استرجاع التاريخ الأسود لتجارة العبيد في هولندا

عرض تفاعلي في متحف التاريخ البحري لأسوأ مأساة إنسانية

عرض تفاعلي
TT

في الأول من يناير (كانون الثاني) عام 1738 واجهت سفينة العبيد، التابعة لشركة «ليوسدن»، شركة الهند الغربية الهولندية، التي كانت تحمل قرابة 700 من العبيد الأفارقة ما بين رجال ونساء وأطفال، تم جلبهم مما يعرف بدولة سورينام الحالية، عاصفة عاتية. وخوفا من أن يتدافع الأسرى إلى قوارب النجاة القليلة، أصدر ربان السفينة أوامره إلى الطاقم بإغلاق أماكن احتجاز العبيد والإبقاء عليهم داخل السفينة.

تسببت هذه الكارثة في وفاة ستمائة وأربعة وستين شخصا اختناقا أو غرقا خلال غرق القارب في نهر ماروني، ونجا الطاقم، الذي ارتكب بحسب المؤرخ ليو بالاي أفدح مأساة من نوعها في مجال تجارة العبيد في المحيط الأطلسي. فقد فاقت حصيلة القتلى خمسة أضعاف الكارثة التي تلتها، عام 1781، التي راح ضحيتها 132 عبدا على متن سفينة «زونغ»، البريطانية التي كانت تنقل العبيد من أفريقيا إلى جامايكا، والذين ألقوا من على ظهر السفينة بسبب أموال التأمين.

وقال بالاي «قصة (ليوسدن) لم يتم التعرض لها على الإطلاق في هولندا. كانت أكبر عملية قتل في تاريخ تجارة العبيد، لكن أحدا لم يتكلم عنها على الإطلاق».

لكن هذه الكارثة تحولت حاليا إلى مادة للعرض في متحف شيبفارت، متحف التاريخ البحري، في هولندا. أقام هذا المعرض التفاعلي مصمم ديكور مسرحي، حاول جاهدا أن يعرض تجربة الاحتجاز داخل السفينة. يبدأ المعرض أسفل سطح السفينة، ثم ينقل زوار المتحف بعد ذلك إلى السطح للقاء قبطان السفينة والآخرين الذين استفادوا من تجارة العبيد.

أثناء وجودهم في غرف الاحتجاز المظلمة، يسمع الزوار أصواتا خائفة تريد معرفة الوجهة التي سيتجهون إليها، والسبب في أسرهم. كانت العلامات الورقية تتدلى من السقف، ودونت عليها أسماء وأعمار وتواريخ أسر الأفارقة على سطح السفينة - معلومات من أرشيف شركة الهند الغربية. وفي الغرفة الأخيرة كانت هذه الأسماء تبدو كشواهد قبور، بصورة لأشخاص حقيقيين بدلا من التواريخ، لنقل الحقيقة إلى البشرية جمعاء.

وقال ريملت دالادير، أمين متحف شيبفارت «الفكرة التي أردنا عرضها للناس هي تقديم شرح شامل لتفاصيل عملية تجارة العبيد خاصة مصير الأفراد على سطح (ليوسدن). حاولنا جعل الأمر أشبه بالطب الشرعي، بأن نبدأ البحث عن (ليوسدن) ثم نحقق في الأمر كجريمة».

يقوم هذا المعرض على أطروحة الدكتوراه التي قدمها بالاي، وهو الهولندي من أصل سورينامي الذي كان أسلافه من العبيد. وأضاف دالادير «إذا نظرتم إلى قائمة كوارث الشحن في التاريخ الهولندي، لن تجد لهذه الكارثة أثرا، فلم يكن ينظر إليها على أنها تشكل أهمية. فقد كانوا يرون الخسارة الكبيرة هي المال، ولكن لم يتطرق إلى ذهن أحدهم أن تلك كانت خسارة كبيرة في الأرواح البشرية. ولم يتعرض أحد للعقاب، بل إن بعضا من أفراد الطاقم نالوا مكافأة لأنهم تمكنوا من الحفاظ على صندوق من الذهب كان في السفينة».

يتزامن المعرض مع الاحتفال بالذكرى السنوية الـ150 لإلغاء الرق في المستعمرات الهولندية. وعلى الرغم من أن العبيد لم ينقلوا أبدا إلى هولندا، فإن التجار الهولنديين لعبوا دورا مهما بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر في شراء العبيد في الموانئ على طول الساحل الغربي لأفريقيا وشحنهم إلى مستعمرات هولندا في منطقة البحر الكاريبي ثم إلى الأميركتين.

وفي الوقت الذي يحيي فيه الهولنديون هذه الذكرى، يقول البعض إن بلادهم لم تقدم اعترافا كافيا بالدور الذي لعبته في هذه التجارة. وخلال السنوات الخمس الماضية طالبت عدة منظمات سورينامية وغيرها ممن ينوبون عن أبناء المستعمرات الهولندية السابقة الحكومة بالاعتذار رسميا، من بينهم المؤرخ ساندو هيرا، الذي قال الأسبوع الماضي «إن الهولنديين يمجدون القرن السابع عشر ويطلقون عليه العصر الذهبي، لكن هذا القرن شهد اختطاف مئات الآلاف من الأفراد من أفريقيا وتعذيبهم وإجبارهم على العمل مجانا في المستعمرات، في ما نطلق عليه الآن معسكرات العمل القسري».

كان الكثيرون قد تمنوا أن يصدر فيلهم ألكسندر، ملك هولندا الجديد، اعتذار رسميا. لكن لودفيك آشر، نائب رئيس الوزراء، ألقى كلمة الاحتفال يوم الاثنين، قال فيها «أقف هنا اليوم باسم الحكومة الهولندية، أتذكر وصمة العار هذه في تاريخنا. أتذكرها ويعتريني فيها شعور كبير بالندم».

وفي الثالث عشر من يوليو (تموز) أصدر مجلس الكنائس اعتذارا رسميا عن العبودية، التي وصفها الأمين العام كلاس فان دير كامب «بالهولوكوست الأسود».

وبالنسبة لسفينة العبيد «ليوسدن»، سيتواصل التجسس التاريخي، وعلى الرغم من وجود الكثير من الأدلة التاريخية بشأن تاريخها في الأرشيف فإنه لا يوجد نموذج للسفينة ولا توجد خطط بناء ومواد مملوكة للطاقم.

ولمواصلة بحثه سيسافر بالاي إلى سورينام هذا الصيف مع عدد من علماء الآثار البحرية للبحث عن الحطام. وقال «نأمل أن نعثر على شيء ما أو بعض المواد لأنه من المهم للغاية أن نعرف كيف بنيت السفينة، التي كانت أيضا قبرا جماعيا، دفن فيه 664 شخصا أحياء.

* خدمة «نيويورك تايمز»