«مهرجانات بيبلوس» تنطلق مع ياني .. و«بعلبك» إلى بيروت

مارسيل خليفة يغني في مشغل للحرير من القرن التاسع عشر يتسع لألف متفرج

المؤلف والعازف الموسيقي ياني خلال حفله في مهرجانات بيبلوس أول من أمس («الشرق الأوسط»)
TT

المهرجانات اللبنانية، تنتشل لبنان من أحزانه. لا استراحة محارب، ولا تنازل عن الاستمرار. «مهرجانات بيبلوس انطلقت بعشرة آلاف شخص، زحفوا إلى مدينة جبيل لحضور حفلتي الموسيقي العالمي ياني، يومي الأحد والاثنين». الحفل الأول افتتح بنجاح كبير، وحضور السيدة الأولى وفاء سليمان، ووزير الداخلية مروان شربل وزوجته، ووزراء آخرين ونواب، أما «مهرجانات بعلبك» فقد أعلنت بالأمس أنها ماضية في برنامجها لكنها ستنتقل إلى بيروت، وتحديدا إلى جديدة المتن، وإلى مكان يقام فيه مهرجان للمرة الأولى. وأصدرت «لجنة مهرجانات بعلبك» بيانا يوم أمس أعلنت خلاله عن أن الحفلين الأولين في البرنامج لن يقاما لأن الفنانة الأميركية «مغنية الأوبرا رينيه فلامينغ» أقدمت على إلغاء حفلتها التي كانت محددة في 30 يونيو (حزيران). كما أن الفنان عاصي الحلاني، بالاتفاق مع الهيئة الإدارية، فضل تأجيل حفلته إلى السنة القادمة في هياكل بعلبك. وذلك نظرا لما تعنيه قلعة بعلبك بالنسبة لهذا الفنان البقاعي. أما باقي الفنانين بحسب ما قالته اللجنة في بيانها «سيسلكون الطريق معنا نحو بيروت لإبراز الرسالة الثقافية الفاعلة لمهرجانات بعلبك، وإنما خارج الأسوار، وفي مكان، له طابع تراثي، غني بالتاريخ، في مصنع سابق للحرير يعود للقرن التاسع عشر (La Magnanerie) هذا المكان يقع عند مداخل بيروت يسهل الوصول إليه من كل المناطق». ومن التعديلات أيضا التي طرأت على برنامج بعلبك هو إقامة حفل واحد لمارسيل خليفة، يوم 24 أغسطس (آب) في المكان الذي يتسع لألف شخص بدل الحفلين اللذين كانا سيقامان في معبد باخوس داخل القلعة.

وشرحت زينة صفير المسؤولة الإعلامية لمهرجانات بعلبك لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس، أن اللجنة تلقت اتصالات كثيرة من مواطنين، اقترحوا أماكن بديلة لقلعة بعلبك فور علمهم، بأن اللجنة تبحث عن خيار آخر، بعد تدهور الوضع الأمني، واختارت اللجنة هذا المكان التاريخي، لأن بعض العروض تحتاج مساحة واسعة وأجواء خاصة، ويعمل الفنيون الآن على تجهيز المسرح بشكل ملائم يرضي الجمهور. خاصة أن عرض «بزل» الراقص لسيدي لاربي الشرقاوي يحتاج مسرحا بعمق 15 مترا، وهناك معدات كبيرة لا بد من استيعابها.

وبالتالي فإن مقاومة التوتر الأمني بالمهرجانات أمر يسير على قدم وساق في لبنان. فقد انطلقت «مهرجانات بيبلوس» بضربة معلم مساء الأحد الماضي مع العازف والمؤلف الموسيقي اليوناني الأصل، الأميركي الإقامة الشهير «يانّي» الذي أحبه الملايين، وجابت شهرة معزوفاته الآفاق.

التوتر في بعض المناطق لم يمنع عشاق ياني من شراء بطاقاته عن بكرة أبيها. فمنذ شهر، نفدت تذاكر الحفلتين، ومساء الأحد كان الافتتاح حاشدا. المدرجات التي غطست أرجلها الحديدية، في البحر على مرفأ جبيل، وجعلت الجمهور وكأنما هو في قلب الماء، امتلأت بحاضرين من مختلف الأعمار. يبدو أنه ليس من جيل واحد يحب ياني، كل الأعمار صالحة للإصغاء لموسيقاه التي تحمل مستمعها من عوالم إلى أخرى غيرها. النفح التصويري، في هذه الموسيقى هو السر على الأرجح، فالرجل خاض تجربة طويلة مع موسيقى الأفلام. موسيقاه ليست كلاسيكية تحتاج نخبوية عالية، ولا شرقية محبوسة في قمقم اليونان، إنها موسيقى العالم التي تخلط بين اللاتيني والغربي والروك، مع حنين كبير إلى شرق حاضر باستمرار.

الأوركسترا المؤلفة من 13 شخصا، مختارة بعناية كبيرة، وأعضاؤها آتون من أنحاء العالم، من الباراغوي، أرمينيا، الصين، كوبا، روسيا، أميركا، إنجلترا، ألمانيا، تايوان وفنزويلا. جنسيات جمعها ياني تحت عباءة ألحانه الهجينة.

دخل المؤلف الموسيقي رشيقا ببنطال أبيض وتي شورت سوداء، ليبدأ عزفه على آلته الأثيرة الأورغ، مفتتحا حفله بمعزوفته «دليفرانس». المغنيتان الكندية ليزا لافي، والأميركية لورين جلنكوفيتش بدتا كإضافتين لذيذتين تطلان بخفر في بدء الحفل ومنتهاه. الطقس المنعش على شاطئ البحر، والهواء الذي يهب على الموسيقيين والحاضرين، جعل ياني الذي تعلم بضع كلمات بالمحكية اللبنانية أثناء إقامته ليومين في بيبلوس تحضيرا للحفل يصف لبنان بأنه «قطعة من الجنة». وقال ياني لجمهوره: «مرحبا... مبسوط أن أكون في بيبلوس، وأخيرا ها أنا في لبنان، وللمرة الأولى. لقد أمتعتموني بضيافتكم، واستقبالكم، وحبكم للحياة، وأطباقكم اللذيذة، وسمائكم وشواطئكم. بلدكم رائع وأنتم شعب رائع»، متنقلا بين أورغين اثنين، وضعا في مقابل بعضهما البعض، عازفا عليهما معا، وهو يقود فرقته الموسيقية في وقت واحد، ثم ينتقل إلى البيانو، ليعزف ألحانا أكثر هدوءا ورومانسية، كان ياني يرحل بجمهوره في المقطوعات التي ألفها، من قديمها إلى جديدها وبالعكس.

عزف «سانتوريني» و«تروث أوف توتش» و«كيز تو ايماجيناشن» حيث تحاور الكمان والفيولونسيل كما لو أن الآلتين تتناجيان طربا.

وقبل أن يعزف «فليتسا»، أخبر الحاضرين عن حبه لهذه المقطوعة التي كتبها باكرا، والتي تحمل اسم والدته، مقطوعة ناعمة هادئة، سرعان ما تبعها بأخرى تحمل اسم «فوياج» أو «سفر» ومن ثم «أند أوف أوغست» أو «نهاية أغسطس» التي صدرت في آخر ألبوماته، مع «نايتنغايل» التي رافقته فيها المغنية لورن، فيما الموسيقى هي أشبه بزقزقة عصافير تنعش الآذان.

عزف ياني لساعتين متواصلتين دون استراحة، وكأنه قادر على الاستمرار إلى ما لا نهاية. في القسم الأخير من حفله، ترك لموسيقيه أن يفجروا مهاراتهم، في استعراض لقدرات الآلات وحنكة العازفين، جاء مبهرا. عازف الدرامز تشارلي آدمز، أدى ما يقارب 7 دقائق من العزف المجنون والمكهرب على آلته الإيقاعية دون توقف، وكلما ظن الجمهور أنه تعب وسكن، بدا وكأنه يتحداهم، ولمزيد من التحدي، بقي يعزف برجليه وهو يحتسي شرابا بإحدى يديه. عزف على القيثارة، أمتع الجمهور أيضا، وفيكتور اسبينولا الذي لم يكن أقل مهارة، فقد عزف على آلته وهو يحملها ويلوح بها عاليا، فيما الجمهور يصفق بحرارة. كانت لافتة عازفة الكمان ماري سيمبسون التي أبدعت تكرارا، وأطربت مستمعيها مرارا، وكذلك عازف الكمان الآخر الأرمني صموئيل يرفينيان.

مع موسيقى وغناء «نيكي نانا» كاد ينتهي الحفل، لكن وعلى وقع تصفيق الجمهور عاد ياني، وعزف «ستانينغ إن موشن» و«نوستالجيا» ليختم بمقطوعته الأخيرة والجميلة «ستورم» أو «الإعصار».

المهرجانات مستمرة، في كل المناطق، الحفل المقبل في جبيل مع «نايت ويش» حيث الحجوزات عالية والأماكن باتت محدودة، وفي بيت الدين كاظم الساهر يومي 4 و5 يوليو (تموز)، وفي مهرجانات جونية يغني ميكا يوم 2 يوليو. فيما يؤجل افتتاح «مهرجانات بعلبك» إلى 17 يوليو مع مريان فيثفول، علما بأنه رغم الظروف الصعبة بيعت بطاقات كثيرة لغاية اللحظة لحفلات هذا المهرجان، وسيتمكن مشتروها من استخدامها في المكان الذي نقلت إليه في بيروت. أما حفل عاصي الحلاني، فبمقدور من اشتروا البطاقات استرداد ثمن تذاكرهم.

جدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تجبر فيها الظروف القاهرة مهرجانات بعلبك التي تأسست عام 1956 على التغيير أو الإلغاء للتأقلم مع الظروف. فقد سبق لهذه المهرجانات أن علقت أعمالها خلال الحرب الأهلية، كما نقلت مسرحية لفيروز، عام 2006 بسبب الحرب الإسرائيلية على لبنان من بعلبك إلى بيروت، وقدمت في الشتاء بدلا من الصيف.