معرض صور بمناسبة يوم اللاجئ العالمي بوسط بيروت

جمعها مارك دوفيله للاجئين سوريين افتقدوا أغراضهم الشخصية.. و«كرامتهم»

الصور تعكس نماذج من روايات تسرد معاناة لاجئين سوريين في لبنان
TT

«كنت بارعا في مهنتي. كانت حياتنا جميلة جدا قبل الحرب. كنت أؤمن لعائلتي أي شيء يتمنونه. أما اليوم فبالكاد أتمكن من النظر في عيونهم. بت أنتظر تعاطف الناس مع وضعي لكي يعطونا المال. أنا لم أفقد ساقي فقط؛ لقد فقدت كرامتي». بهذه العبارات يتحسر محمد (40 عاما)، لاجئ سوري في لبنان، على حياة قلبتها الأزمة السورية رأسا على عقب. هو يجلس اليوم على كرسي نقال بعد أن وجد نفسه قبل عام تقريبا وسط اشتباكات في سوق الخضار في مدينة حمص. أصابته رصاصة طائشة في عنقه وجعلته مشلولا. لم يعد يقوى على أداء عمله كميكانيكي. يعيش محمد في مدينة طرابلس، شمال لبنان، مع أطفاله الثلاثة وزوجته.

«برادنا؛ كنا قد اشتريناه للتو».. بهذه العبارة أجابت أم خالد، لدى سؤالها عن «شيء عزيز» على قلبها كان عليها وزوجها تركه وراءهما، قبل أن تقودهما رحلة نزوح صعبة إلى لبنان. لأم خالد طفلان معوقان لا يفارقان منذ عشرة أشهر خيمة باتت منزلهما في بلدة تربل في منطقة البقاع.

«لا شيء أعز علي من عائلتي، وهم الآن في أمان. سنحل باقي الأمور لدى عودتنا إلى الديار». يقول سنان، نازح سوري ترك مدينة حمص، مسقط رأسه، برفقة زوجته أنوار وابنهما محمود منذ خمسة أشهر ويقطن اليوم في غرفتهما داخل ملجأ جماعي في قرية معركة الجنوبية. يأسف على محل بيع البوظة الذي تركه في حمص ولا يجد أمامه اليوم إلا العمل لمرة أو مرتين يوميا في مجال البناء ليتدبر أمره وأسرته.

«كنت أتناول المتة كل صباح عندما أستيقظ وكل مساء قبل أن أنام. غادرت منزلنا بسرعة فلم أتمكن من إحضار إبريق الشاي». هذا ما تفتقده زهرة (24 عاما) بعد أن فرت مع زوجها من حلب قبل ستة أشهر لتستقر في ملجأ جماعي في بلدة معركة في جنوب لبنان، حيث لا تملك إلا الصلاة لعلها تبقي باقي أفراد أسرتها بأمان.

المفارقة أن حكايات هؤلاء اللاجئين السوريين التقت معا في سوق الذهب في وسط بيروت الأسبوع الفائت. جمعها المصور مارك دوفيله في معرض صور بمناسبة يوم اللاجئ العالمي. حضرت صورهم ومعاناتهم من دون أن يحضروا هم. التناقض فاقع بين المجوهرات الباهظة الثمن المعروضة في واجهات محال فخمة وبين قصص بؤس ووجوه حزينة تتحسر على سجادة أو غسالة أو براد أحيانا، وعلى فقدان أصدقاء وأعزاء أحيانا أخرى.

لم يجد هؤلاء سبيلا للتغلب على مخاوفهم سوى المضي في رحلة نزوح لا تخلو من المخاطر بحثا عن أمان منشود في لبنان. أمان قد تجسده خيمة في العراء أو ملجأ جماعي أو منازل مضيفة فتحت أبوابها من دون مقابل. لم تجد قمر، أم لخمسة أطفال فقدت زوجها في إدلب، إلا أن تبيع قطعة مجوهرات وحيدة تملكها لتأمين تكلفة المجيء إلى لبنان. تقول إن أعز ما تركته «قطعة المجوهرات الوحيدة التي تملكها من أجل دفع تكاليف الحافلة التي أوصلتنا إلى لبنان. كان ذلك سوارا أهداني إياه زوجي في يوم زفافنا».

قصة رحاب لا تختلف عن قمر. هي أيضا تركت مسقط رأسها مع طفلين في درعا وجاءت إلى لبنان في رحلة من خمسة أيام، تصفها بأنها «مروعة». تمضي رحاب يومياتها في رعاية طفليها فيما يعمل زوجها في حقل تبغ قريب في قرية معركة جنوب لبنان. التعب والمعاناة لا يمنعان حس الدعابة لديها. لدى سؤالها عن أعز ما تركته وراءها في منزلها، تجيب ضاحكة: «أفتقد غسالتي. كانت لدي أسرع غسالة في الحي وكانت النساء يحسدنني عليها. أما اليوم فأغسل الملابس باليد».

حس الفكاهة لدى رحاب يغيب بالكامل في رواية سامر (67 عاما) الذي فر من البياضة شمال حمص، ليستقر في طرابلس في غرفة يتقاسمها مع 12 نازحا سوريا في مدينة طرابلس شمال لبنان. لم يترك وراءه منزلا وذكريات وأقارب فحسب، بل ابنا لم يبلغ حافة الثلاثين مدفونا تحت التراب. أكثر ما يفتقده سامر اليوم هو ابنه، الذي قتل خلال اشتباكات اندلعت لدى تسليمه البضائع إلى إحدى المؤسسات التجارية، تاركا خلفه 3 أطفال. يقول: «أشتاق إلى ابني. أفتقد الأيام الخوالي. لم أتخيل يوما أنني سأصبح نازحا. ليس وأنا في هذه السن أبدا».

هذه النماذج عينة من روايات كثيرة تسرد معاناة لاجئين سوريين يقيمون في لبنان. يتحسرون على البشر والحجر في آن معا. لا يملكون إلا ذكريات وأملا بأن تكون عودتهم إلى بلادهم قريبة.