غلام محمد الحسيني.. أقدم موظف في مكتبة دبي العامة

37 عاما في خدمة الكتب وصديق كبار شخصيات الدولة من رواد المكتبة

TT

«كان عمري 14 عاما عندما باشرت العمل في مكتبة دبي العامة، جامعا بين الدراسة والعمل، أدرس في الصباح وأعمل في الظهر، وأكملت دراستي وأنا أعمل في المكتبة، ويمكنني القول إنني تعلمت في المكتبة أكثر مما تعلمت في المدرسة، وكنت أنصح الطلبة أن يأتوا إلى المكتبة ويتعلموا فيها؛ لأنها تحتوي على كل شيء: التكنولوجيا، الشعر، التاريخ، الاقتصاد، وجميع العلوم بين الأرفف. وما يميز المكتبة أن جميع الكتب مجموعة فيها، فهي عبارة عن مدرسة وجامعة».

هكذا تحدث غلام محمد الحسيني، أقدم موظف في مكتبة دبي العامة إلى «الشرق الأوسط»، وأضاف: «عملت في المكتبة منذ عام 1976 حين كانت المكتبة تتألف من قاعتين فقط: واحدة للكتب وأخرى لكتب الأطفال، بالإضافة إلى غرفة لتجليد الكتب وصيانتها وترميمها».

وماذا تعلم الحسيني في المكتبة؟ يقول: «تعلمت لغات كثيرة منها: الفارسية، والأردو - الهندية، والإنجليزية في المكتبة من خلال التعامل مع الرواد والمراجعين. الأجانب يترددون كثيرا على المكتبة، وهم من أكثر رواد المكتبة حتى الوقت الحاضر».

وعن تدرجه في السلم الوظيفي، يقول الحسيني: «بدأت عاملا، ومساعد موظف، وموظفا، ومن ثم ترقيت إلى ضابط إداري خدمات».

وأما الشخصيات التي تتردد على المكتبة، فهم: ضاحي خلفان، ومحمد المر، وموزة غباش، وحسن شريف، وبلال البدور، وعبد الغفار حسين، ومحمد صالح القرق وآخرون. ومعظمهم يعرفونني شخصيا. وكان الجو مليئا بالمحاضرات والندوات والاحتفالات. أما الآن فلا توجد أماكن لكل ذلك؛ لأننا نقلناها إلى مكتبات الفروع لأنها أكثر اتساعا حسب الأبنية الحديثة. ومكتبة دبي المركزية قديمة.

كيف جاء غلام محمد الحسيني إلى المكتبة؟ يتأمل سقف المكتبة قليلا، ويجيبني: «كانت ظروفي صعبة، وكنت أساعد عائلتي، وكنت أعرف شخصا يعمل في البلدية، فطلبت منه والدتي أن يجد لي عملا، فاقترحوا علي عملا في المكتبة، فوافقت في الحال. وعملت مع أول مديرة للمكتبة، نادية عبد العال، مصرية الجنسية، التي كانت ودودة وتقدم لي يد العون، ونصحتني أن أعمل وأدرس وألا أضيع المدرسة».

أما عن تنظيم الكتب، فيقول: «كان تنظيم الكتب في مكتبة دبي العامة تتبع المعايير الدولية منذ أول نشأتها، حيث عمل فيها متخصصون أمثال: محمود عطيم، أردني، متخصص في المكتبات، وأقام لنا ورشات تدريب في علم المكتبات. ولدي جميع الشهادات في مجال الفهرسة وتنظيم الكتب».

ويضيف: «وتعلمنا التعامل مع الرواد والزملاء، داخل المكتبة وخارجها، وحتى مع الأسرة، وتربية الأولاد، وذلك من خلال الكتب المتوفرة هنا».

منذ 1976، مر بجميع مديري المكتبة الذين توالوا على إدارتها: نادية عبد العال، مصرية، الريح عمر إبراهيم، سوداني، والإماراتيون: فريدون عبد الرحمن، ومحمد جاسم العريضي، وعبد الرحمن إبراهيم يونس، المدير الحالي للمكتبة.

هناك قصة حب وعشق بين الحسيني وبين المكتبة، يقول: «أحب المكتبة من أعماقي، وأحترمها بحيث إنني أعتبرها مكانا مقدسا. كما أحترم الناس الذين يرتادونها، وأشعر بأنني أعيش وسطهم، حتى عندما لا يوجد أحد في المكتبة، أعيش مع مؤلفي الكتب كما لو أنني أتحدث إليهم ويتحدثون إلي، لأنهم ببساطة وضعوا أرواحهم وأذواقهم وأحلامهم في بطون هذه الكتب. لم أعمل في حياتي إلا مع الكتب، ولا أعرف غيرها، بل إن حياتي في الكتب، وأفتخر أنني أخدم الوطن، ورواد المكتبة».

وسألته: ألم تفكر بتأليف كتاب؟ أجاب: «كلا. هوايتي هي الرياضة والمشي، وأحب العزلة». وهل لديك مكتبة في البيت؟ «كلا. إنني أكتفي بما لدي من كتب هنا لكي أعتني بها». وهل كان أساتذتك يترددون على المكتبة التي تعمل فيها؟ «نعم. كان أساتذتي يأتون إلى هنا لاستعارة الكتب وقراءتها، ويشجعونني على العمل فيها، ويعتبرونني محظوظا، وأنا بالفعل هكذا. وكنت أشجع زملائي الطلبة في المدرسة أن يترددوا على المكتبة. وكان معظمهم يأتون إلى المكتبة بكتبهم وحقائبهم لأنهم يجدون المكان المثالي للدراسة هنا، فهي تبقى أفضل مكان للقراءة، وبعضهم لم يجد المكان اللائق للدراسة في البيت، إما بسبب الصخب أو انعدام التبريد آنذاك، أي في الستينات».

ولم يكن يبخل بتقديم العون لأصدقائه ومعارفه: «كنت أساعد طلبة الجامعة في الحصول على البحوث، فلم يكن الإنترنت موجودا، كنت أبحث في الكتب عن موضوعات مثل: حرب الخليج، الإيدز، طبقة الأوزون، وغيرها من الموضوعات التي يبحثون فيها. وكان لدي دولاب خاص أحفظ به تلك البحوث. كنت أقوم بعملية البحث بدلا عنهم، لأنني في المكتبة طوال الوقت، وأعطيهم المصادر اللازمة لأبحاثهم».

وعن حياته العائلية يقول: «ولدت مع ولادة مكتبة دبي العامة في 1963. وكانت عائلتي تسكن في منطقة الرفاعة، ليس بعيدا عن البنك البريطاني. إنني متزوج ولدي ابنان، أحدهما مهندس كومبيوتر في كلية الطيران، وهو أول طالب في منطقة دبي التعليمية حصل على شهادة (آي سي دي إل)، وابن آخر في الصف التاسع، ولدي ابنتان، واحدة تعمل في المطار، وأخرى متزوجة».

ويختتم الحسيني حديثه: «أقترح أن يقوم كل كاتب وكل ناشر بتقديم نسخة أو عدة نسخ من كتابه إلى المكتبة، كما هو الحال في مكتبة الكونغرس؛ لأن المكتبة تخلد الكتب، وتحافظ عليها، وتجعلها في متناول الأجيال المقبلة».

وعن أغرب حادثة وقعت له في المكتبة، يقول غلام محمد الحسيني: «كان أحد الرواد يعشق الكتب لدرجة الجنون، عندما يأتي لاستعارة الكتب يقوم بشم صفحات الكتب، ويتلذذ برائحتها، ويقول: آه.. أموت على رائحة الكتب، ولا أستطيع العيش من دونها».