في معرض الفنانة العراقية هناء مال الله.. البحث عن السلام وسط الأنقاض

«أعمالي نتيجة تجربة حياتية.. كنت هناك ومررت بها»

«كاموفلاج» (تمويه)
TT

تقدم الفنانة العراقية المعروفة هناء مال الله معرضها الرابع لهذا العام في «بارك غاليري» بلندن، ويضم مجموعة من أعمالها، منها ما عرض من قبل في باريس ولندن، ومنها أعمال لم تعرض من قبل.

الهاجس الأساسي في أعمال مال الله هو تأثير العنف والدمار على الإنسان، لوحاتها تعبر بقطع القماش المحترق والخيوط المتدلية، وكأنما تعرضت للنبش والتمزيق وأيضا بالطيور المحنطة، عن مأساة عصر بأكمله يعاني فيه العراق والعالم أجمع آثار الحرب والعنف، ويبدو أن هذا الموضوع سيظل مسيطرا على أعمال الكثير من الفنانين في الحقبة المقبلة، خاصة أن العالم العربي يدور في دوامة من الأزمات حاليا.

ولكن الفنانة ترفض أن ترتبط مواضيع لوحاتها بالوضع في العراق فقط، وتقول: «أصور هذه المعاني في لوحاتي ليس لأني عراقية فقط، فأعمالي نتيجة تجربة حياتية، كنت هناك ومررت بها، ولكن تجربتي يمكن رؤيتها على المستوى العالمي، والتجربة العراقية موجودة عالميا، فالعنف في كل مكان. لماذا نجد فنانا بريطانيا يستخدم سيارة محطمة من العراق وسيلة للتعبير عن العنف والدمار؟ لو رفعت اسمي من على العمل فلن تعرفي أن العمل من صنع عراقي».

من اللوحات المعروضة لوحة «بورتريه شخصي»، وفيه نرى خطوطا عريضة لهيكل إنسان، الخطوط تختلط بقماش اللوحة، نحتار أمامها إن كان الهيكل لامرأة أو رجل، ولكن ذلك لا يهم الآن، فهو تعبير عن كائن مكتمل، لكن ذلك يتوه في قصاصات القماش المحترق الذي يختبئ خلفها ذلك الكائن الذي يبدو وكأنه يقترب من المتفرج. تعلق مال الله بأن القماش المحروق هو نوع من «الكاموفلاج» (التمويه)، يحتمي به الإنسان من كل شيء حوله ليستطيع الحياة، وتشير إلى أن العمل هو مزيج «ما بين التجريد والتصوير»، وترفض فكرة أن يكون الموضوع هو من يشكل اللوحة: «أنا أعمل بحرية كاملة؛ فالأفكار موجودة، ولكني أنميها، إذا كانت النظرية تقود الفنان، فالعمل سيكون ضعيفا. بالنسبة لي يحكمني التكنيك والمادة الخام بشكل كبير أكثر من النظرية، فيمكن أن أضع نظريات جيدة ويكون التنفيذ رديئا، ما سينتج عن هذا سيكون عملا فاشلا».

لوحة «الهدهد» تعبر عنها الفنانة بجملة واحدة في دليل المعرض «الهدهد لاجئ، يبحث عن مساحة للعيش في وسط الدمار». طائر الهدهد يتكرر كثيرا في أعمال الفنانة، وفي هذه اللوحة هو طائر محنط مقطوع الرأس ويطل من جسمه غصن زيتون، تقول: «الهدهد دائما مرتبط بسورة النمل في القرآن الكريم، فهو يوصف بأنه لديه (الخبر اليقين)، هذا كان هدهد النبي سليمان، ولكن هنا في اللوحة هو مقطوع الرأس (فلا خبر معه).. الهدهد مقطوع الرأس يحمل غصن الزيتون، لكن ذلك لا يعني الكثير، فالجسد المحنط بالنسبة للفنانة هو كيان زائف لا حياة فيه، وبالتالي فغصن الزيتون لا يحمل رسالة السلام».

المعنى ذاته تتعامل معه الفنانة في أحدث أعمالها في المعرض «طائر وغصن زيتون»، وهو عبارة عن صندوق حديدي يبدو أنه كان يحوي زيت زيتون يحمل رسما لغصن زيتون أخضر تحول على يد مال الله إلى تعبير عن البحث عن السلام الضائع. العلبة تجارية الصيغة، ليست في أفضل حالاتها، تحمل الندوب ولكن أعلاها قبع طائر هدهد محنط، تعبير آخر عن السلام المفقود، لا يستطيع الهدهد ولا غصن الزيتون جلبه.

خلال الحديث مع الفنانة نتطرق إلى الظروف التي يعمل بها الفنانون العراقيون في الداخل ورأيها حول الجناح العراقي في بينالي البندقية. تقول: «الوضع هناك غير جيد. الفنانون داخل العراق هناك في مأزق، هرب الفنانون المعروفون خارج البلاد للنجاة بأنفسهم وتحطمت دراسة الفنون في العراق».

تعلق على الأعمال التي عرضت في البينالي: «اختاروا قيِّما من بريطانيا لا يعرف خارطة الفن العراقي، للأسف مستوى الجناح العراقي لا يعبر عن المستوى الحقيقي للفنانين في العراق، هناك فنانون أقوياء ليست هذه تقنياتهم. أرى أن تضمين الجناح مثلا رسوم كاريكاتير غير متوافق مع فكرة البينالي، مع أن رأيي أن رحيم رسام الكاريكاتير من أفضل من عملوا بهذا المجال وأعجب بأعماله كثيرا، لكني أرى أن مكان رسومات الكاريكاتير هي الصحف وليس البينالي، فالبينالي يتطلب عملا به فكر وتقنية وعدة طبقات متداخلة، لهذا أحس أن الجناح قدم فكرة أن العراق لا يوجد به فن تشكيلي، مع أن الفن التشكيلي العراقي يعود تاريخه إلى 1920. قرن من الأعمال الفنية. رغم هذا أعجبني عمل هاشم تايه وياسين وامي، ولكن هذا عمل واحد فقط».