«زجاج السيارات الداكن».. أساسيات «التشبيح اللبناني»

تستخدم للممارسات غير الأخلاقية وقوى الأمن تطلق حملة لإزالتها

ارتكاب الجرائم كان وراء اتخاذ وزارة الداخلية اللبنانية قرار ضبط هذه المخالفات وبالتالي ضبط الأمن
TT

يدخل زجاج السيارة الداكن أو ما يعرف بالـ«فوميه» ضمن أساسيات «التشبيح اللبناني» المنتشر بشكل كبير وبطريقة غير قانونية، وإن كان يظهر بشكل أكبر في بعض المناطق التي لا تطالها الدوريات الأمنية. «التشبيح» هذا وإن كان لا يقتصر على فئة دون أخرى، فهو يجذب الشباب بشكل خاص، لأسباب مختلفة ترتكز بشكل أساسي على التباهي والاستعراض. وهذا ما يشير إليه محمد (21 عاما)، بصراحة، مميزا بين مغامراته «الداخلية» في مناطق الجنوب، والخارجية في المدن، قائلا «مما لا شك فيه أن الزجاج الداكن هو ضمن قواعد التشبيح الشبابي، والتباهي به بين الأصدقاء، كما أنّها تساعدني في عدم إظهار هوية الفتاة التي تكون موجودة معي في داخل السيارة. لذا وكي لا أضطر إلى إزالته أو دفع غرامة مالية تزيد على 30 دولارا أميركيا، إضافة إلى أجرة إزالته التي تبلغ نحو 50 دولارا، أحرص على استخدام سيارتي في القرى الجنوبية التي لا يوجد فيها مراكز أو حواجز أمنية، بينما أستعين بسيارة والدتي ذات الزجاج العادي للتنقل في المدن التي تشملها هذه الحملة».

هذه الأسباب وغيرها ولا سيما ارتكاب الجرائم التي تزيد وتيرتها في الفترة الأخيرة في لبنان، كانت وراء اتخاذ وزارة الداخلية اللبنانية قرار ضبط هذه المخالفات، وبالتالي ضبط الأمن، قدر الإمكان. وبدأت القوى الأمنية بحملة إزالة الزجاج الداكن، بداية شهر يوليو (تموز) الحالي وقد وصل عدد محاضر الضبط، لغاية اليوم، أكثر من 1250، بحسب ما أكد مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط».

مع العلم، أنّه كان قد سبق قرار وزارة الداخلية الأخير، قرارات أخرى مماثلة، لكنها لم تكن تصمد طويلا، الأمر الذي جعل اللبنانيين لا يأخذون هذه الحملة على محمل الجد، رغم التحذيرات التي سبقت سير مفعول القرار، في بداية الشهر الحالي، داعية إلى نزع الزجاج الداكن غير المرخص. كذلك، فإن تنفيذ قرارات مشابهة كان يخضع بدوره لما يعرف في لبنان بـ«الواسطة» أي التساهل أو الإعفاء من محضر الضبط والغرامة المادية، إذا كان صاحب السيارة مدعوما من جهة سياسية أو أمنية معينة. إذ ليس غريبا مثلا، أن يتراجع رجل الأمن عن قراره، بإزالة الملصق الأسود على الزجاج، أو حتى تمزيق «محضر الضبط»، إثر تلقيه اتصالا من أي شخصية ذات شأن معين، مقربة من المخالف، وهو الأمر الذي يسري طبعا على مختلف أنواع المخالفات، في لبنان. لكن وفي هذا الإطار، يؤكد المصدر الأمني، أن القوى الأمنية تتعامل في حملتها الأخيرة بطريقة واحدة وحازمة مع الجميع من دون أي استثناء، حيال مخالفات الزجاج الداكن في مختلف المناطق، وخير دليل على ذلك، عدد محاضر الضبط الكثيرة الذي سجل خلال أيام قليلة، من دون أن ينفي مواجهة بعض المحاولات على الطريقة اللبنانية، أي «الواسطة»، من قبل عدد من اللبنانيين، لكنها لم تلق آذانا صاغية من العناصر الموكل إليها هذه المهمة، وذلك بناء على أوامر من وزير الداخلية والبلديات.

وفي حين يبدو واضحا أن حملات قمع هذه المخالفات تتركّز على مناطق معينة ولا سيما العاصمة والمدن الكبرى، أكّد المصدر أنّ للقوى الأمنية أولويات لتنفيذ مهامها، بما يتناسب مع أوضاع كل منطقة.

وعما إذا كان هذا القرار يسري على النواب، لفت المصدر إلى أن الوضع الأمني الحالي يمنع تنفيذه على السياسيين وبعض الشخصيات المعرضة للخطر، لكن الأمر يتطلب في الوقت عينه، تقديم طلب إلى لجنة متخصصة في وزارة الداخلية لدراسة الملف، وإعطاء الموافقة عليه وعلى عدد الرخص المطلوبة، وفقا لمعطيات كل شخص وظروفه الأمنية. موضحا أن الحملة تشمل بشكل أساسي من لا يملكون ترخيصا أو من انتهت مهلة هذا الترخيص بناء لقرار وزارة الداخلية.

وفي ظل انتشار ظاهرة بيع هذه الرخص من قبل النواب والشخصيات السياسية والأمنية التي يحق لها الحصول على عدد كبير منها، بأسعار مرتفعة، رفض المصدر إعطاء عدد الرخص المحدد لكل جهة، مشيرا إلى أن هذا الأمر يعود إلى اللجنة المختصة دراسة الملف. وشدّد كذلك، على أنّ أبرز أسباب هذه الحملة انتشار الحوادث الأمنية، لافتا إلى أنّ الجرائم التي تحصل في لبنان يعتمد مرتكبوها على الزجاج الداكن للقيام بجرائمهم، من السرقات والقتل ونقل مطلوبين أو أسلحة إضافة إلى ممارسات منافية للأخلاق، إضافة إلى المحافظة على السلامة المرورية، خاصة أن هذا النوع من الزجاج قد يسبب حوادث سير. وهنا يلفت المصدر إلى أنّه يستثنى من هذه الحملة السيارات ذات الزجاج الداكن إذا تبيّن أن مصدره الشركة المصنعة ولا يمكن إزالته، وهو يكون عادة، مقتصرا على الأبواب الخلفية.

وكانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد أصدرت بيانا أعلنت فيه أنّ «القطاعات المعنية باشرت بحملة لقمع مخالفات السيارات التي تضع على زجاجها عوازل أشعة الشمس - الحاجب للرؤية (فوميه) بعد انتهاء مفاعيل التراخيص الممنوحة من قبل وزارة الداخلية والبلديات، ولهذه الغاية أقامت حواجز ثابتة ومتنقلة في مختلف المناطق»، وأشارت المديرية إلى «تواصل حملتها على الأراضي اللبنانية كافة طالبة من أصحاب الآليات ضرورة إزالة حاجب الرؤية (الفوميه) عن سياراتهم وفقا للقانون».

وفي السياق عينه، كان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال مروان شربل، أشار إلى أنّ قرار الوزارة بعدم إعطاء تراخيص للزجاج الداكن، إلا لضرورات أمنية، أصبح ساري المفعول من بداية الشهر الحالي، على أن يتم ختم المؤسسة التي تعمد إلى لصق الـ«فوميه» على الزجاج من دون ترخيص صادر عن الوزارة، بالشمع الأحمر وإحالة صاحبها إلى النيابة العامة لإجراء المقتضى بحق المخالفين.