأحرى مشبوك من الجوانب بالدانتيل الأسود، من ماركة «أزارو»، على شفتيها ابتسامة دافئة، أذابت القلق والترقب وحتى التوتر الذي ساد المكان قبيل وصولها. ابتسامة أثارت لدي أكثر من سؤال: هل هي خجولة، أم امرأة تعرف كيف تذيب قلوب مشاهديها والمستمعين إليها، وتكسبهم جميعا؟

الجواب الذي يمكن الخروج به، هو أنها مزيج من الاثنين، فهي طفلة شقية من جهة، وأنثى في غاية نضجها، من جهة ثانية.

لم يكن مهما في هذا اللقاء الحديث عن ألبوماتها أو أحلامها وفنها وما شابه من أمور استهلكت كثيرا في السابق، بقدر ما كان مهما استكشاف الجانب الإنساني في نانسي عجرم.. فالحفل الذي كانت ستحييه تلك الليلة، سيذهب ريعه بالكامل لصالح «أطفال الشوارع»، مما يعني أن أشهر نجمة في العالم العربي، لديها اهتمام خاص بقضايا إنسانية، بصفتها سفيرة اليونيسيف للنيات الحسنة. دور تقول إنها تتعامل معه بجدية كبيرة لأنه ليس مجرد لقب أو وسام شرف تعلقه على كتفها. وتوضح: «دوري هذا كان حلما بالنسبة لي، وصدقيني أنا لا أتعامل معه كمجرد لقب.. فهو قد لبى حلمي للعمل على التغيير.. وأن يكون بمقدوري أن أفعل شيئا فعالا في المجتمع. فكما تفضلت وقلت في بداية حديثنا، أن أوبرا وينفري، واحدة من أهم الشخصيات العالمية والأكثر تأثيرا، قالت إنني من الشخصيات المؤثرة في المنطقة العربية، وهي شهادة أعتز بها، وأريد أن أطبقها في حياتي بشكل ملموس. من هذا المنطلق، أحببت أن يكون هذا التأثير من خلال عمل خيري يطور المجتمع، ويكون مفعوله إيجابيا».

وتتابع قائلة: «من القضايا القريبة مني جدا، قضية أطفال الشوارع، التي نحاول فيها أن نحارب الفقر، والأهم منه الجهل، بتوعية الأهالي بأهمية تعليم أطفالهم ومنحهم فرصة لحياة كريمة.. فالمشكلة هنا ليست في الأطفال بقدر ما هي في أهاليهم الذين يرسلونهم للعمل في عمر الطفولة للاستفادة منهم، وهذا يحز في نفسي كثيرا، لأن المسألة هنا لا تتعلق بالفقر وعدم توفر الإمكانات، بحكم أن التعليم في أغلب المدارس ببلاش، بقدر ما تتعلق بالجهل الذي تترتب عليه نتائج غير محمودة على المدى البعيد. للأسف، فإن المجتمع هو الخاسر الأكبر، لأننا لن نحصل على جيل متعلم، بل على جيل سيلتهي بأشياء غير مضبوطة». وتضيف مقطبة حاجبيها، ونظرة حزن مشوبة بالخوف تعلو ملامحها: «أنا أم لبنتين الآن، ولا أتخيل ألا أسلحهما بالتعليم، لأنه ضروري. ثم لا بد أن أذكر لك أن هناك قضية أخرى لا تقل أهمية بالنسبة لي، وأتكلم عنها في الكثير من المؤتمرات والمحافل، ألا وهي قضية العنف ضد المرأة. أنا لا أتخيل أننا ما زلنا نعاني منها في عصرنا هذا، وبعد أن وصلت فيها المرأة إلى مرحلة حققت فيها الكثير، وبالتالي أصبح من حقها أن نعاملها كنصف المجتمع، كما هو مفترض، فهي ند للرجل وبإمكانها أن تغير الكثير وتقوم بالكثير، ومجرد أن أفكر في أنها تتعرض للعنف من قبل أي رجل يؤثر علي كثيرا ويصيبني بالأسى».

لا تنكر نانسي أن الأمومة غيرت حياتها ونظرتها للأمور، بشكل أو بآخر، «فأنا ما زلت شقية وأحب الشقاوة، لكن أكيد من الداخل هناك فرق، فكلما أكبر سنا أنضج أكثر، وأكتشف وأتعلم أمورا جديدة في مدرسة الحياة. نعم الأمومة غيرتني، من ناحية أني أصبحت مسؤولة أكثر، وصرت أشعر بأن كل شيء أعمله ليس لي أو من أجلي فحسب، بل هو للآخر أيضا».

كان واضحا أن الآخر هنا لم يكن يعني طفلتيها وأسرتها فحسب، بل أيضا مسؤولياتها في العمل، بعد أن صار لديها شركة إنتاج خاصة، والمسؤولية التي أنيطت بها في برنامج «أراب أيدول». في البداية، كانت خائفة باعتبار مشاركتها في لجنة التحكيم خطوة قد تكون سابقة لأوانها، فضلا عن خوفها من أن يكون لرأيها تأثير مباشر على مسار شخص ومستقبله. تشرح قائلة: «كنت جد خائفة من التجربة لأسباب كثيرة على رأسها الخوف من أن أقول رأيا يؤثر على الجمهور ويغير حياة إنسان بالكامل. كنت حريصة على أن أكون العضو الرقيق في اللجنة، بمعنى أن أعطي رأيي بطريقة لا تجرح شعور المتلقي. فأنا ربما أكون أكثر عضو في اللجنة يفهم مشاعر المتسابقين وما يعتمل بداخلهم، لأني مررت بنفس الموقف نحو ثلاث أو أربع مرات في بداية حياتي. لهذا لا أستطيع أن أكون قاسية أبدا، وحتى لو كان لدي رأي سلبي، كان من المهم أن أعبر عنه بطريقة لا تجرح، وأنا أتألم من الداخل، لأني أعرف كم هي تجربة قاسية وصعبة».

ومع ذلك، لا تخفي عجرم سعادتها بنجاحها، مشيرة إلى متعة العمل مع مواهب استثنائية، «فكلهم نجوم، وما زلت محتارة أيهم يمكن أن أدعمه من خلال شركتي (إنتو ميوزيكا)، التي كنت أهدف من ورائها لدعم أي موهبة تستحق هذا الدعم حتى قبل برنامج (أراب أيدول)».

لم أكن أنوي حضور الحفل، فالمقابلة كانت تكفيني، وكنت أتوقع أن يغمرني، بعد يوم طويل وعلى الساعة العاشرة مساء، شعور من كبرت على أغان لنانسي عجرم مثل «أخاصمك آه.. أسيبك لا»، لكني غيرت رأيي بعد اللقاء، وألحت علي رغبتي للتعرف على الوجه الآخر للفنانة. عندما ظهرت بإطلالتها المميزة على المسرح، كانت نظرات الشجن والجد وهي تتحدث لي عن الفقر والجهل والعنف ضد المرأة منذ بضع دقائق فقط، قد اختفت، وحلت محلها نظرات طفلة شقية وإيماءاتها، وابتسامة امرأة لعوب بفستانها الجريء وهي تغني أشهر أغانيها وتلهب الجمهور.

بعد عشر دقائق فقط، أصبح منظر الأطفال وهم يتسلقون المسرح، بتشجيع من أهاليهم، عاديا، خصوصا أنها كانت تبتسم لكل منهم وتنحني له بحنان لتأتي الصورة معبرة، وفي الوقت ذاته تعطيك الانطباع بأن كل طفل هو «طفلها» الذي يذكرها ببنتيها. لكن سرعان ما تغيرت ديناميكية الحفل، حين بدأ الكبار يصطفون في طوابير لالتقاط الصور معها، غير مبالين بالأغاني، بل بالتقاط أفضل الصور التذكارية معها، لإرسالها عبر «تويتر» إلى الأصدقاء أو نشرها على صفحات «فيس بوك».

بدأ الحفل يفقد متعته بالتدريج، وابتسامة نانسي النابعة من القلب تختفي لتحل مكانها ابتسامة دبلوماسية، ربما أخفت خلفها قليلا أو كثيرا من الغيظ الذي لم تعبر عنه صراحة. ذكرني ذلك بما قالته خلال لقائنا: «بعض الناس لا تركز على الغناء أحيانا بل على التصوير.. بعضهم يسمعون صوتي، وبعضهم يريد تصويري على المسرح، أحيانا بالفيديو لكي يحتفظوا بالأغنية وتبقى الذكرى جميلة، وأنا سعيدة بذلك، لأنه لولا محبة الناس لما كنت في ما أنا فيه. لكن ما يجب أن نعرفه أن الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي عموما سلاح بحدين، يجب استعمالها بحكمة ووعي.. وأكيد فيه حدود لكل شيء».