جوني ديب يعود إلى الشاشة بحكاية من الغرب الأميركي في فيلم «ذا لون رانجر»

يستعد لجزء خامس من «قراصنة الكاريبي»

جوني ديب
TT

«شاهدت صورة على الإنترنت أوحت لي بالشكل الذي أريد لشخصية تونتو أن تبدو عليه»، يقول جوني ديب في حديث خصّ به نقاد وصحافيي «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» قبل أيام، شارحا سبب اختياره الماكياج والشكل الخارجي الذي يظهر بهما في فيلمه الجديد «ذا لون رانجر»، ويضيف: «أعجبت بفكرة وجود خطّين ملوّنين على الوجه، الأمر الذي ربما يوحي بتعدد الشخصية أو بالانفصام. نظرت إلى شخصية تونتو كما لو كان منقسما إلى أربعة. وكان هناك طير يطير وراءه؛ ففكرت أنه من العظيم أن يكون هذا الطائر محنّطا وموضوعا على رأسه».

الصورة التي يرسمها جوني ديب، والتي سنراها في هذا الفيلم ليست مختلفة كثيرا عن صوره الأخيرة أو المعتادة. لقد سبق له أن حوّل كل دور ممكن إلى استعراض لشخصية من خارج هذا العالم الذي نعرفه. فكّر بشخصيته كقرصان مغامر في سلسلة «قراصنة الكاريبي»، أو بدوره كسفاح في فيلم «سويني تود»، تجد نفسك قادرا على تخيل المدى البعيد الذي يذهب إليه جوني ديب في محاولته التغرب بعيدا عن أي مظهر يذكر المشاهد بأنه أمام جوني ديب.

لكن هذه المحاولة ليست مضمونة النجاح على الإطلاق. المشاهد، من كثرة ما صفعته تلك الشخصيات المتغربة والناشزة، عاد إلى نقطة البداية مع هذا الممثل الذي يبلغ الـ50 من العمر، قضى منها 28 سنة في السينما، فإذا به اعتاد جوني ديب في هذا التغريب، ربما أكثر مما اعتاده في أدواره الأخرى.

المسؤولية (كما يمكن لنا أن نشير) تعود - على الأرجح - إلى ما بثه المخرج تيم بيرتون في عضد جوني ديب من شخصيات. في كل مرة ظهر جوني تحت إدارة تيم (سبع مرات للآن) لعب دورا غريبا في مواصفاته الجسدية والنفسية. هذا بدأ من لقائهما الأول عندما أسند بيرتون إليه بطولة «إدوارد سيزرهاندز» (عن الشاب ذي اليدين المصنوعتين من مقصات) سنة 1990، ثم تأصل بعد ذلك مباشرة عندما قام جوني بتمثيل ثاني أدواره لفيلم من إخراج بيرتون وهو «إد وود» (1994). ومع أن إد وود هو شخصية حقيقية (سينمائي من الخمسينات عُرف بأنه أسوأ مخرج أفلام مر على تاريخ هوليوود)، إلا أن تقديمه كان كاريكاتيريا خالصا. جوني تحرر من الحقيقة، واعتمد على ما قد يجمع بين طريقته في تمثيل الشخصيات والشذوذ السلوكي للشخصية المذكورة. «أحب لعب هذه الشخصيات. أحب الاستعدادات التي أقوم بها قبل التصوير، التحضير النفسي والشكلي للدور. أحب اكتشاف أفكار جديدة وأناس مختلفين». وفي حين يشاركه هذا الحب ممثلون آخرون يغرقون في عملية البحث عن الجديد والمختلف لتقديم الشخصيات حتى ولو كانت حقيقية (من بينهم مثلا أنطوني هوبكنز ودانيال داي - لويس)، فإن أكثرهم سعيا لتحويل الشخصية إلى مادة ساخرة بحد ذاتها (ومن دون أن يسخر منها بالضرورة) هو جوني ديب. على ذلك يعترف: «في صميم روحي، أعلم أن كل هذا لا شيء. أقصد أنه لا يعني أي شيء. إنه بالكاد لمحة في الحياة، أمر عابر لا يحدث إلا في السينما. ولو أن القنابل بدأت تنفجر حولنا الآن لأدركنا سريعا ما هو الأكثر أهمية في الحياة».

* شخصية مطيعة

* تونتو، الشخصية التي يؤديها جوني ديب في جديده «ذا لون رانجر» من ابتداع خيالي تام حدث سنة 1933. هناك اختلاف حول من هو مبتدع الشخصية أهو مالك محطة إذاعية جورج ترندل أو كاتب مغمور اسمه فران ريفز؟ ربما كلاهما، إذ إن الثاني كتب الحلقات التي قدّمها الأول في إذاعته، وشخصية تونتو لم تكن الرئيسة؛ فجوهر المادة (التي يُقال من دون أي تأكيد إنها مستوحاة من الواقع) هو حكاية رجل قانون من تكساس تركه رفاقه جريحا فوق أرض صحراوية، وكاد يموت من جراحه وظمئه إلى أن أنقذ حياته رجل هندي اسمه تونتو. المسلسل الإذاعي انتقل إلى السينما في حلقات مسلسلة منقسمة إلى إنتاجين؛ الأول بعنوان «ذا لون رانجر» سنة 1938، حيث قام بدور رجل القانون لي باول، وبدور الهندي «تشيف ثندربولت»، والثاني بعنوان «ذا لون رانجر يغزو ثانية» (1939) وتألف كل مسلسل من 12 حلقة، مدة كل منها قرابة ربع ساعة، تبث مباشرة قبل الفيلم الرئيس في الصالات.

في عام 1949، تم نقل الرواية إلى التلفزيون، حيث لعب دور الرجل الأبيض كلايتون مور، ولعب شخصية تونتو جاي سيلفرهيلز، الذي هو من هنود المنطقة، وليس رجلا أبيض أسند الدور إليه. سنة 1956 قام ستيوارت هايسلر بإعادة الشخصية إلى الشاشة الكبيرة، وتبعه لسلي سالاندر فقدّم نسخته تحت عنوان «ذا لون رانجر ومدينة الذهب» سنة 1958. بعد غياب التقطت شركة «ديزني» (منتجة الفيلم الحالي) الشخصية، وأسندت إلى المخرج وليام أ. فراكر (الآتي من إدارة التصوير) تحقيق فيلم جيّد، لكنه لم ينل نجاحا بعنوان «أسطورة ذا لون رانجر».

هل شاهد جوني ديب أيا من هذه الأفلام؟ أو هل شاهد المسلسل التلفزيوني نفسه؟

«نعم، شاهدت المسلسل حين كنت فتى صغيرا. لكن حتى في ذلك الحين، وكنت في السادسة أو السابعة من العمر، خامرني السؤال: كيف يحدث أن تونتو مجرد شخص يطيع الأوامر التي يطلقها ذا لون رانجر؟ أحضر لي هذا وافعل هذا.. كيف حصل أنه الشخصية الثانوية بينهما؟ لا أحاول أن أنتقد كاتب الحكايات ولا الممثلين ولا أي أحد، لكني كنت أتساءل دوما عن مثل هذه الأشياء».

الجواب الذي لا بد أن جوني ديب يعرفه هو أن تونتو رسم أساسا ليكون رديفا للشخصية الأولى، ولم يكتب لكي يتساوى معها. في ذلك بعض الجنوح صوب عنصرية النظرة لكن الكتابة وباقي الإنتاجات التي تبعتها أرادت استثمار رجل أبيض في البطولة، ولم تعتبر أن هناك رغبة لدى أحد في مشاهدة ثنائي فعلي تتساوى فيه المهمات والبطولات. كلمة «تونتو» وحدها تعني بالإسبانية «متخلفا» أو «أهبل»… لك أن تتخيل الباقي.

* منبوذ

* بصرف النظر عن حب جوني ديب لتحويل شخصياته إلى احتفاء مظهري مختلف، كان له أن يتدخل للتأكد من أن دوره ليس ثانويا. دور رجل القانون الأبيض يؤديه الممثل آرمي هامر (الذي يثني جوني ديب عليه ويمتدح أداءه)، لكن هذا لا يعني أن تونتو هو مجرد «سنيد البطل»، كما كان يقال عندنا. بل أكثر من ذلك، أراده جوني، كما يقول، شاهدا: «أملت أن يكون تونتو مراقبا لما يدور، ومن خلال مراقبته يصبح أعين وآذان المشاهدين على نحو ما. هذا ما يفسّر أنني عمدت إلى إظهار سخريته مما يدور».

بالفعل، هناك كثير من المشاهد التي تلتقط فيها الكاميرا وجه جوني ديب وهو يكتنز ابتسامة ساخرة، أو يعكس إمارات وجه تدل على الريبة أو السخرية مما يراه. يضيف: «أردت أن أقدم تونتو كما لو كنت أمثل فيلما صامتا. دعنا نقلل من حواره ونمنح تعابيره ملكية سرد القصة. الوجه يسرد معظم القصة، في اعتقادي، العينان تعكسانها. دائما ما صدقت ذلك».

إلى جانب ذلك، يجد جوني أن هناك جانبا مشتركا ربما ساعده في الحماس للفكرة: «تونتو وأنا لدينا عامل مشترك؛ كلانا منبوذ. هو تبعا لتاريخ هوليوود الذي نمّط الشخصيات لأكثر من 100 سنة، وأنا كرجل كنت دائما منبوذا من الجميع في محيطي الاجتماعي. عمليا منذ مولدي، لم أشعر مطلقا بالانتماء في أي مكان عشت فيه. في فترة دراستي لم أكن فردا في أي مجموعة، وحتى الآن لدي هذا الشعور».

جوني يؤكد أنه يشبه شخصياته من ناحية أخرى: «لو أخذت شخصية جاك القرصان وشخصية تونتو مثالا تجدني أتمنى لو كانتا شخصيتين حقيقيتين تعرفت عليهما. أقصد أنني أتمنى لو كنا أصدقاء ومعارف؛ أن أسهر مع جاك مثلا».

هذا ما ينقلنا إلى نبأ يتردد حاليا، وهو أن التوليفة باتت جاهزة لجزء خامس من سلسلة «قراصنة الكاريبي». جوني لا ينفي ذلك: «منذ أسابيع قليلة التقيت والمخرجين اللذين سيقومان بعمل الفيلم (واكيم رونينغ وإسبن سانديبرغ)، ونحن متفقون على الخطة وعلى السيناريو.. هناك بعض التعديلات، لكننا ماضون فعلا في المشروع، وأعتقد أنني سأكون سعيدا بالتمثيل تحت إدارة مخرجين اثنين».

هذه لن تكون المرة الأولى التي يمثل فيها فيلما من إخراج مزدوج؛ ففي عام 2001، لعب بطولة «من الجحيم» للأخوين هيوز. كذلك ليست المرة الأولى التي يمثل فيها دور هندي أحمر. حدث ذلك عندما قام بإخراج فيلم «الشجاع» وبطولته سنة 1997. إنه الفيلم الوحيد الذي أخرجه للآن، وذات مرة سألته عن ذلك فقال: «لا أعتقد أنني سأكرر هذه التجربة؛ كانت قاسية عليّ، ولا أعتقد أن الفيلم كان جيّدا. لو أنني سأخرجه الآن لربما انتبهت إلى مسائل كان يمكن لي تجنبها».

عوض الاستمرار في الإخراج، تحوّل جوني ديب إلى الإنتاج، وذلك من عام 2011، عندما قام بإنتاج فيلم «هيوغو» الذي أخرجه مارتن سكورسيزي، و«مفكرة الروم» كما حققه بروس روبنسون، وهو لم يظهر في فيلم سكورسيزي لكنه مثّل دور الصحافي (الواقعي) بول كمب في الفيلم الثاني. «ذا لون رانجر» هو إنتاجه الرابع، ولديه ثلاثة أفلام أخرى ينتجها حتى عام 2015.

لكن عودته إلى الإخراج محتملة، إذا ما واصل حماسه حيال مشروع فيلم تسجيلي حول حياة المغني كيث رتشاردز (من فريق «ذا رولينغ ستونز»).