مسلسل درامي يحقق شهرة كبيرة بين الطبقة الوسطى في باكستان

الأكثر نجاحا خلال الأعوام العشرة الماضية ويتابعه الملايين

TT

عادة ما تنجذب العائلات الباكستانية من الطبقة الوسطى للمسلسلات التي تتناول قصة حياة شخص يكافح من أجل تحقيق الاستقرار المالي والوصول لمكانة مرموقة في مجتمع غير مستقر من الناحية الاجتماعية. ومن هذا المنظور، يعد مسلسل «الحياة عبارة عن حديقة» مثاليا لعائلات الطبقة الوسطى التي تشكل السواد الأعظم من مشاهدي القنوات الترفيهية في باكستان.

والمسلسل مأخوذ عن رواية بنفس الاسم للروائية الباكستانية الشهيرة عميرة أحمد، والتي تتناول حياة شخصيتين متناقضتين تماما، وهما كاشاف وزارون، اللذين بدأت علاقتهما بكره شديد، ثم سرعان ما تحولت إلى حب وانتهت بالزواج. وتقول سناء حميد بابا، وهي كاتبة رأي في إحدى الصحف المحلية: «في البداية، يبدو أن لقاء كاشاف وزارون محاكاة للقاء إليزابيث بينيت ودراسي لأول مرة في قصة الكبرياء والتحامل للكاتبة البريطانية جين أوستن، وهو ما يعد أمرا لا يقاوم بالنسبة لأي سيدة، ثم سرعان ما يقع الطرفان في قصة حب».

وقال الناقد السينمائي ساردار شهاب: «تتكون الطبقة الوسطى في باكستان من نحو 30 مليون شخص، ونجاح القنوات الخاصة في جذب هذه الفئة الكبيرة من المجتمع يعني الحصول على عائدات ضخمة».

وتدور قصة: «الحياة عبارة عن حديقة» عن فتاة قادمة من بيئة فقيرة للغاية ولكنها تمتلك موهبة كبيرة. وخلال دراستها الجامعية، تقع تلك الفتاة في قصة حب مع شاب من أسرة ثرية، ومن هنا تبدأ الدراما التي تدور حول موضوع الصراع الطبقي. وتتمتع تلك الفتاة بشخصية قوية تتملق الطبقة الغنية. وفي النهاية، تتزوج تلك الفتاة بهذا الشاب الثري، وتبدأ الخلافات بسبب انتمائهما لطبقات اجتماعية مختلفة. وتلقي القصة الضوء على السياسة، حيث ينجح كل من الفتاة والشاب في اجتياز اختبارات الخدمة المدنية ويصبحا موظفين حكوميين بارزين. وقد لاقت هذه القصة نجاحا كبيرا في باكستان، لأنها تعكس ما يحدث في المجتمع الباكستاني الذي يحاول فيه الشباب من الطبقة المتوسطة تحسين وضعه والوصول إلى مكانة مرموقة في المجتمع.

وكاشاف هي فتاة متوسطة المظهر تنتمي للطبقة الوسطى، وهي الابنة الأكبر لسيدة تعمل مديرة لإحدى المدارس الحكومية وترعى ثلاث بنات، على الرغم من مرضها الشديد. ودائما ما تحتفظ الأم بتفاؤلها على الرغم من المصاعب الكثيرة التي تواجهها منذ انفصالها عن زوجها الذي فضل عليها سيدة غير متعلمة لأنها لم تستطع أن تنجب له الولد الذي يريده.

وتعهدت كاشاف أن تعيد لوالدتها الكبرياء الذي فقدته وأن تحسن وضعها المالي عن طريق الحصول على منحة دراسية في إحدى الجامعات المرموقة. وتقول سناء حميد بابا: «شخصية كاشاف ليست بالسهولة التي تبدو عليها. لقد ظلت سنوات تنتظر غدا أفضل، ولكنها فقدت الأمل في النهاية. لا يمكنني أن أدعي أنها متشائمة، ولكنها تتبنى مبدأ العدمية وتنتظر أن يبدأ يومها وينتهي دون أي تغيير».

وبالنسبة للاعتقاد الديني، فكاشاف تؤمن بأن الأشياء الجيدة دائما ما تأتي لأولئك الذين ينتظرون. وخلال دراستها للماجستير في إدارة الأعمال، تلتقي كاشاف بزارون الذي يأتي على النقيض تماما معها من حيث الطابع والطبقة الاجتماعية. ويتمتع زارون بكل شيء تحلم به أي فتاة، فهو حسن المظهر وثري ومشهور. وعلى الرغم من نشأته في عائلة ليبرالية نخبوية، إلا أن عقليته محافظة على ما يبدو. تحقق كاشاف الكثير من الإنجازات واحدا تلو الآخر، وتصبح مسؤولة حكومية بارزة.

وقال أحد مديري قناة «إتش يو إم تي في» التي تعرض المسلسل: «هذا المسلسل هو الأكثر نجاحا خلال العشرة أعوام الماضية. ووفقا لاستطلاع الرأي الذي أجريناه، وصل عدد متابعي هذا المسلسل إلى 10 ملايين شخص في المدن الباكستانية الكبرى».

ويحظى هذا المسلسل بشعبية جارفة في الطبقة المتوسطة، وخير دليل على ذلك أنه عندما أعلن رئيس الوزراء المؤقت عن إلقاء كلمة للأمة في وقت الذروة يوم الجمعة (وهو نفس توقيت عرض المسلسل)، أرسل الشباب الكثير من الرسائل عبر موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي لرئيس الوزراء تحثه على تغيير موعد هذه الكلمة المهمة.

وقد اختلف الخبراء والمحللون الإعلاميون حول أسباب نجاح هذا المسلسل بهذا الشكل الكبير، ولكن النظرية الأكثر قبولا ترى أن نجاح المسلسل يعود في الأساس إلى تركيزه على الطبقة الوسطى، التي بدأ معظمها يلتحق بالجامعات الباكستانية خلال العشر سنوات الماضية، مع الوضع في الاعتبار قلقهم على مستقبلهم بعد التخرج في الجامعة وقلقهم من شبح البطالة التي يهدد الكثير منهم. ويقول ساردار شهاب مصطفى، وهو ناقد فني من إسلام آباد: «أعتقد أن الطبقة الوسطى الباكستانية ترى في كاشاف مثالا يحتذى به، فعلى الرغم من انتمائها للطبقة المتوسطة، إلا أنها تحقق نجاحات كبيرة».

ويتمثل السبب الثاني، في النجاح الساحق لهذا المسلسل في حقيقة أن المجتمع الباكستاني قد أصبح محافظا بصورة أكبر خلال السنوات القليلة الماضية، ولا سيما الطبقة الوسطى التي لا تحب نمط الحياة الليبرالية للطبقة الغنية في باكستان. ومع ذلك، تحب الطبقة الوسطى أيضا زارون لأنه ما زال محافظا مثلهم، على الرغم من أنه ينتمي لأسرة ثرية. وأصبح الجمهور الباكستاني يعشق الفنانة سانام سعيد، التي تجسد دور كاشاف، والفنان فؤاد خان، الذي يجسد شخصية زارون، منذ عرض المسلسل قبل نحو شهرين.