سهير المرشدي: الإبادة الحقيقية للشعب نسف ثقافته وطمس حضارته

الفنانة المصرية تتساءل: كيف يمكن أن يلغى الفن ويعيش الإنسان من دون ثقافة

سهير المرشدي رغم خطورة الأحداث في مصر إلا أنها ما زالت متفائلة بالمستقبل
TT

حلّت ضيفة عزيزة مكرمة على كردستان، فاحتضنها شعبها بدفء عواطفه تجاه شعب مصر الذي احتضن بدوره، ومنذ مئات السنين، عشرات العائلات الكردية، أبرزها العائلة الأيوبية والعائلة البدرخانية. فمنها في مصر، وتحديدا بقاهرة المعز أوقدت العائلة البدرخانية أول شعلة من مشاعل الثقافة الكردية أواخر القرن التاسع عشر بطبع أول جريدة كردية «كردستان»، في زمن كانت الإمبراطوريات القوية في المنطقة تسعى لإبادة هذا الشعب وطمس مشاعره القومية.

ولعل استضافة فنانة مصرية قديرة معروفة بمواقفها الإنسانية الجريئة وبفنها الراقي، وخلفيتها الثقافية المتميزة، كانت جزءا من وفاء الشعب الكردي لأبناء وبنات مصر، ولذلك أشعرت سهير المرشدي فنانة الزمن الجميل طوال أيام إقامتها بكردستان بأنها بين أهلها ومحبيها.

كانت من أوائل الفنانين المصريين المنحازين إلى شعبهم ضد نظام حسني مبارك، وكانت في طليعة الثائرين على ذلك النظام، لذلك كان نزولها المبكر إلى ميدان التحرير، التزاما منها بأحقية شعبها في التحرر والعيش بكرامة، ولكن الأحداث اللاحقة جعلت كثيرا من الثائرين يندمون على ثورتهم ضد ذلك النظام، ولذلك بادرتها «الشرق الأوسط» بسؤال عما إذا كانت نادمة بدورها عن مشاركتها اللافتة بالثورة، فردت بإصرار: «أبدا.. لست نادمة مطلقا، فالثورة ما زالت مستمرة، ونحن مصرون على استكمال أهدافها. قبيل سفري إلى كردستان كنت ضمن معتصمي وزارة الثقافة احتجاجا على ما قام به الوزير المعين للإطاحة بقامات وهامات رفيعة داخل الوزارة. هذا الموضوع أثّر فيّ كثيرا وضايقني حتى كتم على نفسي، ولذلك كنت بحاجة إلى التنفيس، والحمد لله وجدت هنا في كردستان متنفسا ومكانا أملأ فيه رئتيّ بالأكسجين. هذه أول مرة أزور فيها كردستان، ولكنها أصبحت بالنسبة لي متنفسا من الضيق الذي شعرت به مؤخرا».

وعن أسباب ضيقها، قالت: «أشعر بالضيق، لأن هناك محاولات ضد الكتاب وتقليص للأعمال الإنتاجية. النظام الحالي يعتبر صوت المرأة عورة، فكيف لا أتضايق؟ هل يعقل أن نعود إلى السينما الصامتة بعد أن حققنا ما حققناه طوال العقود الماضية؟ مصر مليئة بالمبدعين، أصلا هي جبلت على الإبداع، والدليل على ذلك، حضارتها القديمة والعظيمة، فكيف يمكن أن يلغى الفن في مصر؟».

وأضافت: «كنت أهتف أثناء الثورة (غنّي يا مصر وعلّي الصوت، عمر فنك ما حيموت)، هذا كان شعاري وسيظل، أنا تعلمت أن الفن هو رسالة سلام، فمن يعمل فيه هو مكافح من أجل السلام ورقي الإنسان، وتعلمت أيضا أن الثقافة هي وعي المجتمع وضمير الأمة؛ فكيف تعيش أمة من دون ضمير، وكيف يحيا الإنسان من دون ثقافة».

وبسؤالها عما إذا كان النظام الحالي لا يشعر بهذه الأمور، أجابت: «هم لا يستوعبون التغييرات التي حصلت بالعالم الذي أصبح اليوم قرية صغيرة جدا بفضل الإنترنت والفضائيات التي تملأ الأجواء. ما يحصل هنا في كردستان نعرفه هناك بمصر، وكذلك ما يحصل في أقاصي الدنيا تعرفونه أنتم هنا، و(الإخوان) في مصر أصبحوا اليوم يسبحون ضد التيار وفي بحر متلاطم، ولا أدري كيف ينجح من يسبح ضد التيار، ولذلك قلت لك إن الثورة ستستمر، وأعتقد أن على شباب الثورة إكمال المسيرة».

وعندما سألتها «الشرق الأوسط»: أنت فنانة من الزمن الجميل، فهل تأملين في أن نسترجع ذلك الزمن، خاصة في ظل محاولات النظام الحالي لأخونة المجتمع؟ قالت سهير المرشدي: «لا يأس مع الحياة؛ فما دام هناك مثقف حقيقي وصاحب رسالة حقيقية، لا يمكن أن تندثر الفنون ولا الثقافة. أنا أعتبر الإبادة الحقيقية لأي شعب هي نسف ثقافته وطمس حضارته. حينما ترغب في إبادة أمة، فاجعلها أمة جاهلة.. أخفها عن الشمس والقمر وعن الطبيعة، مع أن ربنا خلقنا لكي نحيا وليس لنموت. نحن بحاجة إلى التعبير عن الذات، وكما قال الأستاذ الكبير طه حسين (تكلم حتى أراك). مصر مثل وردة الشوك ممكن يأتي (بلدوزر) يقتلعها، ولكن بعد ثلاثة أشهر تطلع شجرة مرة أخرى، ثمارها شوك، إذا أمسكتها تؤلمك، ولكن عندما تفتحها تجد ثمارها طيبة. دعنا نعتبر ما يجري اليوم حربا من الحروب، ولكن في النهاية ستنتصر الإرادة المصرية، وسينتصر الشعب المصري، فإرادة الشعب المصري لها جذور دبت في عمق الأرض، لذلك حتى لو (نشفوا) النيل ستبقى لنا المياه الجوفية؛ فمصر يكفيها أن ربنا ذكرها بالقرآن الكريم. لا أستطيع التكهن بما سيحدث، ولكني متيقنة بأن مصر ستبقى بإرادة شعبها شامخة وزاهية بثقافتها وفنها».