افتتاح معرض «الفنون الإسلامية» في غاليري «آرا» بدبي

يشمل خطوطا بغدادية وعثمانية وإيرانية من دون إهمال فنون الزخرفة والمنمنمات

الشيخ ماجد بن محمد يفتتح معرض الفنون الإسلامية في دبي
TT

افتتح معرض «فنون إسلامية» بصالة العرض الفنية «آرا»، بمشاركة اثني عشر خطاطا وخطاطة قدموا 38 لوحة وذلك بالتعاون مع مركز دبي لفن الخط العربي. افتتح المعرض يوم الخميس رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم.

فاطمة البقالي، مسؤولة المشاريع بمركز دبي لفن الخط العربي في تعليقها على المعرض، قالت: «يحرص مركز دبي لفن الخط العربي على التعاون المستمر مع صالات العرض الفنية والجهات المنظمة لمثل هذه المعارض. وقد اختيرت تسمية المعرض (فنون إسلامية) لكون اللوحات المشاركة فيه تأخذ الطابع الإسلامي من خلال الآيات القرآنية التي تمت كتابتها والزخارف الإسلامية التي احتفت بها، بالإضافة لكونه متزامنا مع الكثير من المناسبات الدينية كالإسراء والمعراج وشهر رمضان المبارك».

ويشتمل المعرض على لوحات لثلاث حروفيات إماراتيات وحروفيين عرب من العراق وسوريا وفلسطين ولبنان والسودان وحروفيين اثنين من إيران لم يتجاوزوا جميعا الأربعين من أعمارهم، قدّموا أعمالا حديثة.

إيمان البستكي (الإمارات) تقدم لوحتها «زخرفة دائرية ناعمة» وهي زخرفة ذهب، وألوان كواش، على ورق مقهر، تعتمد في إبداعها للوحة على الزخارف الإسلامية التي تألقت في العصور الإسلامية المزدهرة. أما فاطمة سعيد البقالي (الإمارات)، تقدم في لوحتها «صلوات النبي الأكرم» بخط الجلي الديواني، رؤية تتميز بالدقة والاستقامة في الخطوط. ماجد محمد (الإمارات) يقدم لوحته «نص قرآني» بخط الجلي الثلث، وهو يسعى إلى الخروج من تأثيرات أساتذته عليه، ليقدم لوحة دقيقة في التصميم، مازجا بين الأسلوب التقليدي والحديث. نرجس نور الدين (الإمارات) تقدم لوحتها «مليون» بخط الجلي الديواني الحر، وألوان الأكليريك، تستخدم تدرج الألوان من أجل إعطاء الحروف، بعدها الفني بمهارة عالية. شارك في المعرض أيضا كل من تاج السر حسن وعبد الرزاق محمود، وعدي الأعرجي وماجد اليوسف ومحمد رضا هنرور ومحمد عبد ربه علان ومريم غلامي، وموفق بصل ونرجس نور الدين ووسام شوكت.

وتنوعت رؤى الخطاطين والخطاطات كل حسب تذوقه ورؤيته عن الخط، عبد الرزاق محمود (سوريا) يركز على البسملة، المكتوبة بالخط الديواني الجلي، وهو حبر على ورق يدوي، وما تتضمنه من جماليات خطية وزخرفية أبدع فيها كثير من الخطاطين. ومريم غلام (إيران) في لوحتها «زخرفة نباتية» تلجأ إلى طراز المنمنمات، وهي متأثرة بصناعة السجاد، وفن التذهيب، وتأخذ الزهور مكانة هامة في لوحتها.

محمد رضا هنرور (إيران) يقدم لوحته وهي عبارة عن سورة الفاتحة ولكن بشكل زخرفة نباتية تقليدية، يعتمد على تصميم القماش والتذهيب والزخرفة. أما موفق بصل (لبنان) فيقدم لوحته «أفضل الإيمان الصبر والسماحة» وهو يعتمد على الخط الحديث الحر، ويستخدم الألوان التي تجسد الحروف بشكل واضح. محمد عبد ربه علان (فلسطين) يقدم لوحته «القلب مصحف البصر»، مستخدما خط الرقعة، من خلال تشكيل الحروف الصغيرة والكبيرة في أفق اللوحة، مما يقدم الكتلة والفراغ بشكل فني متوازن.

تاج السر حسن (السودان) يقدم لوحته «من شعر أبي الفتح البستي»، مستخدما الخط الكوفي الحديث، من خلال الحبر على الورق، ويجسد الحروف باعتبارها شبكة من الكتل الممزوجة، فليس هناك في لوحته سوى الأخضر والأسود من الحبر على الورق، وبدرجة ما في حروفية نرجس نور الدين عبر لوحة «مليون»، حيث الاكريلك البني بدرجات مختلفة وغير مشبعة.

تأثرت معظم الأعمال الخطية باللوحة العربية المعاصرة، وما وصلت إليه الحروفية العربية من تطور على مدى أكثر من خمسين عاما، سواء في الأسلوب أو اللون أو جماليات الحرف العربي، وصياغاته التشكيلية والتعبيرية إذ تغلب النصوص الدينية التي غالبا ما تكون مكرورة من قبل فنانين كثيرين وفي أزمنة مختلفة. وهي مفردات تعاملت معها اللوحة منذ ظهور الحروفية ولحد الآن. والأعمال المعروضة حاليا ما هي إلا استمرارية لكل ما أنجزته اللوحة الحروفية العربية. وفي هذا الصدد، هناك تراكم تجارب الرواد الذين مهدوا الطريق إلى تأسيس هذا الفن وجمالياته المثيرة، وخاصة ما كرسه الخطاطون العرب والمسلمون لخط آيات القرآن الكريم ضمن المواصفات الكلاسيكية منذ نشوء هذا الفن وأخذه مساحة كبيرة من الاهتمام على الساحة العربية والإسلامية. ذلك يعني أن الغالبية من هؤلاء الخطاطين هم حروفيون أو تبنوا هذا المنهج التقليدي، وهذا نتاج تراث عربي وإسلامي قائم وراسخ في ثقافتنا العربية. ويبقى ما يميز هؤلاء الفنانين هو استخدام الأساليب المتنوعة وتطور التقنيات التي زخرت بها الحروفية منذ نشوئها حتى الوقت الحاضر.

ولكن الحروفية التي ترسخت في اللوحة العربية المعاصرة قد تجابه مشكلة الخروج من هذا الإطار الذي يشبه إلى حد ما السجن الذي خلقه الخطاطون لأنفسهم، والخشية من الوقوع في الزخرفية الخالصة التي من شأنها أن تحيل الفن إلى عمل رتيب، بإيقاعات ثابتة.

إن إبداعات هؤلاء الخطاطين المشاركين في هذا المعرض تشير إلى أن هناك طاقة فنية كبيرة لا تزال تتحرك في أعماقهم ولكنها تبقى سجينة التراث المتراكم من فن الخط العربي والحروفية بحيث بتنا نرى اللوحات ذاتها تتكرر ولكن بأشكال متنوعة. فلا بد من الانفتاح على الحداثة والخروج من تأثيرات اللوحة العربية المعاصرة على الخط العربي. وبتنا لا نفرق ببن اللوحات الحروفية واللوحات المعاصرة، أو بين الرسم والخط، رغم ما يربطها من وشائج متماسكة.

ويعمد بعض الخطاطين إلى الخروج عن اللوحة التقليدية إلى التجريدية، وهي المنفذ الذي يخرج منه الخطاطون إلى العوالم الرحبة للوحة المعاصرة بكل تجديداتها، مع الحفاظ على جماليات الخط العربي. وكما أسلفنا قبل قليل، إن التقوقع ضمن الحروفية من شانه أن يحدد الفنان المبدع، فيما يتنازعه تياران، هما التقليدي والحداثي.

تبقى أعمال المعرض الحالي تجسد اتجاهات متنوعة في الحروفية، وتتأرجح في قوة التنفيذ والحرفية العالية ضمن مهارة السيطرة على رسم الحرف بدقة وصرامة.

إن معظم اللوحات الخطيّة، إن لم يكن جميعها تستوحي مناخاتها الروحانية من الآيات القرآنية الكريمة، أو عبارات مختارة من الأدب العربي، من خلال استفادتها من جماليات الحرف العربي، والزخرفة الإسلامية، في صياغة فنية إبداعية جديدة، تتوافق مع رؤية العصر. تتوفر اللوحات الخطيّة على زخارف إسلامية تقدم منظورا جماليا في أبعاده التي تتناسب مع شهر رمضان المبارك الذي يضفي على هذه الأعمال روحانيات إضافية يمكن تلمسها في تفاصيل اللوحات وآفاقها.

ومما لا شك فيه أن اللوحات الخطية في مجموعها، تبدو وكأنها تعمل على تنويعات مختلفة من خلال استخدام الحرف العربي، جوهر الخط، ومركز ثقل هذا المعرض الذي يبدو معرضا جماعيا وشخصيا في آن واحد، لأن التميز واضح عند كل خطاط، رغم اشتراكهم في أرضية واحدة هي الحرف العربي.

من خلال جولتنا في أروقة هذا المعرض الهام، تتجلى حقيقة أن اللوحات المعروضة، تسعى إلى تجسيد جماليات الخط العربي من الثلث والنسخ إلى الجلي ديواني والتعليق، والزخارف المذهبة وجماليات اللون عبر رؤية عصرية، ما يجعلها تجمع الحرف العربي وخطوطه من الألف إلى الياء، مستشرفة في ذلك آفاق الخط العربي وإمكاناته اللامتناهية في الإبداع، بفضل فرادة اللغة العربية وتميزها كلغة القرآن من بين جميع لغات العالم.

وأخيرا، يتميز المعرض الحالي بأنه يضم جميع أنواع الخطوط باعتبارها واجهة للفنون الإسلامية، من بغدادية وعثمانية وإيرانية، دون إهمال فنون: الزخرفة والمنمنمات. وهنا تتفاعل الحروف بهذين الفنين الرائدين في العالمين العربي والإسلامي. ويستمر عرض أعماله حتى نهاية 31 أغسطس (آب) المقبل.