متحف بغداد ينفرد بسرد حياة سكانها وطقوسهم عبر التماثيل المتحركة

تلقى عرضا لتوأمته مع المتاحف الأميركية ورغبات لتسجيله ضمن المتاحف العالمية

TT

شخصيات وطقوس ومهن بغدادية معروفة، ترافقها مشاهد تمثيلية بمؤثرات صورية جديدة، هي أبرز معالم المتحف البغدادي للفلكلور الشعبي بحلته الجديدة والكائن على ضفاف نهر دجلة قرب المدرسة المستنصرية، وهو يحاكي آمال زائريه وتمنياتهم بعودة زمن وصفوه بـ«الجميل» قياسا بما يعانونه اليوم من اضطراب الأوضاع السياسية وتعقد الحياة الاجتماعية ونقص كبير في الخدمات.

وشهد المتحف البغدادي إنجاز عمليات تأهيله وتحديثه ليكون مناسبا للزوار واستقبال الوفود للاطلاع على معالم بغداد التراثية وأنماط حياتهم القديمة بكل عاداتها وطقوسها وثقافاتها الشعبية من خلال مجسمات شمعية وتفاصيل فنية مختلفة تجسد الشكل والحركة والألوان أبدعها فنانون عراقيون صنعوا تماثيل الشخصيات بلغة ذات صلة بالموروث الشعبي والتراثي. وقد كان أغلق أبوابه إبان أحداث عام 2003 خوفا على محتوياته من السرقة والعبث، ليعاد افتتاحه من جديد في أغسطس (آب) عام 2008، ليغلق مرة أخرى ستة أشهر لأجل إنجاز عمليات صيانته النهائية.

والمفاجأة التي شهدها المتحف البغدادي، هذه المرة، هي إضافة التماثيل المتحركة التي تتفاعل مع اقتراب الزائرين منها، إضافة إلى إصدارها الأصوات باللكنة البغدادية فيبدو المشهد متكاملا مع بقية مداخل ومخارج المتحف التي زينت بالخشب المنقوش بالزخارف والشناشيل البغدادية المعروفة.

يقول باسم العنزي مدير المتحف، لـ«الشرق الأوسط»: «يضم المتحف البغدادي اليوم 385 تمثالا من الشمع تتوزع على 77 مشهدا، يضاف إلى ذلك كل المواد والمستلزمات والحاجيات والإكسسوارات التي يحتاجها المشهد البغدادي وبالشكل الذي يبدو متكاملا ومقنعا أيضا».

وأضاف: «زارنا مؤخرا وفد من السفارة الأميركية، ولإعجابه بما رأى عرض توأمة متحفنا مع أحد المتاحف الأميركية لتبادل الخبرات وتعريف الأجيال بإرث البلاد من خلال الجاليات. وهمنا الآن أن نسجل المتحف البغدادي ضمن متاحف العالم». وتابع العنزي بالقول: «خصصت قاعات جديدة للهدايا والصور واللوحات الزيتية وقاعة الوفود، التي يتم فيها استضافة الوفود الزائرة للمتحف، فضلا عن إضافة قاعة لعرض منسوجات كانت في السابق تحاك يدويا عبر آلة قديمة يطلق عليها اسم (الجومة)، وقاعة (صوم زكريا) التي تجسد طقسا دينيا لا يزال كثير من العائلات العراقية تمارسه لغاية الآن، كما خضعت مكتبة المتحف، التي تحتوي على أكثر من 4000 كتاب تبحث في تاريخ مدينة بغداد وأعلامها ورموزها، للتطوير والتحديث أيضا».

افتتح المتحف البغدادي مطلع عام 1970 بموقعه الحالي على ضفاف نهر دجلة قرب المدرسة المستنصرية، وتعد بنايته من المباني القديمة في بغداد، حيث يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1869 في العهد العثماني، واستخدمت أولا مطبعة لولاية بغداد أيام حكم الوالي مدحت باشا، وفي عام 1985 جرت عليها عملية تطوير كبرى شملت كل أرجاء المتحف تعلقت بالأعمال الإنشائية وإنشاء الزقاق البغدادي الذي ضم 39 مشهدا جديدا انتشرت فيما بينها مائة وسبعة شخصيات لم تكن موجودة سابقا. كما يضم المتحف مجموعة من اللوحات الفنية لعدد من الفنانين العراقيين الرواد أمثال المرحوم حافظ الدروبي والمرحوم فرج عبو وفنانين آخرين من أجيال لاحقة أمثال الفنان سعد الطائي وماهود أحمد وصلاح جياد ونعمان هادي ومحمد مهر الدين وطالب العلاق وفريد أسعد وميسر القاضلي وإبراهيم الكمالي وشاكر الشاوي وجودت حسيب ووليد شيت وكنعان هادي وعقيل الألوسي وعلاء الشبلي ومحيي خليفة.

ويتذكر بغداديون، خصوصا كبار السن لدى ارتيادهم المتحف، حياتهم القديمة وتقاليدهم التي اندثر كثير منها خصوصا تقاليد الأعراس والمناسبات الدينية والتربوية، كما يقصدها الشباب للتعرف على ماضي بغداد وأهم معالمها، لكنهم شكوا من إغلاق أبواب المتحف في أيام العطل والمناسبات، واقتصار افتتاحه على أوقات الدوام الرسمي. يقول المواطن أمير أحمد (34 عاما): «استمتعت بموجودات المتحف وأجوائه الساحرة، فهو يصور لك حكايات أهلنا في الماضي، ونتمنى تمديد فتح أبوابه في العطل كي يتنسى لكثيرين ارتياده».

وعن المشاريع المستقبلية للمتحف، يقول الفنان علاء الشبلي المشرف الفني على تطوير المتحف البغدادي والمسؤول المباشر عن شعبة النحت فيه: «في النية إضافة مشاهد جديدة منها العلابيات والعرضحالجي ولعبة الطمة وغيرها، كما أن المشهد الحسيني من بين المشاهد الجديدة للمتحف، وتم تحضير سيناريو خاص للمشهد الحسيني في جانبيه؛ النسوي، والرجالي، وتهيئته بإقامة مشهد يضم مواكب التعزية في ذكرى واقعة الطف، وسيأخذ هذا المشهد التاريخي المهم مكانه بعد إنجازه بين المشاهد التراثية الأخرى».

وأضاف: «ولعل أبرز محتويات المتحف هو إذاعته، التي تحول محتويات المتحف إلى مفردات تشبه الحقيقة تماما. وتعود فكرة الإذاعة إلى الفنان الراحل فخري الزبيدي، الذي انتبه إلى أن الصمت يخيم على المتحف خصوصا المشاهد التراثية (كالقصة خون، وزكريا، والمولد النبوي الشريف، والجالغي البغدادي، والملا والصبيان، وغيرها من المشاهد الأخرى) فقرر تكليف أحد الموظفين في العلاقات والإعلام بإضافة المسامع الصوتية والتمثيلية لهذه المشاهد بالاستعانة ببعض التسجيلات الصوتية وبالتعاون مع أحد المهندسين الإذاعيين وهو السيد ناجي صالح قاسم. وتضم الإذاعة حاليا بين مقتنياتها نوادر من المسامع الصوتية والأغاني التراثية النادرة التي تعكس جانبا من ذلك الإرث الفولكلوري والتراثي البغدادي العريق».

وشكا الشبلي، في ختام حديثه من قلة العاملين في المتحف، بسبب قلة الأجور، وتواضع إمكانات الورشات الفنية الخاصة بأعمال الصيانة، وقلة خبرات العاملين فيها وحاجتهم للاطلاع على التجارب المتقدمة في هذا المجال، إضافة إلى حاجة المتحف لكثير من التجهيزات والمرافق الخدمية الأخرى كتوفير المولدات الكهربائية، وبناء قاعات للاستراحة والمطاعم والكافتيريات، والمياه الصالحة للشرب».