صيف الرياض ينعش بيع «المشالح الملكية» في سوق الثميري التاريخية

أغلاها الحساوي بـ8 آلاف ريال.. واللون الأسود الأكثر طلبا

تأسست السوق منذ أكثر من مائة عام ولها ميزة خاصة في جذب الراغبين في شراء مستلزمات الزواج
TT

على ناصية سوق الثميري التاريخية في الرياض يتسيد بيع المشالح الملكية على النشاطات الأخرى خصوصا خلال هذه الأيام التي تعد موسما هاما لها، ويعتمد تجارها في تحقيق أكثر من 80 في المائة من جملة الإيرادات عن طوال العام.

هذه السوق، التي تأسست منذ أكثر من مائة عام، له ميزة خاصة في جذب الراغبين في شراء مستلزمات الزواج بشكل عام، إلا أن سوق المشالح تعد على رأس مطالب قاصدي السوق، لما تنفرد به عن كل الأسواق بالرياض في بيع هذا النوع من الملابس.

وبمجرد دخولك المحال المخصصة لعرض المشالح تجذبك ألوانها وأشكالها المختلفة، التي توهمك للوهلة الأولى بأنها متشابهة وقريبة جدا في الصناعة والجودة، حيث توقفت في حيرة بسبب التفاوت الكبير في أسعارها، التي تبدأ من 500 ريال لتصل إلى أغلى الأنواع 7 آلاف ريال، وتختلف باختلاف طريقة التصنيع واللون والقماش، وهي جميعها أمور تتبلور لتحدد القيمة المستحقة للقطعة، ويعتبر لبس المشلح أمرا أساسيا في الزواج في السعودية، ومعظم الزبائن يقبلون على الشراء للمناسبة ذاتها، وهو ما ينعش هذه المحلات ويروج لبضائعها.

في زاوية السوق، يجلس عبيد الدواس الذي أمضى ما يقارب 60 سنة من عمره بين الخيط والإبرة، التي يستخدمها لحياكة المشالح. يقول إن مهنته هذه لا يمكنه التخلي عنها أو التقاعد منها، مبينا بأنه وبعد أن تجاوز عمره السبعين عاما إلا أنه لم يستطع أن يخرج هذه المهنة من حياته ليخلد إلى الراحة، رغم عدم اعتماده عليها حاليا كمصدر للرزق، نظرا إلى امتلاكه كثيرا من المحلات المتخصصة في استيراد وحياكة المشالح، مبينا بأن هذه المهنة تشغفه حبا وأن قضاء عمر طويل في خدمتها والاعتياد عليها هو العائق الأول، وليس الأمر متعلق بالمادة بتاتا.

وحول دوره في هذه السوق، كشف عبيد أنه يحيك بعض الطلبيات الخاصة لعدد من الزبائن المعروفين، الذين يتعاملون معه منذ عشرات السنين أو عن طريق آبائهم، وهم من الشخصيات العامة، الذين يصرون على ارتداء المشلح الذي يحيكه بنفسه، ورغم ارتفاع أجره إذ يلامس المتوسط منه 6 آلاف ريال يستغرق العمل فيه ما يزيد عن أسبوع واحد، باستثناء طلب التفصيل المستعجل الذي يكلف المستفيد من المشلح مبلغا أكبر، مبررا أن ارتفاع سعره هو الجودة، وهذا ما يميزه عن غيره ويشهد بذلك سمعته المدوية في كل أنحاء الرياض عندما يتعلق الأمر بحياكة المشالح.

وكانت السوق تعج خلال السنوات العشر الماضية بكثير من كبار السن، المتخصصين في حياكة المشالح والذين كانوا يسيطرون على المبيعات فيه، إلا أن رحيل الجيل الماضي أدى إلى اندثار محالهم الصغيرة التي أصبحت الآن معارض كبيرة وحديثة، إلا أن ذلك لم يمنع القليل منهم من المحافظة على المهنة أو توريثها للجيل الجديد.

وفي زاوية أخرى من السوق التقينا محمد الراجح الذي يمتلك معرضا ضخما لبيع المشالح، إذ يقول إن إجازة الصيف تعد الفترة الأكثر إقبالا عليهم وأشدها ازدحاما، إذ إنهم يرفضون منح أي موظف إجازة في هذا الوقت، وإنهم يلقون بجميع أسلحتهم التسويقية خلال هذه الفترة نظرا إلى قصرها، حيث لا تتجاوز مدة الموسم شهرا ونصف، وذلك لحلول شهر رمضان خلال الموسم، مما جعل عملهم هذه الأيام يتم بكثافة واسعة، مقدرا نسبة استخراج الأرباح هذه الفترة بأنها تتجاوز الـ80 في المائة عن باقي السنة، والنسبة الباقية موزعة بين الأيام الاعتيادية خصوصا في مناسبات الأعياد.

وعن أكثر الأنواع رواجا، أكد الراجح أن النوع الحساوي «نسبة إلى محافظة الأحساء التابعة إداريا للمنطقة الشرقية في السعودية» هو الأفضل على الإطلاق، ولا يقارعه في الجودة أي نوع آخر سوى النجفي، الذي يتميز بخفته وشفافية قماشه ويأتي في المرتبة الثانية فورا، وتقدر أسعارهما ما بين ثلاثة آلاف ريال ليصل إلى ثمانية آلاف لأجود الأنواع، مبينا أن للحساوي ميزة خاصة وهي الحياكة اليدوية، إضافة إلى جودة القماش وارتفاع سعره. ويأتي في المرتبة الأخرى النوع الوطني الذي يتراوح سعره ما بين 1200 إلى 2500 ريال، وهو الأكثر رواجا ويحاك بطرق صناعية ويعد ذا جودة جيدة، خصوصا أن معظم المصانع تعتمد على الأقمشة اليابانية الأصلية مما ساعد كثيرا على انتشاره.

يذكر أن لبس المشلح يعد من العادات والتقاليد السعودية، وهو أمر ضروري ولا يعد مكملا في الزواج، خصوصا للزوج وعائلته وأهل الزوجة، وهم النسبة الأكبر الذي يعتمد عليهم أصحاب المحلات في تحقيق الإيرادات، إذ إن لكثرة حفلات الزواج والأفراح المقامة في الصيف دورا في زيادة مبيعاتهم بشكل عام.

وفي ذات الصلة أبان فيصل قدور الذي يدير معرضا متخصصا في استيراد المشالح السورية، أن الأوضاع السورية أثرت بشكل كبير على هجر كثير من أبناء المهنة في الوطن الأصلي حياكة المشالح، مما انعكس بشكل ملحوظ على المعروضات الحالية من المشالح السورية، التي أصبحت نادرة وتجذب شريحة لا بأس بها من المشترين، خصوصا لتميزها بالجودة ورخص الأسعار مقارنة بالأنواع الأخرى، كما أنها تعد جاذبة لمن يستخدم المشلح لمرة واحدة فقط للزواج أو لمناسبة معينة، مما يجعل وجودها في الأسواق أمرا هاما لخلق توازن في الأسعار، ولتشكل ضغطا على الأنواع الأخرى.

وأضاف: «تنقسم المشالح السورية إلى نوعين، الأول يسمى الزري الفرنسي، والنوع الثاني يسمى الخاشية، والأخير الأكثر طلبا نظرا إلى قماشه الشفاف والقريب من النجفي، إلا أن سعره أرخص وجودته جيدة إلى حد كبير»، لافتا بأن أكثر الألوان طلبا بشكل عام يتركز على اللون الأسود يليه البني بدرجاته، وبعدها الألوان الأخرى التي تأتي تبعا لهذين اللونين.