تألق «القفطان» في «أيام الموضة» بمراكش

التظاهرة رفعت شعار «ألوان المغرب» وسعت لإبراز المهارات المغربية في مجال الموضة

TT

نجحت الدورة الخامسة من «أيام الموضة (فاشون دايز)» بمراكش في تأكيد أن خاصية التنوع التي تميز المغرب، والتي تجد تجسيدها في أكثر من مجال، تبرز بكل بهائها وألوانها وجمالياتها في مجال الموضة وعالم الأزياء، خاصة التقليدية منها، نسائية كانت أم رجالية، للكبار أو للصغار.

وتضمن برنامج التظاهرة، التي نظمت أخيرا على مدى يومين، ورفعت شعار «ألوان المغرب»، عرض ألبسة عصرية جاهزة فاخرة، وأزياء تقليدية مغربية لمصممين مغاربة وأجانب، كما تضمن البرنامج فقرة خاصة بالتكريم، تم خلالها الاحتفاء بعدد من الوجوه، كالممثلة المغربية أسماء الخميليشي والمخرج المغربي نبيل عيوش.

ورغم ترحيب المتتبعين ببرمجة عروض للأزياء الجاهزة، خاصة بالأطفال والنساء والرجال، تنفتح على العصري من اللباس، فإن «القفطان» التقليدي قد حافظ على قيمته وحضوره المتميز، وشد إليه أنظار الحضور، وأعطى، من خلال أشكاله وألوانه، رونقا خاصا للتظاهرة.

وتحولت تظاهرة «أيام الموضة»، التي أطلقتها الفيدرالية المغربية للخياطة التقليدية، قبل أربع سنوات، إلى إحدى أبرز تظاهرات الموضة وتصميم الأزياء في المغرب. وأبرزت، في دورتها الخامسة، حسب نجية العبادي، رئيسة الفيدرالية المغربية للخياطة التقليدية، المهارات الفنية المغربية في مجال الموضة، وتشجيع تطوير مهنة الخياطة والزي التقليدي، واكتشاف المواهب الشابة في التصميم والموضة، مع مواكبتهم وإدماجهم في عالم الخياطة الرفيعة. وأشارت عبادي إلى أن التظاهرة تسعى إلى كل ما يضمن الرفع من قيمة الصناعة التقليدية والحفاظ على الموروث الثقافي المغربي، وتثمين فن الخياطة المغربية الغني والمتنوع، من خلال تشجيع المصممين الشباب على الجمع بين التقليدي والمعاصر.

وعن شعار «المغرب بالألوان»، قالت عبادي: «هو شعار يقدم المغرب بوصفه بلدا متعدد الروافد، يتميز بخاصيتي الوحدة والتنوع. ليبقى المشترك هو الاحتفاء بالجمال في جميع أشكاله، التي تنعكس، خلال التظاهرة، في (لوحات) ترفع من شأن الموضة لتلامس مستوى الفن».

وتكاثرت تظاهرات عرض الأزياء، في المغرب، وتعددت في مواعيدها، على امتداد السنة، وتلقى نجاحا كبيرا، ويتألق خلالها مصممون مجددون يضعون لإبداعاتهم عناوين مختلفة، تنقل مضمون هذه التصاميم وشكلها، في مرافقة تامة لعالمية اكتسبها الزي التقليدي المغربي.

ويحتفظ المغاربة، للقفطان، بتقدير خاص، ويحرص المهتمون منهم بعالم الموضة، خلال مناقشاتهم، التي تتناول واقع ومستقبل هذا الزي، على أن يرافقوا موجات التطوير التي تطاله بتنبيهات تحذر من أن يفقد جوهره وهويته. ويرون أن تصميم هذا الزي يتطلب معرفة عميقة بتاريخه، وأن تطويره يتطلب أن يبقى حكرا على «الحرايفية»، أي من امتهنوا حرفته وضبطوا أصولها جيدا ولهم ماض مشهود ومعترف به فيما يتعلق بالخياطة والتصميم، بشكل يجعلهم قادرين على فهم واستيعاب مساحات التطوير التي يمكن التعامل من خلالها مع هذا الزي.

ولأن التطوير يأتي، في الغالب، ملبيا لإغراء، أو غيرة على ما يراد تطويره، فإن الذكاء التسويقي دفع المصممين إلى إرضاء كل الأذواق، غربية كانت أم عربية، ولذلك لم تعد هناك من شروط مسبقة للإبداع، أو خط موحد يميز الأزياء المعروضة، لترك الباب مفتوحا على مصراعيه لمزج الخيال بالابتكار والاقتباس.

ويشدد المتتبعون لمسيرة القفطان على أن الإقبال الذي يعرفه هذا الزي التقليدي المغربي على الصعيد الدولي دليل مادي وملموس على أنه دخل خانة الخياطة الرفيعة. لذلك، وبالموازاة مع الإقبال الذي صار يحظى به القفطان المغربي، فقد كثرت الأسئلة بصدد طرق تطويره وجعله يراعي، وطنيا، يوميات المرأة المغربية على صعيد قيادة السيارة والذهاب إلى العمل أو حتى للتسوق، وعالميا بتلبية رغبات أنيقات العالم، الراغبات في زي باذخ يقرب أو يجمع بين ثقافات متباينة، تنفتح معها الحدود بين الأصالة والمعاصرة إلى حد الذوبان.

وبالقدر الذي توسعت فيه آفاق القفطان المغربي، زادت المخاوف من احتمال فقدانه أصالته، خصوصا أن بعض المصممين جعلوه يتحدى التقاليد ويكشف المفاتن، من خلال تصاميم تكشف عن توجه تجديدي يبدو بنظر البعض متطرفا في حداثته. ولذلك دعا البعض إلى ضرورة أن يبقى التطوير في الحدود التي تحافظ لهذا الزي على أصالته، بحيث يتم الانفتاح على الحداثة والمعاصرة بالانطلاق من خصوصيات هذا الزي والمضمون الحضاري الذي يمثله ويعبر عنه، حتى لا يتحول إلى «شيء آخر».

ويمكن القول إن القفطان قد استطاع أن يصمد في وجه موجات الموضة و«جنون» عدد من المصممين، وأن يتلاءم مع التحولات الاجتماعية والثقافية الاقتصادية، مستوعبا الواقع الجديد ليوظفه وفق ما يتلاءم وطبيعته ويحافظ له على خصوصيته، من خلال تصميمات حملته من البيوت والمناسبات المغربية الحميمية إلى العالمية، على يد كبار المصممين، أمثال إيف سان لوران وجون بول غوتييه وغيرهما، الأمر الذي جذب انتباه نساء من جنسيات أخرى، وخول له عروضا تقام على شرفه بانتظام في عدد من المدن المغربية والأوروبية.

ورغم تشديد المصممة المغربية سعيدة بنطاهر، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على أن «تطوير القفطان يجب ألا يدفعنا إلى التفريط في خصائصه، التي عرف بها، منذ قرون»، فإنها لا تمانع في أن «يتم إدخال تغييرات لا تطال العمق، وتهم طبيعة التصميم والتخفف من طبيعته بوصفه زي سهرات، فقط، لصالح طبيعة عملية، بتوجه عصري». ولاحظت المصممة المغربية بشرى بريغيل، أن «التوجه العام يبقى الحرص على التطوير في شكل القفطان دون التفريط في مضمونه الحضاري». وعن أثمان القفطان، قالت بريغيل إن ما تعرضه من قفاطين يتراوح بين 5 آلاف دولار و11 ألف دولار للقفطان الواحد. أما زبناؤها فمن الطبقة الراقية، من المغرب والغرب، وعدد من الدول العربية، وبشكل خاص من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.