سمك «الدوراد» المتنكر يغرق أسواق بيروت

«البحر والفن» معرض فريد وقعه 50 فنانا بين نحات ورسام ومصمم

من سمكات المعرض
TT

لم يستطع زوار أسواق بيروت من كبت ابتساماتهم التي راحت ترتسم على وجوههم الواحدة تلو الأخرى عند كل استراحة لاشعورية قاموا بها وهم يتجولون في ممرات «Beirut souks»، وذلك أمام مجسمات سمك الـ(دوراد) التي زينت طول جهته الجنوبية والموقعة من قبل 50 فنانا لبنانيا شاركوا في معرض «البحر والفن» كل على طريقته وبأسلوبه وانطلاقا من اختصاصه.

هذا المعرض الذي أقيم بمبادرة من شركة «سوليدير» وبتنظيم من شركة (بيغ تايم) يتيح الفرصة أمام اللبنانيين للتمتع بأعمال فنية لا تشبه غيرها، محورها البحر وسمكة الـ(دوراد). هذه السمكة المشهورة في بيروت والتي تجسد رمزا من رموز الثروة البحرية فيها.

هنا سمكة ذهبية تفتح فاها مبتسمة، وهناك أخرى حمراء مخططة برسوم تعبيرية تنظر إليك بعين بلورية ثاقبة، وثالثة زرقاء مربوطة بالشباك التي اصطادتها وفي جوفها تمنيات الزوار المكتوبة على الورق بأقلامهم، وغيرها من مجسمات سمك الـ(دوراد) المزينة بأنامل فنانين لبنانيين حاولوا بتصاميمهم الغريبة ابتكار قاع بحر في الهواء الطلق. ما نراه هنا لا يشبه السمك الموجود لا في المحيط الهادئ ولا في البحر الأحمر.

الهدف من إقامة المعرض هو دعم العمل الخيري لثلاث جمعيات تعنى بأمور الأطفال الصحية وهي: «تمنى» و«هارت بيت» و«طفولة» بحيث سيتم بيع هذه المجسمات في نهاية المعرض الذي يستمر ثلاثة أشهر متتالية، عن طريق المزاد العلني ويعود ريعه لتلك الجمعيات.

النزهة بين سمك الـ«دوراد» المزين يبدأ من ناحية السوق الجنوبية (سوق بسترس) فتتوزع 10 منها على خط مستقيم ليطالعنا القسم الثاني منها أمام باحة المطاعم والمقاهي ولتحتضن ما تبقى منها زاوية فسيحة تطل على سوق الطيب أمام مكتبة أنطوان من الجهة الشمالية لمجمع (سوق بيروت) التجاري.

بعض تلك المجسمات التي بدأ العمل فيها منذ نحو الشهر حملت عناوين ترتبط مباشرة بلبنان كتلك التي صممها فريق «أشكمان» الغرافيكي فأطلق على عمله اسم «لبنان يا قطعة سمك» مستوحيا إياه من أغنية وديع الصافي الشهيرة (لبنان يا قطعة سما) فيما أرادها أدمون بطرس (فنان موزاييك) فسيفساء أثرية تحمل بقطع الموزاييك المصطفة بدقة عليها رسوم فينيقية لأول شعوب سكنت بلاد الحرف. أما جان كلود بجاني (مصور فوتوغرافي) فأرادها رمزا لطبق السمك المشهور في لبنان، إذ حرص على تحويل جوفها المضاء بأنوار خافتة إلى مائدة صغيرة يسيل لها اللعاب تشبه تلك التي نشاهدها عادة في مطاعم السمك أمثال (بيبي عبد) في مدينة جبيل.

ولجأ بعض الفنانين ووفقا لخيالهم الواسع إلى تزيين مجسم سمكة الـ«دوراد» حسب أذواقهم بحيث حولتها هالة بيضون (مصممة حلويات) إلى أنثى أنيقة وجميلة بعد أن غطتها بطبقة من السكر الزهري. وقد زينت جسمها تماما كقطعة كيك برسوم مصنوعة من السكاكر الملونة على شكل ورود ونجوم، ودهنت رأسها بالأصفر وكحلت عينيها بالبرتقالي.

أما راني زاخم (مصمم أزياء) فقد غطى المجسم موضوع المعرض بأقمشة الدانتيل الفاهية اللون وطرزها بأحجار الكريستال الناعمة مما أضفى عليها بريقا يجذب ناظرها من بعيد. ولاقت سمكة الـ«دوراد» الموقعة من وكالة (إف بي 7 بيروت) للإعلانات إعجابا من قبل زوار المعرض الذين وقفوا يدققون النظر فيها بعدما تحولت إلى دراجة هوائية محاكة بخيوط نايلون خضراء وصفراء وفوشيا، وغيرها متداخلة مع بعضها البعض لم ينس مبتكرها، وضع عجلتيها ومقودها وبوقها في الإطار نفسه. أما سمكة الـ«دوراد» الموقعة بريشة الرسام اللبناني وجيه نحلة فشكلت لوحة زيتية رائعة جمعت أمواج البحر وأشعة الشمس في ألوانها. وتقول سيبيل تامر (فنانة تشكيلية) إن رؤيتها الفنية جعلتها تحول سمكة الـ«دوراد» إلى لوحة تعبر فيها عن اختصاصها فحملتها المكنسة وريشة تنظيف الغبار وكللت رأسها بكمشة شعر من الصوف الرمادي للإشارة إلى أقدمية هذه السمكة العريقة في بحرنا وكأنها الجدة التي أمضت عمرها تفانيا لأولادها فكانت «ست البيت» بكل ما للكلمة من معنى.

أما ندى غزال (مصممة جواهر) فوصفت تصميمها للسمكة البيضاء بالرشيقة والأنيقة، وقد غلب عليها الذهبي (كون سمكة الدوراد تتميز بهذا اللون تحت عينيها وعلى وجنتيها) وزينت ذنبها بأساور ذهبية ضخمة إشارة منها إلى المهنة التي تمارسها.

ولم تتوان مينا ساتشي (مصممة ديكور) من تحويل سمكتها (الصفراء) إلى لوحة تحمل عبارات تفاؤل فكتبت عليها (لا شيء مستحيل) و(الأرزة محروسة).

وتفنن المصممون في تقديم قشر السمك (ecailles) الذي يغطيها عادة فجعلها البعض بلورية لماعة، فيما امتزجت بقطع معدنية من البرونز والفضة والذهبي في مجسم آخر أو مسننة وأحيانا مدروزة بكبسون ذهبي كتلك التي صممها إيلي بخعازي (مصور فوتوغرافي). ولم ينس كريم شعيا (اختصاصي إعادة تدوير) تخصيص الهيكل العظمي للسمكة بمجسم صممه من المعدن الفضي الجاف (غير اللماع) ليذكرنا بالسمك والحسك.

ورأت هالة غريب (نحاتة) أن تصميمها الذي يشبه لوحات اللغز (بازل) يضفي الفرح إلى مشاهده وهو يتألف من 508 قطع من السيراميك الصغيرة والمتوسطة والكبيرة تمثل مجسمات السمك المصفوفة بتأن على كامل جسم السمكة والتي تعني التجدد وقد اختارت ألوان فاهية طفولية مستوحاة من ألوان سمك السلمون إضافة إلى الأخضر والأصفر والأحمر لتبدو ملائمة لهدف المعرض، ألا وهو مساعدة الأطفال المرضى.

معرض «البحر والفن» المتاحة مشاهدته أمام الذواقة للفن المعاصر والحديث بكل أشكاله هو بمثابة فسحة زاهية دغدغت أحلام اللبنانيين التواقين لتجديد أفكارهم في ظل رتابة أيامهم الرمادية، فلونتها على طريقة قوس قزح وضخت في قلوبهم دم الشباب المبتكر لينبض بالأمل.